حماس.. انعدام البصيرة
كتب رئيس تحرير صحيفة الحياة الجديدة
لا شك أن البصيرة سبيل من سبل الحكمة والتقوى، بها نتمكن من الفطنة، وحسن الإدراك، ونتمكن من العلم، ونؤلف الخبرة، وقيل إن البصيرة "هي المعيار، والمقياس لإنسانية الإنسان". ولعلنا نقول إن البصيرة في الشأن الوطني، هي ما تمكن من حسن الموقف والخطاب معا، وما تعبر عن قوة الانتماء وأصالته.
وعلى ما يبدو وبلا أية تجنٍ في الواقع، فإن حركة حماس باتت في حال من انعدام البصيرة، وربما ليس في الشأن الوطني فحسب، وإنما حتى فيما يتعلق بمستقبلها وهي تراهن على هذا المستقبل، بمجموعة من الأوهام التي تغذيها رسائل التفاهمات الاسرائيلية، بشأن الهدنة طويلة الأمد (...!!) وأحدثها رسالة رئيس الحكومة الاسرائيلية الحالية "نفتالي بينيت" التي تعد بتمكين هذه الهدنة، بحزمة من التحسينات الاقتصادية، لقطاع غزة، بما يبقي حركة حماس على كرسي الحكم في القطاع، وقد تلقفت حماس هذه الرسالة، باستجابة لشروطها غير المعلنة وهي الانضمام إلى حملة الهجوم التي تقودها حكومة اليمين الاسرائيلي العنصري المتطرف، ضد القيادة الفلسطينية، وضد الرئيس أبو مازن تحديدا...!! ما يؤكد اليوم هذا الموقف الحمساوي، عديم البصيرة الوطنية، هو حملتها المحمومة التي بدأتها ضد الشرعية الفلسطينية، الدستورية، والوطنية، والنضالية التي يمثلها الرئيس أبو مازن، للطعن في شرعية خطابه المرتقب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة...!!!
موقف حركة حماس هذا يتماهى ويتماثل، وبلا أي لبس، وبلا أي تحسب حتى التحسب الأخلاقي (..!!) مع موقف رئيس الحكومة الاسرائيلية "بينيت".. فهذا الأخير لا يريد الرئيس أبو مازن على منبر الخطاب في الأمم المتحدة، ولا يريده في مؤتمر "دبلن"، وقد بات يحرض على هذا المؤتمر علانية، ويتباهى أن ثلاثين دولة وافقت مع اسرائيل، بعدم حضور هذا المؤتمر الذي يسعى لمساواة الصهيونية مع العنصرية، وهذا ما تريده حماس، لا تريد الرئيس أبو مازن لا في الأمم المتحدة ولا في مؤتمر "دبلن"، وكمثل موقف "بينيت" لا تريد حماس لقاء مع الرئيس أبو مازن، نعني مناهضتها الدائمة للمصالحة الوطنية، لأنها ستنهي الانقسام ومخلفاته البغيضة، و"بينيت" لا يريد لقاء الرئيس أبو مازن، لأنه قد رفع الشكاوى الفلسطينية، ضد اسرائيل الى محكمة الجنايات الدولية...!!
حقا مع موقف حماس هذا، المتماهي مع الموقف الاسرائيلي تماما، والمعيب وطنيا الى أبعد حد، فإن حركة حماس قد باتت وبوضوح شديد، بلا أية بصيرة، ومن لا بصيرة له، فإن بصره لا يرى الواقع على حقيقته، وهذا هو حال حماس اليوم التي لا ترى الواقع الذي تعيش، واقع الأزمة التي خلفها وَهْم الانتصار الذي عاشته في وسائل الإعلام، والذي لم يكن سوى توقف العدوان الاسرائيلي العنيف على قطاع غزة المكلوم، فيما تواصل هذا العدوان وما زال متواصلا على القدس والشيخ جراح وسلوان ومختلف مدن الضفة الفلسطينية..!!
أزمة حماس اليوم أن انتصارها الوهمي لم يحقق لها أي شيء على الأرض، لا الحصار الاسرائيلي رفع، ولا عجلة إعادة الإعمار في القطاع دارت، وحتى المنح المالية التي كانت تمر عبر إسرائيل وبموافقتها قد توقفت، وباتت عرضة لشروط جديدة لم تتبلور حتى اللحظة..!!
ولهذا يبدو واضحا أن حماس بتماهيها مع الموقف الاسرائيلي ضد الرئيس أبو مازن من خلال حملتها المحمومة ضده، وضد خطابه في الأمم المتحدة، محاولة لحلحلة أزمتها بتصديرها خارج القطاع ولعل ذلك يرضي الموقف الاسرائيلي فيحقق لها التفكيك الكامل لأزمتها عبر الهدنة طويلة الأمد المغلفة بورق هدايا التحسينات الاقتصادية...!! لكن هذا تصدير الهوس، وقد زاغ بصره فلم يعد يرى قوة الشرعية الفلسطينية وحقيقتها الواقعية التي لا يمكن لفذلكات إعلامية، ولا سياسية النيل منها، وهذا ما سيؤكده خطاب الرئيس أبو مازن بحكم كونه خطاب فلسطين.. خطاب الحق والعمل ولو كره الواهمون عديمو البصيرة...!