الرقم الصعب
كتب رئيس تحرير صحيفة الحياة الجديدة
لسنا من الذين يتعاطون مع الأوهام، نعرف الواقع جيدا، واقع الصراع وهو يشتد ويتفلت على تصعيدات خطيرة، بعد صعود الفاشية إلى مراكز القرار في دولة الاحتلال الإسرائيلية، وتقديراتنا لموازين القوى في هذا الواقع لا تعرفها الشعارات الشعبوية، وجملة الخطاب الثورجي، ونعرف جيدا كذلك، واقع حالنا الوطنية، ومعضلتها الكبرى الشاخصة في الانقسام البغيض، الذي ما زال يهيمن على قطاع غزة المكلوم، نعرف كل ذلك ولا نتوهم ولن نتوهم حلولا سحرية لتسوية معضلات الواقع، والصراع الذي يشتد، ولن نراهن كثيرا على أية تدخلات خارجية، لتساهم في تحقيق شيء من هذه التسويات، برغم أننا ندعوها لتحقيق ذلك، وعلى الأقل من باب تحمل مسؤولياتها الأخلاقية، وتصديقا لتصريحاتها الإعلامية.
رهاننا الأساس لن يكون سوى على صمودنا شعبا وقيادة وقرارا، وهو الصمود الذي لم يعد خافيا بأنه بات الأساس للرقم الفلسطيني الصعب في معادلة الصراع، وقد ثبت استحالة تجاوز هذا الرقم، بعد أن استحالت عملية شطبه.
ولا بد إذن من تعزيز هذا الصمود، وأولا بتعزيز ثقافة المقاومة، بعيدا عن إنشاءات البلاغة، وشعاراتها الثورجية، وثانيا بتعزيز العقد الاجتماعي، والتصدي للضائقات الاقتصادية، وتكريس الأمن والأمان للمواطن في مختلف شؤون حياته اليومية، وهنا تبرز التقوى، تقوى الله في عباده، ضرورة لا إيمانية فحسب، وإنما ديناميكية لملاحقة كل خلل، وكل خطأ، وكل تجاوز للمنظومات القانونية، والأمنية، والاقتصادية، والأخلاقية، ورأس الحكمة كما نعرف، هي مخافة الله العلي القدير.
والصمود هو أحد تجليات الصبر، والله دائما مع الصابرين، والنصر كما يقال هو صبر ساعة، ساعة لا أكثر كي يصيب المعتدي اليأس ويرتد عن عدوانه ويخلص إلى هزيمته, وثمة شاعر قال ذات ساعة أصابته بالعتمة والضيق"علما بأن اصطباري معقب فرجا / فأضيق الأمر إن فكرت أوسعه"، وأضيق الأمر هو ما نعيش اليوم, لكنا سنظل نعقب اصطبارنا فرجا، فالضيق هو ما يدفع لمواجهة التحديات لا إلى التسليم بالواقع كما هو، وشعبنا هو شعب المواجهة والصمود والمطاولة، والتصدي للتحديات أيا كان نوعها، وأيا كانت طبيعتها، ولا يعرف التاريخ المعاصر للشعب الفلسطيني حالا، وواقعا، وحقيقة، أوضح له من هذه الحال، وهذا الواقع، وهذه الحقيقة.