بحيوية لافتة
كتب رئيس تحرير صحيفة الحياة الجديدة
بحيوية لافتة استقبل الرئيس أبو مازن الوفد الأميركي الذي ترأسته مساعد وزير الخارجية الأميركية "باربرا ليف" ونائبها هادي عمرو، والحيوية اللافتة التي رأينا ورآها العالم ليست هي حيوية الصحة والعافية فحسب، والتي أطاحت بكل الشائعات المريضة، وإنما نتحدث أساسا عن حيوية الموقف الوطني الفلسطيني، وصلابته، فبعد كل هذا الحصار المالي الذي نتعرض له، وبعد كل هذا الضغط الذي يتعرض له الرئيس أبو مازن، كي يتراجع خطوة واحدة، واحدة فقط، باتجاه دائرة المساومات، يعلن الرئيس وبتشديد بليغ "القدس الشرقية كانت، وستبقى، وإلى الأبد عاصمة دولة فلسطين، ولن نساوم على ثوابتنا الوطنية، وسنبقى صامدين في أرضنا وقد حان وقت رحيل الاحتلال" ليس هذا خطابا، ولا تعلقا في البلاغة، ولا تكرارا في الكلام، وإنما تأكيد حاسم على استحالة النيل من ثوابتنا الوطنية.
لن يجرؤ اللاهثون الحمساويون وراء مخططات البديل التآمرية، على قول مثل هذا الموقف، وبهذه الحيوية اللافتة، في أي محفل كان، بل إنهم في تلك الغرف المعتمة، يبحثون كيف يمكن الإجهاز على منظمة التحرير الفلسطينية، وعلى عمودها الفقري حركة "فتح" كي تصبح المساومات مطلقة، ضد المشروع الوطني الفلسطيني، ولصالح مشروع الإمارة الإخونجية..!!
في قرية أم النصر البدوية أجرت حماس مناورة بالرصاص الحي (...!!) ضد أهل القرية، وأراضيهم، لا للاستيلاء على هذه الأراضي فقط، وإنما لتؤكد سلوكها السلطوي المطيع لشروط التفاهمات من جهة، ولتأكيد جدوى الإمارة التي تريد لجهة البديل من جهة أخرى..!! كمثل قوات الاحتلال اقتحمت مليشيا حماس القرية وأطلقت الرصاص الحي، وأصابت العديد من أبنائها بينهم إصابة خطيرة، وهذا ما جعل ممثل عائلة قبيلة الرميلات هناك يصف هجوم مليشيا حماس بأنه كان مرعبا .
نشير إلى هذا الهجوم، لكي نؤكد أنه لم يكن هجوما بلا غايات سياسية، وإطلاق الرصاص على أهل القرية لم يكن نتيجة انفعال، أو عصبية، وإنما هو هجوم الرسالة، إن صح التعبير، فحماس خارج خطاباتها الصاروخية، تبعث برسائلها المعبرة عن مواقفها الحقيقية، وغاياتها السياسية، من على الأرض مباشرة، بأنها أهل للحكم، وأهل كي تكون البديل المطلوب، فالدم الفلسطيني عندها ليس محرما، وقد أثبتت ذلك قبل هذا اليوم، بانقلابها العسكري الدموي العنيف على الشرعية وسلطتها قبل خمسة عشرعاما مضت .
هنا في مقر الرئاسة الموقف الوطني الفلسطيني، بليغ، وحاسم على نحو لا يقبل الجدل ولا التأويل، وبقوة وحيوية لا مراء فيها، وليس من على منصة خطاب جماهيري، لغايات استهلاكية، وإنما من على منصة الموقف ذاته، وأمام دولة عظمى، سنظل نراها خصما طالما تظل بلا فاعلية، تجاه ما تعلن عن تأييدها، ودعمها لحل الدولتين، الذي أيدناه وما زلنا نؤيده ونقول بإمكانية تحقيقه إذا ما تزينت طاولة المفاوضات بالحياد الإيجابي، وتنورت بقرارات الشرعية الدولية
هنا في مقر الرئاسة لا مساومة، ولا تراجع، ولا تبديل، ولا عدمية سياسية تقفل الأبواب بوجه دول القرار الدولي، بل سعي لعلاقة ندية، وصداقة حقيقية، وتبادل نزيه للمصالح المشروعة، وهناك في قطاع غزة المكلوم، حماس تهرول لاهثة وراء وهم البديل بعلاقة التابع والمتبوع، بعيدا عن الثوابت الوطنية، وتآمرا عليها، وشتان ما بين هنا وهناك، هنا الموقف الوطني الذي يناضل من أجل قيام دولة فلسطين من رفح حتى جنين، بعاصمتها القدس الشرقية، وهناك ليس ثمة غير الإمارة غاية قصوى، والقدس عندها لخطابات الصواريخ المزعومة، وشعاراتها فحسب