ليس وعدا...
كتب رئيس تحرير صحيفة الحياة الجديدة...
لم يكن وعدا، كان إعلانا حربيا، ضد فلسطين، لصالح الحركة الصهيونية كي تستولي عليها، وتشرد شعبها وتؤلف وطنا قوميا لديانة هي ديانة جنسيات قومية مختلفة من شتى بقاع العالم، وعلى أساس رواية بالغة التزوير والادعاء والتوصيفات العنصرية...!! فلنكف عن تسميته بالوعد، لأن هذه الكلمة تنطوي على بعد أخلاقي خلا منه إعلان "بلفور" بالتمام والكمال، وهو يمنح دون وجه حق أرضا لا يملكها إلى من لا حق له في امتلاكها...!!!
مائة وأربعة أعوام مرت اليوم على هذا الإعلان الذي لم يؤلف سوى دولة عسكرية، أحالت الشرق الأوسط إلى منطقة حروب، وصراعات دموية، دولة لا تحاول حتى أن تكون كباقي دول العالم، بحدود معروفة، وبالتزامات نزيهة، وباحترام لقوانين المجتمع الدولي وقراراته الشرعية...!! بلفور بالرؤية الاستشراقية للغرب الاستعماري، لم يؤلف في الواقع سوى دولة فوق القانون، تحكمها الدبابة، والفكرة العنصرية بأخلاقياتها، وقيمها البغيضة، وما زال شعبنا الفلسطيني يدفع ثمن ذلك من أرض وطنه، وبيوته، وحياته، ومن دمه، ولحمه الحي، شهداء، وجرحى، وأسرى، ولاجئين.
على أن مائة وأربعة أعوام لم تستطع أن تحقق غاية الإعلان الاستراتيجية بشطب فلسطين وشعبها، من خارطة الوجود السياسي، والحضاري والإنساني، بعد أن تصدت لهذ الغاية العنصرية، حركة التحرر الوطني الفلسطينية وأعادت فلسطين إلى حضورها السياسي والإنساني والحضاري الفاعل، بفعل رصاصة مشروعة أطلقتها من قلب خيام النكبة، عام خمسة وستين، من القرن الماضي.
ننكس الأعلام اليوم طبقا لقرار الرئيس أبو مازن، تنديدا بالإعلان البغيض وتذكيرا للعالم أجمع، وبالذات المملكة المتحدة، بضرورة إدراك فداحة الخطيئة التي ارتكبت بحق شعبنا الفلسطيني، وما أنتجت له من مظلمة كبرى، ليتحمل العالم، بريطانيا تحديدا المسؤولية الأخلاقية، والإنسانية لدحر هذه المظلمة، وتمكين شعبنا من حقوقه المشروعة المتمثلة في الاستقلال والحرية، والعودة.
إعلان بلفور مر على أرضنا، لكنه لن يمر على إرادتنا، وعزمنا على انتزاع كامل حقوقنا المشروعة، وتحقيق أهدافنا العادلة كافة، والتي هي أهداف الحق والعدل والجمال، حيث السلام، والأمن والاستقرار والازدهار.