عام على طلوع الشمس من "نفق جلبوع"
يامن نوباني
السادس من أيلول 2021، يوم طلعت شمس البلاد من "جلبوع"، متوهجة.. حادة، حتى أن الناس كانت توقظ بعضها البعض من النوم: استيقظوا، استيقظوا طلعت شمسٌ أخرى، غير تلك التي اعتدناها.
حين سأل محقق مخابرات الاحتلال الإسرائيلي محمود العارضة: كيف عرفت أنك وصلت إلى نهاية النفق؟ أجابه العارضة: "رأيت الشمس وهكذا أدركت أنها كانت النهاية".
قبل عام عَلا صوت البلاد مرة واحدة، هاتفاً بأسمائهم: محمود العارضة، محمد العارضة، زكريا الزبيدي، أيهم كممجي، مناضل انفيعات، يعقوب قادري. ستة أسرى حفروا نفقاً في أكثر سجون الاحتلال تحصينا وحراسة "سجن جلبوع".
قالت الأخبار، ولم يصدق أحد في الساعات الأولى. جلسنا نتنقل من محطة إخبارية إلى أخرى، كي نتأكد، وكي نلم ولو قليلا بالتفاصيل.. لكنها كانت الحقيقة. وكانوا وقتها يتفقدون البلاد، يتجولون في السهول والجبال والوديان الممتدة من الناصرة وبيسان إلى جنين، يجوبون مرج ابن عامر، يلتقطون حبة رمان، أو كوز صبر، يتذوقون السماق والزعرور والتين والعنب، يشاهدون عرسا فلسطينيا من بعيد، ويتعرفون على عش حمام بري.
وكل ذلك كان لأول مرة بعد 25 عاماً بالنسبة لمحمود العارضة، ولأول مرة بعد 20 عاماً ليعقوب قادري ومحمد العارضة.
خرجوا من تحت الأرض، ليعلنوا للعالم أن قضية الأسرى لن تموت. وأن تغييبهم لسنوات طويلة في الظلمات والزنازين، له نهار، سيطلع.
تسعة أشهر من الحفر بالإرادة، بما توفر من قطع حديدية بسيطة للغاية لا نستخدمها في حياتنا العامة، ولا حتى لعمل حفرة بعمق 5 سنتيميتر، فيما كان تصريف التراب الذي يستخرجونه الأعقد، لكنهم في النهاية تمكنوا من تدبيره بواسطة جيبوهم إلى دورة المياه والمواسير، والتي سُدت في بعض الأحيان الأمر الذي كاد يكشفهم.
تسعة أشهر وهم يغوصون تحت الأرض وصولاً إلى مساحة 25 مترا، دون أوكسجين، دون إضاءة، دون أن يكون هناك كما في ورش البناء من يدعوك لتستريح قليلاً أو يصنع لك فنجان قهوة، ودون أن يكون بانتظارك كوب ماء بارد، ودوش ساخن.
كل هذه البطولة كانت تجري أسفل بلاطة مساحتها 60 سم، تحت مغسلة حمام غرفة رقم (2) في قسم رقم (5) من سجن "جلبوع" الذي افتتح عام 2004 بإشراف خبراء إيرلنديين جيء بهم خصيصا، لبناء هذه القلعة الحصينة.
في الـ1:49 من فجر الإثنين، السادس من أيلول 2021، خرج الأبطال الستة من فوهة النفق، الذي حفروه أسفل برج عسكري لمراقبة الأسرى والسجن، حيث لم يلحظهم أحد، فالحارسة المناوبة كنت في لحظة "غفو"، بينما لم ينتبه مراقب الشاشات إلى خروجهم، وكذا الكلاب التي لم تنبح ليلتها!
لا دوريات الحراسة التي تدور حول الأسوار بشكل متواصل، ولا الأسوار الإسمنتية الضخمة المحيطة بكامل السجن، ولا كشافات الإضاءة التي تحيل المكان والمحيط إلى نهار دائم، ولا الارتباك مرة.. حين جاء السجان لإيصال رسالة لمناضل، فرّد عليه محمود: مناضل تعبان ونايم! قبل أن يعيد السجان مناداته، ليرد محمود مجدداً، بحنكة القائد والخبير في الملامح وانتقاء الأجوبة، ثم يتسلم الرسالة بينما مناضل يحفر سنتميترات أخرى في العتمة!
لا التكنولوجيا والأجهزة المتطورة "أجهزة إنذار وحساسات وكاميرات واتصالات"، ولا العنصر البشري "السجان والشرطة والجيش"، ولا حتى العنصر الحيواني "الكلاب البوليسية"، استطاعوا مجتمعين أن يمنعوا أول يد من أن تمتد خارج النفق، ليكمل الجسد كاملا زحفه نحو الحرية، ولو مؤقتا.
هنا، تعريف مختصر بالأسرى الستة وأحكامهم: محمود العارضة (47 عاما) من عرابة جنوب جنين والمحكوم بالسجن مؤبد و15 عاما، أمضى في سجون الاحتلال (29 عاماً ونصف) فقد سبق أن اعتقل ل3 أعوام ونصف عام 1992، ويعقوب قادري (50 عاما) من بير الباشا جنوب جنين، والمحكوم بمؤبدين و35 عاما، وأمضى في سجون الاحتلال 20 عاماً، وأيهم كممجي (36 عاما) من كفر دان غرب جنين والمحكوم بمؤبدين، أمضى في سجون الاحتلال 17 عاماً، ومناضل انفيعات (27 عاما) من يعبد (موقوف منذ 3 سنوات)، ومحمد العارضة (40 عاما) من عرابة جنوب جنين، والمحكوم ثلاثة مؤبدات و20 عاما، وأمضى في سجون الاحتلال 20 عاما ونصف، وزكريا الزبيدي (46 عاما) من مخيم جنين موقوف منذ 3 سنوات، وأمضى في سجون الاحتلال 8 سنوات.
محكمة الاحتلال وبعد عدة جلسات، أضافت لكل أسير من الأسرى الستة، حكماً بالسجن مدة 5 سنوات، وغرامة مالية 2000 شيقل.
كما فرضت على الأسرى الـ 5 المساعدين بالسجن لمدة 4 سنوات إضافية، وغرامة مالية 2000 شيقل، وهم: محمود شريم، وقصي مرعي، وعلي أبو بكر، ومحمد أبو بكر وإياد جرادات.