صهينة النخب
كتب: رئيس تحرير صحيفة "الحياة الجديدة"
تحت هذا العنوان رأى كاتب عماني هو د. عبد الله باحجاج أن "مرحلة صهينة النخب في الخليج العربي، قد بدأت ومرشح لها أن تتصاعد، وتستهدف مثقفين ومفكرين وكتاباً وصحفيين، وقد رصدت لها ميزانية مالية ضخمة لشراء الذمم وبهدف إدخال شعوب المنطقة في التشكيك بتاريخهم، وشرعنة الوجود الصهيوني بينهم، والترويج للتطبيع الثقافي، والسياحي معهم" ويرى باحجاج أن أصحاب هذه المرحلة "سينجحون مع القلة من أصحاب المواقف الملونة، وسيفشلون مع الأغلبية الصامدة، سيسببون الصداع مؤقتا، لكنهم في النهاية سيحترقون أمام مواقف النخب المحصنة بالعقيدة، والمبدأ وقوة الرأي العام بثوابت الأمة وقدسيتها".
الملاحظ في هذه الرؤية الثاقبة، أنها لا تتحدث عن مخاطر التطبيع على القضية الفلسطينية، كي تؤكد أن التطبيع خطر جسيم أولا على دول الخليج العربي ذاتها، بكونه ساعيا على الصعيدين الثقافي، والسياحي، إلى إعادة تشكيل وعي وثقافة وتاريخ شعوب الخليج العربي، بما يضمن لا شرعنة الوجود الصهيوني بينهم فحسب، وإنما تحويلهم إلى مجرد مستهلكين لسلع التطبيع الفاسدة الاجتماعية، والأخلاقية، والثقافية، وتاليا السياسية والأمنية..!!!
وباختصار شديد يرى باحجاج أن التطبيع بغاياته الأميركية والإسرائيلية لا يريد سوى تحويل دول الخليج العربي، إلى حاضرة صهيونية كبرى، ينسى أهل الخليج فيها عربيتهم، وتاريخهم، وصلاتهم القومية، وفي سيناريو أولي جربوه الأسبوع الماضي في دولة الإمارات حينما أقاموا احتفالا بعيد "العرش" اليهودي أمام برج خليفة، وفقط ليصادقوا على الرواية التوراتية (...!!) عن تيه "بني إسرائيل" في صحراء سيناء، وبمعنى أنه حتى الدين الإبراهيمي الذي يروجون له، دينا للتطبيع، ليس إلا خديعة صهيونية، للمصادقة على مجمل الرواية التوراتية، بصيغها السياسية الاستحواذية...!!!
ميزانية مالية ضخمة إذن لصهينة النخب في الخليج العربي...!!! لكن من سيقبلون أن يكونوا أدوات في خدمة هذا المخطط الشرير،، ليسوا غير "القلة الملونة" والقلة الانتهازية لا يمكن أن تشكل نخبة بالمعنى الاجتماعي والثقافي، المعنى الذي يعطيها الدور القادر على التأثير والتغيير، ولهذا فإن هذه القلة لن تكون غير ضاربة دفوف ونافخة أبواق كمثل طواقم "العوالم" في قديم شارع "محمد علي" القاهري...!! سيسببون لأهل الخليج على رأي باحجاج صداعا مؤقتا، لكنهم سيحترقون كما يرى، ونرى ذلك معه، "أمام مواقف النخب المحصنة بالعقيدة، وقوة الرأي العام، بثوابت الأمة وقدسيتها".
لقد كتبنا قبل هذا اليوم أن "التطبيع" بصيغه الأميركية والإسرائيلية، خطر على دول الخليج العربي أولا، وليس على فلسطين، وقضيتها فحسب، وقد أدرك هذه الحقيقة العديد من الكتاب والمثقفين في الخليج العربي، وباتوا في تجمعات لافتة تحت عنوان "ضد التطبيع" دفاعا عن تاريخهم، ومستقبل شعوبهم وبلدانهم، ضد هجمة التطبيع، ومخطط الصهينة الذي يريد الهيمنة على الخليج العربي، والاستحواذ على مقدرات أهله، لصالح مشاريعه الاستيطانية، وثقافته العنصرية التي تسعى لتمزيق الهوية العربية، بتاريخها وثقافتها، وأخلاقياتها التي تقدست في كتبها السماوية، في القرآن، والإنجيل.
لن تمر الصهينة، وببساطة وكمثال فحسب، لأن "الكوشر" لن يكون باستطاعته أن يحل محل "المجبوس والكبسة" ولا "الكيباه" محل الحطة والعقال، ولا إيقاعات موسيقى "الروك" محل إيقاعات الموسيقى الخليجية، والذائقة محل تاريخ وثقافة وسلوك، وعشاق الخليج لن يتنازلوا عن قصائد نزار قباني، وعشاق الجماليات الإبداعية لن يساوموا على قصائد المعلقات السبع، ولا على قصائد المتنبي، والحسن ابن هانئ، ومحمود درويش، والبردوني، وحبيب الصايغ والأمير خالد بن يزيد بن عبدالله آل سعود، وآخرين يصعب حصرهم هنا، ويظل هناك في المقدمة، حراس التاريخ، والعقيدة بتنورها الإنساني، والذين لن يقبلوا بغير فتوحاتها تاريخا وتراثا وطريقا لمستقبل العزة، والكرامة، والسيادة الحقة، وبالسلام العادل الذي يبدأ من فلسطين، ومنها ينتشر للناس جميعا.