باب العامود
كتب رئيس تحرير صحيفة الحياة الجديدة....
يعرفه التاريخ منذ سنوات الميلاد الأولى باباً من بوابات القدس التي بناها اليبوسيون الكنعانيون العرب، وتقدمه العمارة كواحد من أجمل، وأهم أبواب المدينة المقدسة، وقد شهد غزوات كثيرة أصابته بعضها بالتدمير، إلا أن مكانته بقيت على حالها بوابة تفضي إلى دروب الصلاة، نحو قبة الصخرة، وكنيسة القيامة، والمسجد الأقصى، وحائط البراق.
له من الأسماء، اسمان عربيان فلسطينيان، باب دمشق، وباب نابلس، ولا أسماء أعجمية لهذا الباب عبر التاريخ، لأن التاريخ بقي وما زال يعرف المكان بأهله، ولأن الغزاة ظلوا وهكذا سيظلون " عابرون في كلام عابر " فإن أية محاولة لتغيير اسم هذا الباب، ستظل عابرة، وسيبقى الاسم الغريب الذي يريده الاحتلال الإسرائيلي له اليوم، غريبا، ولن يكون أكثر من دالة مرورية، لمستوطنين ما زالوا يتوهمون تهويدا توراتيا لمدينة الديانات السماوية...!!!
باب العامود اسم على مسمى، عمود التاريخ العربي الفلسطيني، ومسلته في "أرض التضاريس القديمة، وجغرافيا السحر الإلهي" وعمود واقع الصمود المقدسي الذي يظل شامخا في فضاء التحدي والمنازلة.
وسيبقى هذا الباب الذي ليس كمثله اي باب، وبأسمه العصي على الالغاء والتغيير، سيظل دالة على اصالة المدينة المقدسة، وله عطر المكان وروحه، وله تواقيع الابداع، في هندسة قوسه المشرقي، وبقدر ما هو مرتفع في فضاء المكان، بقدر ما هو راسخ في أرضه، كمثل زيتونة مباركة، وله من زيت المعنى ما يضيء بهوية القدس الفلسطينية، في نهاره قبل ليله، وفي حجارته صلابة القلعة التي يشكل مدخلا لها ولحراسها، لتحدث الحجارة ذاتها بصلابة الارادةالفلسطينية الحرة وهي تغني باب العامود كل يوم بصوت بائعات الميرمية والبقدونس والتين في سلاله الطرية، وبصوت بائعي الكعك المقدسي وشراب الخروب بحاويته النحاسية .. باب العامود حكاية فلسطينية لا تعرف الرطانة، ولا ترضى لعواميدها وبواباتها اية اسماء اعجمية حتى لو خطتها دبابات المحتل واوهامه ...!!
ha