إنها الخطوة تلو الخطوة..
في السياسة، تظل المطلقات غير ممكنة، على هذه القاعدة، سنفهم لماذا استبدل مجلس الأمن الدولي مشروع قرار إدانة الاستيطان الاستعماري الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ببيان رئاسيّ.
لا شك في أن ثمة تفاهمات جرت، أدت إلى أن تسحب دولة الإمارات، وهي العضو العربي في مجلس الأمن في هذه الفترة، مشروع القرار الذي قدمته، بناء على تنسيق، وتفاهم، مع البعثة الفلسطينية في الأمم المتحدة.
البيان الرئاسي لم يبتعد في لغته السياسية، عن غاية القرار، نعني قرار الإدانة، فقد ندد البيان، بشكل واضح، ولا لبس فيه، بسياسة إسرائيل الاستيطانية، معتبراً إياها عقبة أمام السلام الممكن، وتشكل خطراً على مبدأ حل الدولتين، في الوقت الذي أكد معارضته لجميع الإجراءات الأحادية الجانب، التي تعرقل السلام، ومنها بناء وتوسيع المستوطنات الإسرائيلية، والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، وهدم مساكن الفلسطينيين، وعمليات التهجير التعسفية التي يتعرضون لها.
قد لا يكون هذا البيان هو ما كنا نريد تماماً، غير أننا نقدره، كخطوة أخرى بالغة الأهمية، في طريق محاصرة إسرائيل الاحتلال، والاستيطان الاستعماري، سياسيّاً، وحتى إجرائيّاً، ونحو تخليق البيئة اللازمة للعودة إلى طاولة مفاوضات السلام، على أساس حل الدولتين، على حدود الرابع من حزيران، هذا الحل الذي أكد البيان الرئاسي مجدداً، التزام مجلس الأمن الدولي الراسخ به، وبإشارته إلى أن الاستيطان الاستعماري، يشكل خطراً على هذا الحل، ما يعني أنه لا بد من التصدي لهذا الخطر.
اللافت في هذا البيان أن جميع أعضاء مجلس الأمن الخمسة عشر، وقعوا عليه، وهذا يعني إجماعاً دوليّاً، ضد الاستيطان الاستعماري الإسرائيلي، من أعلى هيئة دولية، خاصة من قبل أعضاء المجلس الدائمين، الموصوفين بالخمسة الكبار.
سنذهب بهذا البيان إلى مزيد من الحراك السياسي، لجعله بين أوساط المجتمع الدولي، مرجعاً لازماً لأي موقف ضد الاستيطان الاستعماري الإسرائيلي، وعلى نحو تفعيله بإجراءات عملية، تقرب في المحصلة نهاية الاحتلال الحتمية، وهذا بالطبع سيظل يتطلب دائماً ترسيخ المزيد من سبل الصمود الوطني الفلسطيني، شعباً، وقيادة، وفصائل، وتصعيداً لمختلف وسائل المقاومة الشعبية المشروعة، لتأكيد حقيقة الإرادة الفلسطينية الحرة، وثبات قرارها في مواصلة طريق الحرية والاستقلال.
لم يعد الاستيطان الاستعماري الإسرائيلي مع هذا الإجماع الدولي مقبولاً، ولم يعد بالإمكان مع هذا الإجماع، تصور مستقبل أكيد لهذا الاستيطان، إنها إستراتيجية الخطوة خطوة التي تواصلها الشرعية الفلسطينية في طريق الكفاح الوطني، للخلاص من الاحتلال الإسرائيلي، إنها الخطوات الأكيدة التي لن تقود في المحصلة إلا إلى محطتها الأخيرة، حيث دولة فلسطين الحرة، بعاصمتها القدس الشرقية.
رئيس التحرير صحيفة الحياة الجديدة