الحصان أمام العربة
كتب: رئيس تحرير صحيفة "الحياة الجديدة"
لا جدال، فأن أية قمة بعد الآن، وفي اية ساحة كانت، ومن أجل أن تؤكد حقيقة وسلامة معناها كإطار منتج للقرارات المسؤولة، من أصحاب القرار، دون أي استعراض، ولا أية خطابات استهلاكية، لا بد أن تكون على غرار القمة الفلسطينية، التي جمع بها الرئيس أبو مازن الشمل الفلسطيني من أقصاه إلى أقصاه، بمختلف ألوانه السياسية والحزبية والاجتماعيةـ
وبهذه القمة التي حازت على معناها، أسقط الرئيس أبو مازن رهانات المخططات الأميركية الإسرائيلية، على اختراق الساحة الفلسطينية، بأحابيل التطبيع، وأكاذيب المشاريع الوهمية، وليس هذا فحسب، وإنما أغلق كذلك كل الطرق أمام هذه المخططات التآمرية، مثلما أغلق الطرق أمام المزايدات الشعبوية، والتنظيرات النخبوية، بعد أن استوت القمة على خطاب المسؤولية الوطنية، برؤيته الصائبة لطبيعة، وحقيقة المخاطر التي تتعرض لها اليوم القضية الفلسطينية، وسبل مجابهتها، والتصدي لها بالقيادة الوطنية الموحدة، وفق اللجان التي ستشكل، والقرارات التي ستتخذ، ودون أي تحفظ على أي قرار وأية لجان، مثلما أعلن ذلك، وكضمانة قيادية، الرئيس أبو مازن في ختام أعمال القمة الفلسطينية.
وللتاريخ فإن هذه القمة هي الأولى التي تبث مجرياتها على الهواء مباشرة، فلم تكن هناك جلسة مغلقة، ما جعلها قمة شعبية بحكم انها كانت في بيوت الفلسطينيين في كل مكان، من خلال البث المباشر لتلفزيون فلسطين، بقرار الرئيس ابو مازن، القرار الذي يشبه قرار التأميم للملكيات الخاصة، التي تراكم الثروات على حساب المصالح العامة، ولأغراض الاشتراكية في الثروات والقرار، وفي القمم السياسية، لطالما كانت هناك ملكيات خاصة، تخفي عن العامة، ما تتنازع عليه، أو ما تتآمر بشأنه، أو ما تتنازل عنه...!!
وللتاريخ أيضا فإن ما جعل القمة الفلسطينية بهذه الصورة المشرقة، بجديتها وجدواها، وقد دارت مجرياتها بمناخ ديمقراطي لا مثيل له، ليس هي حنكة الرئيس أبو مازن، وحكمته السياسية فقط، وانما أولا وطنيته الفلسطينية، التي لطلما اختبرت كوطنية جامعة، وهي تتجاوز جراح الخلافات الشقيقة، من أجل صواب المسيرة النضالية، لحركة التحرر الوطني الفلسطينية.
ومن نافل القول إن هذه القمة، قمة تاريخية، واقرأوا بيانها الختامي، الذي وضع حداً لكل تقولات اليأس والإحباط والهزيمة التي تروجها مخططات التآمر الأميركية الإسرائيلية، ولكل محاولات هذه المخططات ضرب منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، كما وضع حداً لأوهام الانقسام البغيض أنه لن يكون قدراً أبدياً على شعبنا، وأن المسعى الوطني، سيظل نحو إقامة نظام سياسي ديمقراطي واحد، وسلطة واحدة، بقانون واحد.
والآن، الحصان أمام العربة، كما يقال، لصواب القرار والموقف، ولأجل المضي في الطريق المطلوبة، فلا مجال بعد هذه القمة، لأي تذرع أن لا نمضي بها في طريقها الصاعدة نحو الحرية والاستقلال، وبقوة الوحدة الوطنية، وسلامتها دون اي انقسام، ولا اية شرذمة، يمكن لعربة فلسطين ان تتقدم في طريقها، ولن يكون بوسع غدر التأمر ان يوقفها، مهما وضع من صعوبات، وعراقيل أمامها، ولعل كوشنير على سبيل النموذج فحسب، يعرف ذلك، فيكف عن ألاعيبه الصبيانية...!!