بيروت نجمتنا
كتب: رئيس تحرير صحيفة "الحياة الجديدة"
في "الزمان الرخو" يحدث هذا، يجتاح بيروت، انفجار غامض الهوية، أحالها إلى مدينة "هيروشيمية" وعصف في قلوبنا بوجع عظيم، لا لأن بيروت، بيروتنا في الدم والملحمة والمصير فحسب، وإنما كذلك لأن هذا الزمان ما زال يفتك بنا، أمة في عواصمها، واحدة تلو الأخرى..!!
في الزمان الرخو يحدث هذا، وسيحدث ما هو أخطر، إذا ما تواصل في حياتنا العربية هذا الزمان، الذي هو زمان الفرقة والتشرذم بصراعات الطوائف وأحابيلها الإقليمية، وزمان أوهام النجاة بالتطبيع مع دبابات العدو، التي لا تريد سوى هرس أجسادنا وحياتنا من المحيط إلى الخليج..!!
وفي الزمان الرخو، كلّ حريق مهول يظلّ غامضَ الهُوية (..!!) غير أن الكارثة أشد ما تكون واضحة وجلية، دم الضحايا على كل الشوارع والأرصفة، وركام الخراب في كل مكان، ولا شيء سوى الفجيعة، وهذه هي بيروت التي نبكي اليوم، لا بكاء الرثاء الكسير، وإنما بكاء الحزن النبيل، وبكاء الغضب الجليل، لعل الأمة تنهض وتدحر هذا الزمان الرخو الذي يتربص بها في مختلف دروبها..!!
مصاب بيروت مصابنا، وفلسطين اليوم وكعادتها لاتخطئ واجبها الوطني، والقومي، والإنساني، فتنكس الأعلام بقرار رئاسي، حدادا وتضامنا مع الشعب اللبناني الشقيق، وبالقرار الرئاسي تمد يدها لدعم ميداني، كي تداوي بيروت جراحها، وشباب المخيمات الفلسطينية هناك، هرعوا إلى مشافيها للتبرع بالدم، والدفاع المدني الفلسطيني هناك، بات تحت تصرف الدفاع المدني اللبناني، فلطالما كانت فلسطين وهكذا ستظل أبدا، تقدس روابط الدم بأرومته الأصيلة، وتحفظ له سيرته الملحمية المجيدة، بيروت ملحمتنا وقصيدتنا ونجمتنا التي قالها شاعرنا الكبير محمود درويش وقد رآها مثلما رأيناها وسنظل نراها رغم الركام، "تفاحة للبحر، ونرجسة الرخام، وشكل الروح في المراَة ووصايا الأرض في ريش الحمام". ودائما: "نحن الواقفين على خطوط النار نعلن ما يلي: لن نترك الخندق حتى يمر الليل"، حتى ينتهي هذا الزمان الرخو ونخرج من واقعه الأخرق.