صواب الرؤية وبُعدها
كتب رئيس تحرير صحيفة الحياة الجديدة
في السياسة التي هي على رأي إدوارد سعيد، راهن متحول، تكمن أهمية الرؤية الصائبة، وبحكم أن السياسة فن الممكن، تأكيدا على راهنها المتحول، فإن صواب الرؤية، وبُعدها، يمكنان من الإبداع في هذا الفن، والإبداع في المحصلة نوع من التخليق الجمالي للضرورة العملية التنشيطية (الديناميكية) الساعية لتغيير الواقع والدفع بعجلة التاريخ إلى أمام نحو تحقق حتميته. بات من الواضح الذي لا يقبل أي التباس، أو تشكيك أن للرئيس أبو مازن صواب الرؤية وبُعدها، وقد أثبتت تجارب عدة هذه الخصيصة للرئيس، رأى فيما مضى، وما زال يرى ضرورة النضال السياسي والدبلوماسي، في الطريق الى تجسيد الطموحات، والأهداف الوطنية الفلسطينية، مع تكريس التمسك بثوابتها المبدئية، وهو هنا قد رأى في الشعارات البلاغية مضيعة للوقت، وثقافة استهلاكية، ليس بوسعها أن تنتج حراكا فعالا يخدم القضية الوطنية، وحيث البلاغة، وهذه الثقافة، لا ترمم واقعا، ناهيكم عن استحالة قدرتها على تغييره. ورأى الرئيس أبو مازن على سبيل المثال لا الحصر، أن لفيروس "كورونا" جائحة قادمة، فاستبق الكل في هذه المنطقة، وفي العالم أجمع تقريبا عدا الصين، وأعلن حالة الطوارئ للتصدي للجائحة كي لا تستفحل، وبوسعنا أن نرى أن الحالة الوبائية في فلسطين حتى اللحظة محاصرة على نحو يمنعها من الاستفحال الخطير. وأيضا على سبيل المثال لا الحصر، فإننا ندرك اليوم أن الرئيس أبو مازن حينما قال (لا) لصفقة القرن، فلأنه كان يرى استحالة بقائها، وبقاء صناعها، لا لأنها ضد المصالح والاهداف الوطنية الفلسطينية العليا فحسب، وإنما لأنها بالأساس ضد الحق، والعدل، وضد حركة التاريخ في المحصلة، ومع المضي بحراك سياسي فعال في الواقع، فإن المتغيرات قادمة لا محالة، ولم يكن هذا رهانا لدى الرئيس أبو مازن، وإنما كان برنامج عمل نتاج الرؤية الصائبة، لا أحد بوسعه الآن أن يقول إنه بلا جدوى. لا نتحدث عما جرى في الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، ولن نقول إن انتخاب الديمقراطي جو بايدن نصر تحقق بفعل هذه الرؤية وموقفها الحاسم، فهذه شأن أميركي بحت لم نكن لنتدخل فيه، وليس لنا الحق في ذلك، ولخيارات الشعب الأميركي، كل الاحترام والتقدير، وإنما نتحدث عن صواب رؤية الرئيس أبو مازن في الشأن الوطني الفلسطيني، وبُعد هذه الرؤية التي ترى المتغيرات ممكنة وقادمة، حال تمسكنا بالثوابت المبدئية، والتصدي لكل ما يمس بها. وبالطبع ولأن السياسة راهن متحول، ولأنها فن الممكن، سيكون من الضرورة أن نتعامل مع التحولات في الواقع الرئاسي الجديد في الولايات المتحدة، ولهذا أعرب الرئيس أبو مازن بتهنئته "جو بادين" انتخابه رئيسا للولايات المتحدة، ونائبته المنتخبة "كمالا هاريس"، أعرب عن تطلعه للعمل مع الرئيس المنتخب، وإدارته من أجل "تعزيز العلاقات الفلسطينية الأميركية، وتحقيق الحرية والاستقلال والعدالة والكرامة لشعبنا الفلسطيني، وكذلك العمل من أجل السلام والاستقرار والأمن للجميع في منطقتنا والعالم"، وهذا هو برنامج عمل القيادة الفلسطينية، برئاسة الرئيس أبو مازن، وهذا يعني بمنتهى الوضوح، لسنا بانتظار هدايا من الرئاسة الأميركية، وإنما نحن بصدد ضرورة تواصل حراكنا وعملنا السياسي والدبلوماسي في الساحة الأميركية، للوصول إلى مواقف أميركية متوازنة بشأن القضية الفلسطينية، ولا شيء مستحيل إذا ما وضعت المصالح على طاولة البحث النزيه لسبل تحققها، وطالما نحن هنا صامدون متمسكون بثوابتنا المبدئية، طالما نحن الرقم الصعب الذي لا سبيل لتجاوزه ولا بأي حال من الأحوال، وهذا ما قالته وتقوله رؤية الرئيس ابو مازن، وبقدر ما هي صائبة وبعيدة المدى، بقدر ما انتجت وتنتج المواقف الوطنية الفعالة والصلبة، وما استطاعت مختلف الصعوبات، والحصارات، والمؤامرات، ان تنال منها، ومن ثباتها وتعملقها، ولعل المطبعون يدركون الان كم كانوا عميان بصر وبصيرة ..!!