الأصالة الوطنية
محمود أبو الهيجاء
في الذكرى السادسة والتسعين لميلاده، احتفى متحف ياسر عرفات بالقائد الوطني الفلسطيني الكبير، الراحل الحكيم جورج حبش، مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وامينها العام منذ انطلاقتها عام 1967 حتى استقالته من هذا الموقع عام 2000 في مؤتمر الجبهة السادس.
وفي قاعة المنتدى في المتحف، استمع حفل الاحتفاء لثلاث كلمات من قيادات العمل الوطني من الصف الاول، استعرضت في مطالعها مناقب الراحل الكبير، واشادت بسيرته النضالية الثرية، وسياسته الوحدوية اللافتة في الساحة الفلسطينية، التي كرست الجبهة الشعبية فصيلا أساسيا في هذه الساحة.
غير أن هذه الكلمات، راحت تخرج بعد ذلك عن مسار الاحتفاء بالراحل الكبير، على نحو لم يكن مناسبا، وحيث جعلتها خطابا كررت فيه، مواقفها الحزبية تجاه الشأن الوطني والسياسي العام، وبلغته التي لا جديد فيها.
لا اعتراض على حق أي مسؤول أن يقول خطابه كما يريد، وإنما الاعتراض على أي منبر ينبغي أن يكون هذا الخطاب، وبأية مناسبة..؟؟ وفي ظني ان منبر الاحتفاء بقائد وطني كبير علامته الفارقة وحدويته البليغة، لم يكن ليرضى بمثل هذا الاستخدام السياسي الذي جعل المناسبة تخرج عن غايتها الرامية كما ارادها متحف ياسر عرفات تعظيما للروح الوطنية بأصالة قيمها، ومفاهيمها، ومبادئها، التي تظل فوق كل خلاف واختلاف.
كان الحكيم، وظل دائما، قائدا وحدويا، وأمينا من أمناء الثورة الفلسطينية، ورمزا شاخصا من رموزها الوطنية وبادراك خلاق لواقع الساحة الفلسطينية، وسبل ادارة خلافاتها، وعلى نحو جعل مفهوم التناقض الثانوي في هذا الاطار أساسا لصراع ديمقراطي، وإن شابه احيانا لغة حادة في التوصيفات السياسية، قادت الجبهة الشعبية الى الانسحاب من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية غير مرة، والذهاب الى اطر معارضة تحت مسميات الرفض الراديكالية، غير أن هذا لم يكن ليذهب بالراحل الكبير الحكيم جورج حبش الى مواقع التبعية والنضال تحت رايات الاخرين الاقليمية.
سأقول شكرا لمتحف ياسر عرفات وهو يكرس تقليدا وطنيا واخلاقيا في الاحتفاء برموز الحركة الوطنية عابرا لكل خلاف واختلاف، ولعلنا هنا نستلهم من الراحل الكبير ما عبر عن طبيعة رؤيته الوطنية، الوحدوية، حين قال عن الشهيد الخالد ياسر عرفات "نختلف معه ولا نختلف عليه" لنقول نختلف مع الجبهة الشعبية، ولكنا لن نختلف عليها.