اللد.. لن نقتلع ثانية
يامن نوباني
منذ هبة أيار الفائت، تسعى السلطات الإسرائيلية لتفتيت وتذويب الهوية الفلسطينية العربية في مدينة اللد، بعد ما قدمته من تضحيات، حيث الشهيد الأول موسى حسونة، وأكثر من 200 أسير، ونحو أسبوع من منع التجوال، ومداهمة عشرات البيوت العربية والاعتداء على سكانها.
تحاول السلطات الإسرائيلية، عبر مشاريع خبيثة، ظاهرها التطوير والتحسين التي باطنها التهويد، أن تغيب الوجود الفلسطيني، وتغير الوضع الديمغرافي في قلب المدينة، حيث يعيش في البلدة القديمة من اللد 70-80% من أبناء شعبنا المقدر عددهم في اللد بما يقارب ال33 ألفا.
"إخلاء بناء" مشروع تهويدي جديد يستهدف البلدة القديمة في مدينة اللد يقوم على هدم العمارات العربية والمكونة في معظمها من أربع طبقات، في كل طابق أربع شقق، واستبدالها ببناء أبراج سكنية مكونة من 20-25 طابقا ويحوي كل طابق منها ما بين 60-80 وحدة سكنية.
الأهالي ردوا برفض أي خطوة من شأنها تغيير واقع المدينة، والسعي الخفي لاستجلاب المزيد من اليهود إلى اللد وبخاصة أحياء البلدة القديمة.
حملة "مش خاتم" عضو البلدية والناشط في اللجنة الشعبية لمدينة اللد، أكرم ساق الله، قال لـ"وفا": مشروع "إخلاء بناء"، والذي بادر إليه رئيس بلدية اللد العنصري "يائير رفيفو" وشركات اقتصادية، جاء الرد عليه مبكرا من قبل أعضاء في البلدية واللجنة الشعبية والنشطاء، عبر إطلاق حملة "مش خاتم" وهي وثيقة توعوية حذرت من الأهداف الخطيرة للمشروع، والمتمثلة بخطر تهويد حي "رمات أشكول/حاشمونئيم" وباقي البلدة القديمة، وأن إخلاء الفلسطينيين من حي "رمات أشكول" بشكل خاص مقدمة لتهجير الفلسطينيين بشكل عام من اللد.
ومما جاء في الحملة: بيتك هو ملكك. فلا تفقد حقك في ملكك والحذر من التوقيع والوقوع فريسة المخطط العنصري للبلدية والنواة التوراتية. لا تختم لأنه مصيرك ومصير أولادك وبلدك بإيدك.
وأضاف: توجد في البلدة القديمة معالم تاريخية فلسطينية أصيلة، مقدسات ومقابر، وقد حاولت النواة التوراتية منذ زمن طويل تهويد اللد وبخاصة بلدتها القديمة لإلغاء الإرث العربي والاسلامي فيها.
وحول التهويد المستجد للد، قال ساق الله: منذ سنوات طويلة تسعى السلطات الإسرائيلية لإفراغ المدينة من أهلها الأصليين، واستجلاب الإسرائيليين وتستهدف بشكل خاص البلدة القديمة ذات الطابع العربي والهيمنة الفلسطينية شبه الكاملة، لذا تدعم بلدية اللد ومؤسسات حكومية إسرائيلية أية مشاريع من شأنها تقليل الفلسطينيين وزيادة اليهود، مثلا أقاموا كلية تأهيل عسكرية، وعدة جمعيات يهودية، لفرض أمر واقع في عدة مجالات.
وبين: نحن أمام تحد كبير وخطة ممنهجة بحجة التطوير والتجديد ورفاهية السكان، في حي رامات أشكول في قلب البلدة القديمة هناك 1256 وحدة سكنية، تقريبا 80% منها مملوكة ومسكونة من العرب.
وتابع: إسرائيل تعرف أن البلدة القديمة وحي "رامات أشكول" بالذات هو صمام الأمان لكل فلسطينيي اللد، فإذا نجحوا في خطة تغيير هذا الحي يكون مستقبل الفلسطينيين في اللد في خطر كبير ويسهل تهجيرهم.
إعادة احتلال البلدة القديمة في اللد: "أخطر ما في المشروع أن التكاليف باهظة، بمعنى آخر لا يقدر عليها إلا اليهود والمدعومين من البلدية والجمعيات والحكومة، وهذه هذه البنايات ستجبر الساكنين على دفع 500 شيقل لإدارتها شهريا، بينما غالبية الفلسطينيين في البلدة القديمة بالكاد يستطيعون دفع 50 شيقلا شهريا لإدارة بناياتهم، هذا سيؤدي إلى أن تصبح كل عمارة مستوطنة بحد ذاتها.
وأن ما سيحدث هو إعادة احتلال البلدة القديمة." يقول ساق الله.
ولفت، إلى أن أعضاء البلدية واللجنة الشعبية ونشطاء في اللد قاموا بإقامة لجنة للحفاظ على هذه العمارات وعمل مشاريع لتحسين وضعها ووضع أهلها، وعمل لجان للأحياء العربية لسهولة التواصل بين الأهالي وعمل فعاليات دائمة تعزز العلاقات والحضور الفلسطيني.
هكذا استعاد الفلسطيني اللد القديمة: يكتب محمد عبد الحليم وهو طالب دكتوراة من مدينة بئر السبع، خلال قيامه بعمل بحث في مدينة اللد، أن استعادة اللد فلسطينيا بدأت منذ ثمانيات القرن الماضي، وأن السبب المركزي الذي دفع السلطات الإسرائيلية في السنوات الأخيرة إلى تكثيف سياساتها الاستعمارية بشكل خاص في هذه المدينة في محاولة لاستعادة السيطرة عليها من جديد.
