القنبلة الأميركية على ناجازاكي
خالد جمعة
في نهاية الحرب العالمية الثانية، ألقت الولايات المتحدة الأميركية قنبلتين نوويتين على مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين، بعد أن دخلت الحرب إثر قيام اليابان بمهاجمة الأسطول الأميركي في قاعدة بيرل هاربر بواسطة الطيارين الانتحاريين "الكاميكازي".
كانت اليابان قد رفضت إعلان مؤتمر "بوتسدام" الذي نص على استسلام اليابان بدون شروط، وقد صدر الإعلان في 26 حزيران، أصدره ترومان وغيره من زعماء التحالف، وكان بمثابة بلاغ نهائي، فإذا لم تستسلم اليابان، سيهاجم الحلفاء البلاد، وسيؤدي ذلك إلى "التدمير الحتمي والكامل للقوات المسلحة اليابانية والوطن بأكمله"، ولم يذكر البيان أي شيء عن القنبلة الذرية.
وتجاهل رئيس وزراء اليابان كانتارو سوزوكي هذا التقرير والمدة التي حددها للاستسلام، فوجه الرئيس الأميركي هاري ترومان أمراً بإطلاق السلاح النووي الذي سمي "الولد الصغير"، وحدث ذلك يوم الإثنين الموافق السادس من آب عام 1945، وأطلقت القنبلة الثانية "الولد البدين" على مدينة ناجازاكي في التاسع من آب، وهذه الهجمات هي الوحيدة في تاريخ الحروب التي استخدمت فيها القنابل النووية.
نتيجة هذا القصف، قتل 140 ألفاً في هيروشيما، و80 ألفاً في ناجازاكي، معظمهم من المدنيين، نصفهم مات في نفس يوم التفجيرات والباقي لاحقاً، وقد توفي عدد كبير بعد ذلك بسنوات بسبب السرطانات التي تسببت بها الإشعاعات النووية.
أعلنت اليابان عن استسلامها بعد ستة أيام من تفجير قنبلة ناجازاكي، في الخامس عشر من آب، ووقعت وثيقة الاستسلام في الثاني من أيلول، مما أنهي الحرب في المحيط الهادئ رسمياً.
تمتعت مدينة هيروشيما بأهمية صناعية وعسكرية في الوقت الذي تم تدميرها فيه، واحتوت على عدد من معسكرات الجيش، بما في ذلك مقر الشعبة الخامسة والمقر العام الثاني للجيش الخاص بالمشير شونروكو هاتا المسئول عن الدفاع عن جميع الأجزاء الجنوبية في اليابان. كما كانت المدينة مُزَوِّد ثانوي وقاعدة لوجستية للجيش الياباني ومركزاً للاتصالات، ونقطة تخزين، ومنطقة تجميع للقوات.
وصل عدد سكان هيروشيما لأكثر من 381 ألف نسمة في أوائل الحرب، ولكنه انخفض قبل القصف الذري بسبب الإخلاء المنهجي الذي قامت به الحكومة اليابانية، وقدر عدد السكان في وقت الهجوم بـ350 ألف نسمة.
انطلق سرب الطائرات [393d B29 إينولا جاي] من القاعدة الجوية الشمالية بجزيرة تينيان، غرب المحيط الهادئ. وكان يقوده قائد المجموعة رقم 509 الكولونيل بول تيبتس، ورافق إينولا جاي التي سميت باسم أم الكولونيل تيبتس اثنان طائرتا B29، وقامت القاذفة الأولى وتسمى الفنان الكبير، بقيادة الرائد تشارلز دبليو سويني، بنقل المعدات؛ بالإضافة إلى طائرة أخرى سميت بعد ذلك بالشر الضروري، والتي كان يقودها الكابتن جورج ماركوارت.
قبل الانفجار بحوالي ساعة، اكتشف رادار الإنذار الياباني اقتراب بعض الطائرات الأمريكية من الجزء الجنوبي الياباني. وتم تنبيه البلاد، وتوقف البث الإذاعي في مدن كثيرة، من بينها مدينة هيروشيما. وقرابة الساعة الثامنة صباحاً، حدد الرادار في مدينة هيروشيما اليابانية عدد الطائرات القادمة بأنه لا يتعدى الثلاث طائرات، ومن ثم تم رفع حالة التأهب، وللحفاظ على الوقود والطائرات، قرر اليابانيون عدم اعتراض مثل هذه التجمعات الصغيرة، وحذَّرت الإذاعة الناس أنه قد يكون من المستحسن الذهاب إلى ملاجئ تحميهم من الغارات الجوية إذا ما شاهدوا الطائرات B 29 تقترب، ولم يتوقعوا حدوث أي غارات حيث اعتقدوا أن الطائرات في رحلة استطلاعية فقط.
