"نور الهدى".. رحلة موت مفجعة!!
رشا حرزالله
قبل أن تشتعل النار في أجسادهم الطرية.. وقبل أن تحترق جمرة روحهم في جحيم اللهب الذي حاصر حافلتهم، كان طلبة مدرسة ورياض أطفال نور الهدى الأساسية في عناتا، يأملون بفسحة ترفيهية "شتوية" إلى الجارة رام الله.
أكثر من 80 طالبا وطالبة لم يعلموا أن رحلة مدرسية "علمية" ستنتهي ببعضهم إلى رحلة الموت "الطاغي والأسود" الذي لا رادَ له... عشرة من بينهم، خلدت روحهم إلى الراحة الأبدية وانسلت من بيننا صوب تلك الدروب النهائية التي تذهب ولا تجيء.
لأكثر من نصف ساعة، ظلت الطفلة رزان إبراهيم 4 سنوات، التي ترقد في مجمع فلسطين الطبي جراء إصابتها بحروق في وجهها وأجزاء من جسدها نتيجة حادث السير الذي تعرض له باص روضة للأطفال قرب حاجز جبع العسكري شمال القدس.. ظلت تبكي وتسأل عن مصير صديقتها بتول.
"كانت تجلس في المقعد المحاذي لمقعدي في الباص" قالت رزان، قبل أن يختنق صوتها في هنهنات البكاء وتمتلئ مآقي العيون بلوعة الفقدان!.
لم يسعف وجود الأطباء الذين "تجمهروا" في محيط سرير رزان بمستشفى رام الله الحكومي، من منع بكائها وصراخها "بدي بتول.. وين بتول"، وظل سؤالها ملحا عن مصير صديقتها، وفيما إذا كانت على قيد الحياة أم اختطفها الموت.
حالة من الصدمة سيطرت على رزان، وبقيت تتحدث عن اللحظات الأخيرة قبل وقوع حادث السير بين باص الروضة الذي يقلهم وصهريج الوقود: "كنا في الباص نتحدث، فجأة سمعنا صوت انفجار، الأطفال بدأوا بالصراخ والبكاء، أمسكت يد بتول، وبدأت النيران تتصاعد من الباص".
وفي مجمع فلسطين الطبي في مدينة رام الله، هرع أهالي الضحايا للاطمئنان على مصير أطفالهم، في مشهد بكائي مفجع وابتهالات إلى الله بأن ينجي أبناءهم من كل سوء!
تنقلات سريعة بين الغرف.. تساؤلات الأهالي وصرخاتهم التي وصلت عنان السماء.. مواطنون، رجال أمن ودفاع مدني ومسعفون "تحنّت" أياديهم بالدماء، ومتطوعون أيضا، حاولوا بجهد مساعدة ذوي الضحايا ومعرفة مصير أطفالهم، هكذا بدا المشهد "سرياليا" في مجمع فلسطين الطبي.
ومن بعيد يُسمع ضراخ أم فهمي عميرة تضرب وجهها وصدرها وتتوسل: "من شان الله، بس بدي أطمن عليه، أي معلومة عنو، وين مكانه؟".
وصلت أم فهمي لغرفة الطوارئ لتجد ابنها فهمي ملقى على سرير العلاج وهو بحالة صحية جيدة، باستثناء بعض الحروق الطفيفة في وجهه.
تقول أم فهمي لـ"وفا"، إنها تلقت بلاغا من الروضة، عن نيتهم تنظيم رحلة مدرسية لمركز علمي، ووقعنا على الورقة بالموافقة على ذهاب فهمي، وكنت قد أخبرت عمته بهذا الأمر، لتقوم في هذا الصباح بالاتصال بي وإبلاغي بوقوع حادث سير بين باص أطفال وشاحنة كبيرة في جبع، شعور لا يوصف شعرت أنني سأصاب بالجنون".
مدير مجمع فلسطين الطبي أحمد البيتاوي اكتفى بالتعليق : "وضع لا يوصف، هذه كارثة إنسانية، بعض الجثث وصلت متفحمة، هناك 7 وفيات، بالإضافة إلى عدد من الإصابات، لكن لا يوجد حصيلة نهائية".
رحلة رحل فيها من رحل بأحلام غضة تاركين لأصدقائهم في المدرسة ذكريات طفولة قدر لها أن تحترق بصهريج وقود أسدل فيها الستار على عشر ضحايا من الأطفال الذين لا يعرفون معنى الموت وأفل نجمهم وانتهت حياتهم بصورة مقيتة.. غير أن السؤال سيظل عالقا، من المسؤول؟؟.