الأرض تضيق بأهلها
إيهاب الريماوي
يضيق المكان على اتساعه بعبد الحفيظ كعابنة وعائلته في التجمع البدوي قرب بلدة الطيبة شرق رام الله، شيئا فشيئا تتقلص المساحة أمامهم، ولم يعد يسمح لمواشيهم بالرعي بحرية في النطاق الرحب الممتد على مد البصر.
يقطن كعابنة (48 عاما) مع عائلته المكونة من نحو 20 فردا في تلك المنطقة، منذ أن هجّرته سلطات الاحتلال الاسرائيلي قبل ثلاث سنوات ونصف من الأغوار الشمالية.
قبل يومين هاجمتهم قوة كبيرة من جيش الاحتلال، وهدمت واستولت على خيم وحظائر عدة، وتركت نجله إبراهيم وزوجته وطفلتهما بلا مأوى، قبل أن يمدهم الصليب الأحمر بغرفة من الصفيح.
"أصبحنا محاصرين في بقعة صغيرة رغم مساحات الأراضي الشاسعة التي أمامنا، نضطر إلى رعي أغنامنا في أراضٍ ضيقة، وفي الأسابيع المقبلة لن تجد مواشينا ما تقتات عليه"، يقول كعابنة.
وعلى مسافة ليست ببعيدة، ترك مستوطن يجول ويصول بمواشه بحريّة، حيث توفر له سلطات الاحتلال الماء والكهرباء والحظائر.
"يهاجم هذا المستوطن المسلح الأهالي في ساعات الليل المتأخرة، ويحاول أن يستفزهم برعي عجوله وأغنامه في الأراضي الزراعية للسكان البدو، كل ذلك بحماية ومراقبة من جنود الاحتلال" يضيف.
تعتبر هذه المنطقة وفق الناشط الإعلامي فارس كعابنة، المساحة الرعوية الأكبر على مستوى الضفة، فيما يعتمد الوجود البدوي في هذه المناطق على المراعي.
ويضيف أن هذه التجمعات نشأت ما بين خمسينات وسبعينات القرن الماضي، وتضم في الغالبية عائلات من عشيرة الكعابنة، ويبلغ تعداد السكان في هذه المناطق بالآلاف.
ويشير كعابنة إلى أن الوجود البدوي ظل مستهدفا من قبل الاحتلال على مدار العقود الماضية عبر مشاريع تهجير وإخلاء، وتجميع كافة البدو وحصرهم في منطقة واحدة، لكن المخططات هذه واجهتها عائلات الكعابنة باستمرار.
ومنذ إعلان مخطط الضم بدأت سلطات الاحتلال بإجراءات فعلية لإنهاء هذا الوجود من خلال مسارين الأول من خلال الهدم والإخلاء، والثاني عبر إحلال مستوطني جماعة "فتية التلال" مكان العائلات التي يتم ترحيلها، واستغلال هذه الجماعة الإرهابية لشن هجمات ليلية مستمرة على البدو، وتخريب ورعي المساحات المزروعة بالشعير والقمح، اضافة الى منع الوصول الى مناطق رعوية واسعة.
خلق المسار الثاني حالة ضيق عيش غير مسبوقة على عديد من العائلات والتجمعات البدوية التي صمدت وقاومت كل تلك المخططات، غير أن سلطات الاحتلال وتحت تهديد السلاح والاعتداءات اليومية من قبل المستوطنين هجرت عائلة أبو عودة من المنطقة إلى أخرى قرب قرية الطيبة شرق رام الله.
لكن العائلة لم تسلم أيضا من البطش والملاحقة والاعتداءات، حيث حضرت جرافات الاحتلال وهدمت واستولت على كل ما تملكه العائلة قبل أيام، وأدى ذلك لخسائر مادية كبيرة.
عائلة أبو عودة هي واحدة من عديد العائلات المهددة في تجمعات (المعرجات، وادي السيق، عين سامية، الطبيل، راس التين، الرشاش) على طول الشريط الشرقي للضفة.
ويهدف الاحتلال حسب الناشط كعابنة لفصل التواصل الجغرافي بين شرق الضفة والأغوار، هذا التواصل يحققه البدو عبر تواجدهم في التلال والجبال والسهول التي تحاذي طريق "آلون" الاستيطاني.
ويسعى الاحتلال من خلال إنهاء التواجد البدوي، لإكمال الشريط الاستيطاني على طول الحزام الشرقي للضفة وجعل الأغوار مفصولة عنها، وليسهل الاستيلاء على المساحات الواسعة التي قد لا يغطيها الاستيطان، أتاح المجال للمستوطنين لرعي مواشيهم بمساحات شاسعة من الأراضي دون البناء فيها.
قبل عامين أقيمت بؤرة استيطانية في مكان تجمع بدوي شرق رام الله، وهي الآن تستولي على أراضي تعادل أضعاف مساحة مستوطنة "بيت ايل" المقامة على أراضي مدينة البيرة.