انطلقت القنبلة الساعة الثامنة والربع بتوقيت هيروشيما، كما كان مخططا، وهي قنبلة تعمل بقوة الجاذبية وهي قنبلة ذات انشطار مصوب. وتحمل 60 كيلوجراماً من اليورانيوم 235، واستغرقت القنبلة 57 ثانية لتسقط من الطائرة وتصل إلى الارتفاع الذي ستنفجر فيه، وهو حوالي 600 متر فوق المدينة، وحولت القنبلة مسارها بحوالي 240 متر بسبب الرياح المتعامدة، لتسقط على عيادة شيما للجراحة بدلاً من الهدف المخطط له، وهو جسر أيوي، ونتج عن ذلك انفجار يعادل حوالي 13 كيلوطن من الTNT ، وحدد المسؤولون اليابانيون خسارة المباني في هيروشيما بـ69.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة قد سبق وألقت منشورات تُحذر فيها المدنيين من الغارات الجوية على اثنتى عشر مدينة يابانية أخرى، لم يتم تحذير سكان هيروشيما من إسقاط القنبلة الذرية.
وفقاً لمعظم التقديرات، أدى الانفجار إلى مقتل ما يقرب من 70 ألف شخص في الحال بمدينة هيروشيما. وتشير التقديرات إلى أن مجموع الوفيات بحلول نهاية عام 1945 نتيجة الحروق، والإشعاعات، والأمراض ذات الصلة، والآثار التي تفاقمت بسبب نقص الموارد الطبية، يتراوح بين 90 إلى 140 ألف شخص، وتشير بعض التقديرات الأخرى إلى وفاة 200 ألف شخص بحلول عام 1950، بسبب السرطان وغيره من الآثار طويلة المدى.
وفي صباح اليوم التاسع من شهر أغسطس عام 1945، أقلعت قاذفة أمريكية بقيادة الميجور تشارلز دبليو سويني، وهي تحمل القنبلة النووية التي أطلق عليها اسم "الرجل البدين"، وكانت خطة القيام بالهجوم الثاني مطابقة تقريباً لهجوم هيروشيما.
وفي الساعة 11:01، تمكن الكابتن كيرميت بيهان من رؤية الهدف في آخر دقيقة من انكسار السحب فوق ناغازاكي، فأسقط قنبلة"الرجل البدين"، التي يحتوي على 6.4 كيلوغرام من البلوتونيوم 239، على الوادي الصناعي بالمدينة، وبعد مرور ثلاثة وأربعين ثانية، انفجرت القنبلة في منتصف المسافة بين شركة ميتسوبيشي للصلب والأسلحة في الجنوب ومصنع ميتسوبيشي للذخائر في الشمال، وكان ذلك على بعد 3 كيلومتر (2 ميل) تقريباً شمال غرب المركز المخطط؛ اقتصر الانفجار على وادي أوراكامي، بينما حمت التلال جزء كبير من المدينة، ووصلت قوة الانفجار إلى ما يعادل 21 كيلوطنTNT ، وقُدِّرَت الطاقة الحرارية التي ولَّدَها الانفجار بـ3،900 درجة مئوية.
تراوح عدد الوفيات المباشرة بين 40 و75 ألف شخص، ووصل إجمالي عدد الوفيات بنهاية عام 1945 إلى 80 ألف شخص.
في 12 آب، أبلغ الإمبراطور العائلة الإمبراطورية بقراره بالاستسلام، وأشار هيروهيتو في تصريحاته إلى القصف النووي: "يملك العدو سلاحاً جديدا ومريبا يستطيع حصد العديد من الأرواح البريئة وتدمير البلاد، فإذا استکملنا القتال، سيؤدي ذلك إلى القضاء على اليابانيين والحضارة الإنسانية ككل، وبالتالي، كيف لنا أن نحمى ملايين المواطنين من الموت المحتوم؟ ولذلك، فقد قمنا بإعلان استسلامنا".