من هنا يمكن فهم حدّة المواجهات بين السلطات الإسرائيلية وبين فلسطينيي المدينة في هبة أيّار على أنها استمرار لصراع طويل بين طرفين لم يحسم بعد، وعلى أنها ظهور جلي لمواجهة ربما قد عمد الطرفان طويلا لعدم الجهر به لأن ذلك كان سيشكل تهديدا على مشروعيهما، الإنجاز الفلسطيني في استعادة الحيز من جهة، ومساعي السلطة الاستعمارية الجارية للسيطرة عليه مجددا من جهة أخرى.
لقد اتخذ فلسطينيو المدينة قلب مدينتهم الفلسطينية المستعاد، والمهدّد من جديد، مسرحا لاحتجاجهم. وقد قوبلت هذه السيطرة الفلسطينية على قلب المدينة وهذا الاحتجاج بشراسة احتلالية، لأن السلطة الإسرائيلية رأت فيه تهديدا جديا لسيطرتها، ورأت بالاحتجاج، إن لم يقمع، اعترافا وقبولا بالإنجاز الفلسطيني.
ويرى عبد الحليم، ان المشهد الثقافي الفلسطيني الذي تطوّر فيما تبقى من البلدة القديمة هو جزء من مشروع استعادة أكبر لمكان المدينة وزمانها.
مركزا على تأسيس المقاهي العربية، كالمقهى الذي رممه محسن الصح عام 2004 "كان هذا المقهى ثالثا لاثنين حديثي العهد مجاورين، ولاحقا نما مشهد مقاهي الأرجيلة حتى وصل عددها خلال العقد الأخير ثمانية، نشطت كلها دون استثناء في مساحة قلب المدينة القديمة الضيقة.
إنه مشهد ثقافي متفرّد لا تعرفه مدن أخرى من مدن الساحل الفلسطيني من حيث تجمّعه المكثّف هذا، وحجمه، وحيويته، واقتصاره على الفلسطينيين.
خلال العقد الأخير من القرن العشرين، ومع تطور مراكز تجارية عصرية أخرى في المناطق اليهودية في اللد، فقدت المنطقة القديمة حيويتها بحيث قام التجار اليهود، المتقدمون في السن بمعظمهم، بإغلاق متاجرهم التي لم تعد تجني أرباحا. هذا التحول رافقه إهمال كبيرٌ من قبل السلطات الإسرائيلية للبنى التحتية، وسرعان ما التفت أهل المدينة إلى مدينتهم وإلى فرصتهم في إحيائها.
وحول استعادة المدينة: عام 1996 نجح أهل اللد في افتتاح مسجد دهمش بعد أن كان مغلقا منذ احتلت الحركات الصهيونية المدينة وارتكبت فيه أبشع مجازرها. وقاموا بشراء متاجر واستئجار دكاكين على وشك الإغلاق وترميم ساحات ومبان مهملة ومهدّمة جزئيا.
هكذا وبعد أن كان فيها بضعة محال تجارية بأيد فلسطينية أصبح قلب البلدة يعجّ بالفلسطينيين. إضافة إلى استعادة حي "رمات أشكول" الذي تحول خلال التسعينيات لمنطقة عربية نتيجة دخول العائلات الفلسطينية إلى الشقق السكنية التي خلت تدريجيا من عائلات الإسرائيليين بعد انتقالهم إلى أحياء أفضل جنوب المدينة.
بهذا تمت بشكل من الأشكال استعادة الحيز الذي كانت عليه المدينة قبل احتلالها، وصار غالبية سكان المدينة وتجارها والناشطين فيها، ليلا ونهارا، من الفلسطينيين، كل هذا يضاف ويشكل امتدادا جغرافيا للأحياء العربية المحيطة من الشمال والغرب، "الواحة الخضراء" الذي بني كحي عربي في السبعينيات انتقلت إليه عائلات حي المحطة. و"سامخ حيط" و"المحطة" و"شنير" والتي كان معظم سكانها من العائلات التي قدمت من منطقة بئر السبع ابتداء من الستينيّات.
يسكن هذه الأحياء فلسطينيون في بيوت أرضية يملكونها، وتظهر كأي قرية عربية أخرى من ناحية وضوح حدودها ومعالمها، وتشبه في ذلك أحياء الجواريش والرباط في مدينة الرملة المجاورة. لكن ما يميز هذا التطور في اللد هو أن كل هذه الأحياء التي تطورت اعتمادا أيضا على البناء غير المرخص من قبل السلطات الإسرائيلية ورغما عنها، باتت تشكل مع البلدة القديمة وحي "رمات اشكول" المستعادين منطقة واسعة معظمها الساحق فلسطيني، كما لو أنها بلدة فلسطينية كبيرة تقع إلى الشمال من البلدة اليهودية التي توسعت إلى الجنوب.
هذا التطور والذي فصل إلى حد كبير بين فلسطينيي المدينة والإسرائيليين، ضرب عرض الحائط بالمصطلح الاستعماري "المدينة المختلطة".
وقوبل بمحاولات السلطة الإسرائيلية تقويضه من جهة الشمال بواسطة مشاريع إسرائيلية كبيرة أبرزها: المنطقة الصناعية والبنكية التي أقيمت إلى الشمال من حي الواحة الخضراء؛ والحي السكني "جاني أفيف" الذي بني لصالح الإسرائيليين الروس في التسعينيات إلى الشمال من حييْ المحطة وشنير.