كلما تحدث..
كتب رئيس تحرير صحيفة الحياة الجديدة
كلما تحدث الرئيس أبو مازن إلى أطر الشرعية، فاض بنص الواقع، والحقيقة، بكل أوجاعه الفلسطينية، ولكن دونما يأس، ولا إحباط، ولا مخاتلة، ولا استعراض، بل ودائما بلغة الوضوح، والصراحة والتحدي، والإيمان بحتمية انتصار فلسطين وقضيتها العادلة.
بهذا النص خاطب الرئيس أبو مازن أعضاء المجلس المركزي الفلسطيني الذي بدأ أعمال دورته الحادية والثلاثين مساء أمس الأول في قاعة أحمد الشقيري بمقر الرئاسة في رام الله.
على مدار ساعتين وأكثر قليلا، وبحيوية لافتة، فاض الرئيس أبو مازن بهذا النص مع لازمة بالغة الأهمية، بعد كل تفصيل لطبيعة التحديات التي نواجه اليوم، وسبل التصدي لها، واتخاذ القرار المناسب بشأنها، لازمة أكدت أن صناعة هذ القرار لن تكون لغير هذا المجلس، لأكثر من مرة، خاطب الرئيس أبو مازن أعضاء المجلس وبتشديد بليغ "القرار قراركم" انظروا في أمر الواقع الراهن، وأمر التحديات التي نواجه، وبالنقاش الحر لنصل إلى القرارات اللازمة، وكيفية تنفيذها، وبمعنى ألا تتحول إلى مجرد شعارات.
ما ثمة واقعية كواقعية الرئيس أبو مازن، بليغة، وشجاعة، ونضالية، وديمقراطية تماما، وعلى نحو بالغ الأهمية، بقيم وطنية لا تعرف الجملة الاستهلاكية أبدا، ولا تخشى في الحق لومة لائم.
يمكن وسم هذه الواقعية، بأنها واقعية الحكمة، والحكمة ضالة المؤمن، لأنها في المحصلة هي التي تمكن من الصواب، وعلى نحو ما تدون في التاريخ من أمثولات في العمل الصائب والمثمر، بما يحقق للناس المنفعة المشروعة، التي تمكث في الأرض، بخلاف الحماقة التي تخلف الزبد الذي يذهب جفاء.
وبنص الحقيقة والواقع بكل أوجاعه الفلسطينية، لم يترك الرئيس أبو مازن من قضايا الشأن الوطني العام، واردة، ولا شاردة، إلا وأتى عليها: نسعى ونعمل لإنهاء الانقسام البغيض، نتطلع لوحدة وطنية فاعلة، في إطار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا، سائرون في دروب المقاومة الشعبية السلمية، سنلاحق الفساد في أي موقع كان، ولا أحد فوق القانون، ولا بد من تعزيز الحكم الرشيد، نرعى التعليم الجامعي لأبناء شعبنا في مخيمات اللجوء، مثلما نرعى الإبداع والتميز في مؤسسة فريدة من نوعها، فحوصات ولقاحات الكورونا مجانا في نظامنا، وهو ما لا يوجد في دول كثيرة ذات ثراء وغنى ...!!
ونقول لا لكل تدخل تعسفي في شؤوننا الداخلية، ونرفض بالمطلق التدخل في شؤون الأشقاء العرب، ونقول لا للولايات المتحدة إذا ما واصلت انحيازها المعيب لدولة الفصل العنصري الإسرائيلية، دولة الأبارتهايد، وقد وضعت منظمة العفو الدولية، حقيقة إسرائيل العنصرية أمام أنظار العالم أجمع، وهو ما يدعونا أن نواصل العمل الموحد من أجل تعميق هذه الهزيمة الأخلاقية لإسرائيل على طريق هزيمتها السياسية، التي لا مفر أمام هذه الدولة منها.
لن نبقى على ذات العلاقة مع دولة الاحتلال، وسننظر في كل خياراتنا، مع ضرورة توسيع مساحات المقاومة الشعبية السلمية، سننظر في خيار الدولة الواحدة وخيار العودة إلى قرار التقسيم، لن نستكين، ولن نساوم على ثوابتنا المبدئية وصامدون فوق أرض بلادنا حتى إقامة دولتنا الحرة المستقلة، بعاصمتها القدس الشرقية.
سيبحث المجلس المركزي في كل ذلك وبروح المسؤولية الوطنية وضرورتها، وعلى هذا النحو يعمل المناضلون الوطنيون في أطرهم الشرعية للتصدي لمختلف التحديات التي نواجه وعلى كل صعيد وستبقى للمقاطعين أعمال هذه الدورة للمجلس المركزي حسرة المشاركة في صناعة القرار، وقد ضيعوا الفرصة امتثالا لشعارات فارغة، وخطابات لا معنى لها ولا فائدة، بل وضيعوا على أنفسهم فرصة الدخول في التاريخ، لأن التاريخ لا يسجل حضورا لقاطني أبراج الخطب الاستهلاكية..!!