خطاب الرئيس.. برنامج عمل
كتب رئيس تحرير صحيفة الحياة الجديدة
لم يكن خطاب الرئيس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها السادسة والسبعين مجرد خطاب لإبلاغ العالم بأسره حقيقة المظالم، التي لا تزال تصيب شعبنا الفلسطيني جراء الاحتلال الإسرائيلي وبسبب صمت المجتمع الدولي تجاه خروقات إسرائيل لأبسط حقوق الإنسان وعدم امتثالها لكل قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية ما جعلها ويجعلها حتى اللحظة دولة فوق القانون ...!!!
حقق الخطاب بلاغه للعالم، غير أن للخطاب كذلك برنامجه السياسي، والوطني العملي، لا البلاغي فحسب، لا بشأن التسوية والحل العادل فقط، وإنما بشأن الوضع الفلسطيني الداخلي أيضا، وسبل تفعيله الأمثل، بالانتخابات على مختلف مستوياتها، وبتشكيل حكومة وحدة وطنية، تضع الكل الوطني في إطار الشراكة التكاملية، على طريق المشروع الوطني الفلسطيني التحرري، ومن خلال تحقيق أرقى وأجدى حالات الحكم الرشيد.
وعلى نحو لا يقبل الجدل فإن برنامج العمل الذي انطوى عليه خطاب الرئيس أبو مازن يبدو جليًّا أنه برنامج تصعيد نضالي في كل الاتجاهات، وبحكم سلامة واقعيته النضالية، فإن المطلوب وطنيا اليوم ترجمته من خلال تفعيل آلياته في إطار الوحدة الوطنية، وهذا يعني أن المسؤولية اليوم، هي مسؤولية الكل الوطني في هذا السياق، ولن يفيد مسيرة شعبنا التحررية، بقاء البعض الفصائلي في غرف التنظير والتأويل، والمناكفة الحزبية، التي جاء بعضها تجاه خطاب الرئيس أبو مازن معترضًا، على قاعدة ذاك المثل العربي البليغ "عنزة ولو طارت" وربما الأوضح على قاعدة المثل الشعبي الذي طالما ردده الزعيم الخالد ياسر عرفات "مالقوش في الورد عيب قالولو يا أحمر الخدين" ...!!!
ليست حركة حماس من بين هذا البعض، وإنما هي في واد آخر، ومع بعض آخر، بل هي مع الآخر الإسرائيلي الذي توهم أن الرئيس أبو مازن صعد بخطابه إلى شجرة سيصعب النزول عنها (..!!!) وبرغم أن هذه شهادة واعتراف غير مباشر، أن الخطاب في واقعه الحقيقي برنامج تصعيد نضالي، إلا أن الناطق الحمساوي فوزي برهوم، أراد أن يطمئن وزير الجيش الإسرائيلي صاحب تصريح الشجرة ليهاجم الخطاب بعبارات الضغينة، والحسد الكريه، بزعمه أن الخطاب "إعادة لإنتاج مسار التيه والفشل" فلعل غانتس يهدأ ويستريح ....!!! لكن دعونا نسأل: هل ثمة مسارات للتيه والفشل حقًّا، غير مسارات تفاهمات التهدئة، بمفاوضاتها التي تمضي حماس في دروبها، ودائما لأجل عشرة أميال أخرى للصيد، في بحر غزة، وتفعيل الصراف الآلي، بموافقة "الشاباك" الإسرائيلي، ورضاه عن كشوفات الأسماء...!!! أربعة عشر عاما من مسارات حماس استجلبت أربع حروب إسرائيلية مدمرة على قطاع غزة المكلوم، أربعة عشر عاما بأربع حروب، والمسارات الحمساوية، ما زالت على حالها، وفي دروبها، وليس إلا من أجل هدنة طويلة الأمد مع تحسينات اقتصادية، تبقي حماس على كرسي الحكم في القطاع المكلوم ...!!!
ستبقى حماس خارج الصف الوطني بمواقفها هذه، وتصريحاتها التي لا ترضي سوى حكومة اليمين العنصري الإسرائيلي المتطرف...!!! أما خطاب البرنامج، وبرنامج الخطاب، سيظل هو برنامج العمل الوطني، الذي يتقدم في مسارات المراكمة لنتائج الفعل النضالي الوطني، حتى يفيض الواقع بضرورة التحول، من واقع الاحتلال، إلى واقع الحرية والاستقلال، والخاسرون وحدهم من سيظل خارج هذا البرنامج وهذا المسار.