هوية الانسلاخ والعدمية
كتب: رئيس تحرير صحيفة "الحياة الجديدة"
حرية الرأي والتعبير المُغَرْبَنَة على نحو بالغ التسطيح المعرفي والأخلاقي، وبسلطة وسائل التواصل الاجتماعي، وحتى بسلطة الفضائيات التسليعية والتسلوية معا، أخرجت لنا "نشطاء" من نوع الاماراتي التطبيعي حمد المزروعي الذي طالب المملكلة العربية السعودية، بدفع تعويضات ليهود خيبر (...!!) الذين كانوا في المدينة المنورة زمن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وبذريعة أن الرسول الكريم أخرجهم من المدينة ظلما وعدوانا، طبقا للناشط المزروعي..!!
كمثل هذا الناشط الذي واضح انه ناشط في المجال التطبيعي، والى حد بالغ التطرف والتصهين، كمثله ثمة "نشطاء" باتوا اليوم في كل مكان من المحيط الى الخليج، الذي لا نعرف إن كان سيظل عربيا أم لا مع نشطاء "العربي الجديد" خاصة المثقفين منهم، والتي باتت تبث في أكثرهم تطرفا حداثويا، اقصى درجات النشاط، تمويلات ماليه فارهة..!!! وبحكم هذه التمويلات بات النشاط على ما يبدو مهنة، لكن ليس كل من يصحو مبكرا، ويذهب الى عمله، او مدرسته، او جامعته، نشيطا، سيعد ناشطا في الاطار المهني، كما ليس كل من قال رأيا على صفحات الفيسبوك سيكون بدرجة ناشط على سلم رواتب أولئك النشطاء..!! ثمة نشطاء لوجه الله ولأجل الوطن، وقضاياه الكبرى، ومشاغل الناس وهمومهم الاساسية، لا نتحدث عن هؤلاء الذين نكن لهم كل الاحترام، وإنما نتحدث عن الذين على شاكلة المزروعي.
وقد لا يرى البعض أن بعض النشطاء (...!!) في الشارع الفلسطيني، بعضهم فحسب، وهم قلة قليلة دون شك، يتماهون مع المزروعي في مهمته، وخاصة الذين يطالبون اليوم بمحو ونكران التاريخ النضالي الوطني الفلسطيني، كما طالب المزروعي بمحو ونكران التاريخ العربي الاسلامي، لصالح يهود خيبر..!!
فحين يطالب المزروعي بدفع تعويضات لهؤلاء اليهود فإنه يطالب بمحو معركة الخندق من التاريخ العربي الاسلامي، لتبرئة يهود خيبر من دورهم التآمري الذي مارسوه بتحريضهم القبائل العربية على غزو المدينة المنورة، وعلى نحو ما يؤسسس لمحو هذا التاريخ برمته وهو يشكك فيه بهذه المطالبة بالغة الوقاحة..!!
نعم الذين يطالبون اليوم برأس حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" إنما يطالبون في الواقع وعميقا، بمحو ونكران التاريخ النضالي الفلسطيني، لقتله ودفنه في تربة النسيان المطلق، أسفل مهاوي العدمية، والتورية هنا تكمن في شعار "الشعب يريد إسقاط النظام"..!!
وبمعنى آخر المخطط الساعي وراء رأس حركة فتح، بوصفها حامية المشروع الوطني التحرري، انما هو عميق الغايات التدميرية، للهوية الوطنية، والقومية بأصولها التاريخية، والحضارية، والأخلاقية، ولصالح هوية الانسلاخ، والعدمية، وبديانة جديدة يسمونها الديانة الابراهيمية، وبمهنة لا واقع مؤسساتي لها، وبتسميات حداثوية مخادعة كالعربي الجديد مثلا..!!
لم يكن ممكنا أن يكون في العالم العربي اليوم ناشطا كالمزروعي ومن هم على شاكلته لولا حرية الرأي والتعبير المعاصرة والمغربنة التي اتاحت فلتانا اعلاميا لا مثيل له، وللضرورة التبليغية إن صح التعبير، نوضح ونؤكد ونشدد، نحن لا نتحدث هنا عن حرية الرأي والتعبير الأصيلة، والمحمولة على الغايات النبيلة، التي تظل حقا لا جدال فيه لكل إنسان، من أجل أن يقول رأيا في مختلف قضاياه وقضايا مجتمعه الاساسية وحين يكون هو الرأي المسؤول بلغته الأخلاقية الرفيعة.