العيب هندسة العولمة الأمرة
كتب رئيس تحرير صحيفة الحياة الجديدة
لا تشيح هذه العولمة بانظمتها الأمرة، والمأمورة، بنظرها عن قتلنا الذي بات يوميا في بلادنا المحتلة، من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، إنها تراه جيدا، فهو قتل في وضح النهار، شاخص أمام العالم أجمع، غير أن العنصرية، وازدواجية المعايير، ما زالت هي التي تصوغ مواقف دول العولمة الآمرة، وسياساتها، خاصة الأخلاقية منها التي هندست العيب رافعة للمصالح الاستحواذية، وعلى نحو ميكافيلي تماما - الغاية تبرر الوسيلة- وغاية العولمة الأمرة، ما زالت على حالها في هذا الشرق، استحواذية تماما، وبالأداة الإسرائيلية أن تواصل الذبح دون أي حساب أو مراجعة، فلا عيب في تشذيب الأعشاب الضارة (...!!) في الحدائق الخلفية لتلك الدول .!! أليس هذا واقع ما تحمل من قيم وأخلاقيات، وهي ترى كل هذا القتل، وهذه الاستباحة للدم الفلسطيني فلا تفعل شيئا، وبعضها يظل متمترسا عند حدود بيانات الإدانة والشجب والاستنكار، التي يطبخها الاحتلال الإسرائيلي طعاما لشهواته الدموية العنصرية...!! لقد ذهب الاحتلال بعيدًا جدًّا في خيارات القتل، والعنف، والإرهاب، وعلى نحو لا يقبل، ولن يقبل أي تبرير سياسي، حتى العنصري منه، وأقبح من ذلك بات القاتل يحرض على الضحية، وليس إلا لأنها تصرخ من ألم هذه الحراب المغروسة في خاصرتها، ومن وجع هذا التجاهل الدولي لهذا الواقع الدموي العنيف، الذي يواصل الاحتلال الإسرائيلي إنتاجه بلا هوادة...!!
لكنّا لن نكون الضحية الكسيرة أبدا، على العالم، شرقا وغربا، شمالا وجنويا، أن يعرف ذلك تماما، ولنا في التاريخ المعاصر أمثولة الصمود والمطاولة، وإرادة التحدي والمواجهة، وأنصتوا جيدا لما أكده الرئيس أبو مازن "هذا الوضع الحالي لا يمكن تحمله، والقبول باستمراره في ظل غياب الأفق السياسي". على دوائر صنع القرار في دول العولمة الآمرة، أن تدرك حقيقة هذا الموقف، ومصداقيته قبل فوات الأوان، واندلاع النيران في كل مكان.
خمسة أشهر بأكثر من ستين شهيدة وشهيدا، جنود الاحتلال الإسرائيلي يطاردون شبابنا، وشاباتنا، وأطفالنا، كمثل ما تطارد الوحوش فرائسها. الاحتلال يريد هذه الأرض غابة، يسودها قانون الغابة، لكن فلسطين بتاريخها، ومهمتها السماوية، هي أرض الحضارة، والتنور والمعرفة الخلاقة، منذ أن شق الكنعانيون براريها للزراعة، وأقاموا سلاسل الزيتون على تلالها، وأحاطوا مدينتها بأسوار جعلوا لها أبوابا سبعة للتواصل، والتبادل الحر للمصالح المشروعة، بين ناس ذلك الزمان وقبائله، وقد جاءوا بكتاب المحبة والتسامح والسلام.
لسنا فرائس، ولن نكون، ولن تكون هذه الأرض غابة، ولن يتسيدها قانون الغابة، الاحتلال إلى زوال، هذه حتمية لا مراء فيها، لأن إرادة شعبنا هي التي تؤكد ذلك، وقد قررت هذا القرار، الذي لا رجعة فيه، ولا مساومة، والأيام بيننا، والاحتلال أكثر من يعرف جيدا أن هذا الجبل الفلسطيني لن تهزّه الريح مهما تزوبعت وتعاصفت .