القدس في عيون أبو عمار
بلال غيث كسواني
..........
لم تغب القدس أبدا عن أي خطاب أو حديث من أحاديث الراحل الشهيد ياسر عرفات أبو عمار، كانت حاضرة في كل خطاباته لتأكيدها وترسيخها عاصمة لدولة فلسطين، القدس كانت حاضرة عند أبو عمار في فترات حرجة من بين فوهات البنادق ووسط القتال والدمار والحصار.
عبارات الرئيس الشهيد ياسر عرفات عن القدس لا تزال حاضرة في ذكرى رحيله، وله عبارات مأثورة حتى بعد 16 عاما من استشهاده، حيث كان يقول ويردد دائما: "سيرفع شبل من أشبالنا، أو زهرة من زهراتنا، علم فلسطين، فوق أسوار القدس، ومآذن القدس، وكنائس القدس، القدس عاصمة دولة فلسطين، شاء من شاء، وأبى من أبى".
أبو عمار كما خلَفه أبو مازن كان يعرف هدفه جيدا ولم يحد عن بوصلته وهي القدس، ففي حصاره خرج للمتضامنين الذين وصلوا إلى مقره المحاصر المدمر وقال لهم: "لا تهتفوا لي بل اهتفوا لفلسطين والقدس، بالروح بالدم نفديك يا فلسطين، على القدس رايحين شهداء بالملايين".
أبو عمار كان يرى فلسطين في القدس ويرى القدس في فلسطين وأطلق عبارتيه المشهورتين: "القدس عاصمة دولة فلسطين الأبدية وإلّي مش عاجبه يشرب من بحر غزة". و"سيأتي يوم يرفع فيه شبل من أشبالنا وزهرة من زهراتنا علم فلسطين فوق كنائس القدس ومآذن القدس وأسوار القدس الشريف". كما كان يقول دائما "لن يكتمل حلمي الا بك يا قدس". "ليس فينا وليس منا وليس بيننا من يفرط بذرة من تراب القدس الشريف".
ولم يخش أبو عمار يوما القتال من أجل القدس، وقال: "إن حياتي ليست هي القضية بل حياة الوطن والقدس مسرى الرسول ومهد المسيح، هذه هي القضية الكبرى التي قدّم الشعب الفلسطيني من أجلها التضحيات، قدّم التضحيات من أجل عودة الأرض والمقدسات".
الكاتب عزام أبو السعود، أشاد بالرئيس الشهيد ياسر عرفات، وبمواقفه البطولية خلال مراحل حياته، التي قضاها في خدمة القضية الفلسطينية، وأضاف: أبو عمار أحب القدس حبا عميقا جدا، ولدى خاله في القدس بيتا-مسقط رأس الرئيس الراحل ياسر عرفات-، وكل عام كان يأتي للقدس لبيت خاله قبل الاحتلال قادما من مصر حيث كان يقيم والده".
وقال أبو السعود، وهو من أقرباء الرئيس الشهيد عرفات لــ"وفا": إنه ولد إبان أحداث ثورة البراق عام 1929، حيث وضعته والدته زهوة أبو السعود عند الزاوية الفخرية "زاوية أبو سعود" التي هدمها الاحتلال عام 1968، في غرفة واسعة ملاصقة للحرم القدسي الشريف من الجهة الجنوبية الغربية.
ويوضح أبو السعود، أن تلك الغرفة كانت نافذتاها الشرقيتان تطلان على المسجد الأقصى المبارك، ونافذتاها الشماليتان تطلان على حائط البراق، وقد سميّ الطفل المولود بياسر، وفاءً من أمه لابنة عمها (وهي والدة الكاتب) على تسمية طفليهما بهذا الاسم.
وتطرق إلى زيارة الرئيس الشهيد ياسر عرفات إلى بيتهما في مدينة القدس في نهاية عام 1964، وكان يبدو حينها رجلاً أصلعاً، وعاد متسللا إلى القدس عام 1967 وتنقل في أماكن عديدة في فلسطين متخفيا لتنظيم المقاومة للاحتلال بعد الاحتلال مباشرة.
وقال أبو السعود في شخص أبو عمار أيضاً، إنه رجل أحب القدس وعشقها، وتمنى أن يدفن في ترابها، كان يفتخر دوماً بأن أخواله من القدس، وإنه ولد وعاش بعضاً من طفولته وصباه بها، عشق حجارتها وقبابها، عشق كعكها والزيت والزعتر، وأحب القزحة على الإفطار، كما أحبها واعتاد على أكلها صباحاً خاله المقدسي.
وأستدرك أبو السعود كذلك أن ياسر عرفات كان يتباهى دوماً بـ " كوشان الطابو" الذي يثبت حصته وحصة أشقائه وشقيقاته من حقهم الإرثي عن والدتهم في قطعة أرض بمنطقة "رأس العامود" بالقدس، وهي قطعة الأرض التي كتب عنها الاحتلال كثيرا خلال العام المنصرم وأصدر قرارا بالاستيلاء عليها بعد 15 عاما من وفاته.
وتابع قائلا: "كان الرئيس الراحل يوصي دائما بدفنه في ساحات المسجد الاقصى المبارك في القدس إلا أنه دفن مؤقتا في مقر الرئاسة في مدينة رام الله الذي حاصره الاحتلال فيها، لحين نقل جثمانه الطاهر إلى القدس عندما تتحرر من الاحتلال".
إلى ذلك، قال عضو لجنة القدس وعضو المجلس التشريعي سابقا عن محافظة القدس زياد أبو زياد، في عهد الرئيس الراحل: "عملت مع الأخ الشهيد القائد ياسر عرفات على مدى سنين طويلة كنت في جزء منها وزيرا ً لشؤون القدس ومقررا ً للجنة القدس الرئاسية التي كان يرأسها أبو عمار وتضم شخصيات من القدس تمثل مختلف الشرائح والقطاعات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وفي وقت آخر كنت رئيسا ً للجنة القدس في المجلس التشريعي الأول".
وأضاف "عملت في تلك الفترة جنبا ً الى جنب مع الشهيد الراحل فيصل الحسيني حيث كان عضو اللجنة التنفيذية ومسؤول ملف القدس في منظمة التحرير الفلسطينية. وقد كان هناك تنسيق كامل بيني وبين الأخ فيصل في التعامل مع قضايا القدس، واحتياجاتها.
وتابع قائلا: "وللأمانة والتاريخ أقول بأن القدس كانت تُشكل عصبا ًحساسا ً جدا ً لدى الرئيس الراحل أبو عمار ولا أذكر ولو مرة واحدة رد فيها طلبا للقدس أو تردد أو توانى في تقديم كل دعم ممكن للقدس والمقدسيين في مختلف مناحي الحياة. وقد كانت القدس دائما ً بندا ً ثابتا ً على جدول أعمال الحكومة الفلسطينية برئاسة أبو عمار، وكانت لجنة القدس تنعقد بشكل دوري ويتابع الرئيس أبو عمار شؤون القدس وهمومها أولا ً بأول ويعطينا التوجيهات والدعم المطلوب، باختصار شديد، كانت القدس حاضرة في قلب ووعي واهتمامات الشهيد أبو عمار وعلى رأس سلم أولوياته".
ha