الوله العجيب
كتب: رئيس تحرير صحيفة "الحياة الجديدة"
قد نفهم - وقد فحسب – أن هناك غايات ودوافع سياسية وأمنية، هي التي دفعت الإمارات والبحرين لتوقيع اتفاقات تطبيع بينهما وإسرائيل، لكنا لن نفهم ولن نتفهم هذا الوله، الإماراتي تحديدا، بهذا التطبيع، وإلى حد كتابة التغريدات الساخنة على صفحات المسؤولين في الخارجية الاماراتية، الناطقة باسم هذه الخارجية في تغريدة لها تريد سلاما دافئا (..!!) مع إسرائيل، وكأن الإمارات كانت في حرب ضروس معها ...!! كما وصل هذا الوله والذي يحتاج إلى علم النفس لتفسيره، فهو وله مريض بدون ادنى شك، وصل إلى حد وضعت فيه التلفزة الإماراتية شارتها بالعبرية ..!! وأجرت بثا مشتركا مع القناة 12 الإسرائيلية، وكانت اللغة بينهما كأنها لغة العشاق الذين التقوا بعد فراق مرير ..!! وليس هذا فحسب، فثمة من كتب ولحن وغنى أغنية إماراتية، تدعو إلى زيارة تل أبيب، بنهج البدوي الرهيب ...!!! وانتشر شريط مصور على بعض وسائط التواصل الاجتماعي، يظهر ثلاثة أشخاص من الإمارات، وهم يتفاخرون بمثلجات وصلت لهم توا من تل أبيب ...!!
يلوم هؤلاء الفلسطينيين على بعض ردود فعلهم العنيفة ضد هذا التطبيع المذل، ولا يلومون أنفسهم على تبجحهم بهذه المحبة الحسية المعيبة لإسرائيل الدولة التي لا مشروع للسلام لديها، ولا غاية لها سوى الاحتلال الذي سيكون للدول التي تطبع العلاقات معها، وأولها الإمارات لأنها محفظة نقدية قابلة للنهب ...!!
لسنا نحن من يقول إن هذا التطبيع هو على نحو بليغ احتلال لهذه الدول، خبراء في الشؤون السياسية والامنية والاجتماعية للخليج العربي، ومنهم الكويتي د.عبد الله النفيسي، من قال ذلك وأوضحه في أكثر من موقع وتصريح، ومن مسقط وفي مقابلة إذاعية مع مواطن عماني، كان سابقا موظفا في الخارجية العمانية، قال بالحرف الواحد "أعارض التطبيع، لأنه خطر على وطني، وليس خطرا على حكومتي، يا ريت خطر وينحصر في الحكومة، سنبلع ذلك، ولكنه خطر على وطني ووجودي". ويوضح هذا المواطن لمحاوره، أن الإسرائيليين سيدخلون عبر التطبيع للاستحواذ على البلاد بأعداد تتزايد منهم، وعبر قوانين عديدة، منها قانون الاستثمار وقانون الجنسية، وقانون الجماعات الخاصة، والمدارس الخاصة، والإذاعات الخاصة، وإذا أنت طبعت في عُمان مع إسرائيل، يقول هذا المواطن لمحاوره، وجاءك 200 ألف صهيوني، وتوزعوا في مدن السلطنة، فكيف ستوقف هؤلاء الناس إذا ما أقاموا أندية، وإذاعات للجالية الإسرائيلية ...!! التطبيع إذن خطره على العرب ودولهم ومستقبلهم، أكبر بكثير من خطره على فلسطين وقضيتها، فنحن هنا نقاوم الاحتلال، ونواصل مسيرتنا النضالية لدحره، لكن المطبعين يريدون هذا الاحتلال، بل ويشترونه بأموالهم ليصرف بها على مشاريعه الاستحواذية، وهذه هي طامة التطبيع الكبرى ..!!!
هل يصحو أشقاؤنا في الخليج العربي على خطر هذا التطبيع، قبل أن يصبحوا مجرد جاليات في بلدانهم، وقد لا ينالون سوى حقوق العمالة، في الاستثمارات الإسرائيلية، ولا حقوق غيرها حتى الدينية لن تكون غير "إبراهيمية" حسب توليفات اليمين الصهيوني الأنجليكاني، والتي ستنحصر فقط في تقديس غير المقدس، من تعاليم الصهيونية وفبركاتها ...!!