عدي التميمي
في هذه الكلمة نحن لا نتحدث عن بلاغات المخيلة، وتحليقاتها الرومانسية، ولا نتحدث عن بلاغات السياسات الحزبية، بغاياتها الدعائية، والاستقطابية، وإنما نحن نتحدث هنا عن بلاغات الواقع، واقع المشهد الملحمي للنضال الوطني الفلسطيني، الذي ما زال يؤكد في كل لحظة، حقيقة البطولة، التي قلنا في كلمة الأربعاء الماضي، ونحن نروي حكاية جبل النار، أنها قد استقرت في معناها، وحضورها الواقعي، وقد حملت على نحو بالغ الزهو والاعتزاز، جنسيتها الفلسطينية.
لا يصيغ الواقع إرساله البلاغي بلغة المجاز، والتوصيفات الأدبية، وإنما بالمشهد الحيوي، الذي ستظل اللغة عاجزة عن التعبير عنه، على نحو يلتقط مختلف تفاصيل المشهد، بروحه، وحيويته، وواقعيته الملحمية، والدليل على ذلك، ما ثمة لغة قادرة على وصف مشهد عدي التميمي في اشتباكه مع حراس مستعمرة معالي أدوميم.!!
كمثل قلعة هذه المستعمرة، بحراس مدججين بأحدث الأسلحة، غير أن البطولة لا تأبه بذلك، وهي هنا ليست غير عدي التميمي، وهو يصر على مواصلة الاشتباك مع حراس الاحتلال وجنوده، أيا كانت موازين القوى، ومهما اختلت، وقد أدرك ولا شك أن الحياة لا يمكن أن تكون ممكنة مع الاحتلال، وأن الموت شهيدا في اشتباك ملحمي سبيل أكيد لتفتح الحياة بالحرية، والعز، والكرامة، والسلام لفلسطين، وأهلها، وحتى لجيرانها، إن ثابوا لرشدهم، وتعقلوا بعيدا عن أوهام العنصرية، وأدرانها التي تأكل فيهم القلوب قبل العقول…!!!
عدي التميمي، في هذا الفصل الجديد، من الرواية الملحمية الفلسطينية، هو البطل التراجيدي، وبمعنى أنه بات واحدا من الشخصيات المحورية في هذه الرواية، تماما كمثل كل الفرسان الأبطال الذين تحتشد بهم فصولها التي تعددت، وما زالت، وستبقى تتعدد، حتى ختامها المسك، حيث الحرية والاستقلال.
لم يحشُ عدي التميمي مشهده بالشعارات، ولم يتكلم هناك بغير الفعل، بما يمثله، وما ينتمي إليه، وهكذا هم الأبطال دائما، لن نقول بفتحاويته هنا، بل بفلسطينيته الباهرة، بتربيته الوطنية، وأخلاقه النضالية، وهذا ما يرضي فلسطين، وما تدعو إليه ولا نشك أنه ما ثمة من تسكن فلسطين قلبه وروحه وعقله لا يريد هذا الرضا ولا يدعو لغير ما تدعو إليه فلسطين من حسن السيرة والسلوك الوطني حتى خلاصها من الاحتلال، وقيامة دولتها الحرة المستقلة بعاصمتها القدس الشرقية.