ذكريات الأمكنة في ذاكرة اللاجئين
ريم سويسي
ما ان تتناهى إلى مسامع الحاجة ابتهاج دولة (89 عاما) كلمة يافا حتى تمتلئ عيناها بالدموع، ويبدأ لسانها بالنشيد "مالك يا فلسطين حزينة! لا فيك فرحة ولا زينة".
يافا، بلد البرتقال والذكريات الجميلة بالنسبة لدولة، قبل أن تعاصر النكبة وتصبح لاجئة في مخيم الشاطئ بقطاع غزة، بعد أن احتلت العصابات الصهيونية يافا عام 1948، وكانت حينها في الـ14 من العمر.
تعود الحاجة دولة بالذاكرة لذلك الزمن، مستذكرة "كنت في الصف السادس وكنت في طريقي إلى البيت بعد انتهاء اليوم المدرسي، رأيت مقطورات تحمل أشخاصا يرتدون الحطة العربية الحمراء، فاعتقدنا أنهم الجيش العراقي، لكن بدأوا إطلاق النار علينا، وأصيب أخي بعدها علمنا أنهم عصابات صهيونية".
رغم كبر سنها، لكن تفاصيل النكبة ما زالت حاضرة في ذهنها وبقوة، وتذكر كيف أصيب شقيقها بالرصاص وحمله الشبان، وهربت وعائلتها باتجاه ميناء يافا حفاة، وصعدوا المركب وصولا إلى ميناء بور سعيد في مصر، ثم على سيناء.
تقول دولة "مكثنا في سيناء ما يقارب العام، ثم غادرناها نحو مخيم المغازي للاجئين وسط قطاع غزة ومكثنا هناك أيضا ما يقارب العام، ثم بعدها الى غزة في مخيم الشاطئ، حيث نصبوا لنا خيمة كبيرة من النايلون المقوى وشبابيك من الخيش، وإنارتها من الكاز، وكنا من أوائل من سكن في مخيم الشاطئ، ثم بدأوا بعد فترة طويلة ببناء مساكن من الطوب، كانت لدينا صعوبة كبيرة في الحصول على الماء، وكان هناك حمام واحد لمنطقة بأسرها، ما يضطرنا للوقوف في طابور حتى يتسنى لنا استخدامه".
يسكن وجدان الحاجة دولة الحنين إلى يافا، تتمنى العودة إليها فما زال مفتاح الدار بحوزتها، أو أن تتاح لها فرصة زيارتها، مختتمة قولها "أتمنى العودة لها ولو زحفا".
ليس الحاجة وحدها من يوجعها الحنين للبلاد، فالمسنة ميسر محمد تفتقد هي الأخرى منزلها وحديقتها وجيرانها في المجدل، التي هجرت منها وهي في 13 من العمر.
تقول "كنت عروسا جديدة حين حصلت النكبة، وأذكر يومها نتيجة القصف العنيف خرجنا من المجدل باتجاه البحر ولا ندري أين سنذهب، ركبنا قوارب عبر البحر وهربنا من نيران المدافع الثقيلة، وصلنا إلى قرية الجورة في القدس ومنها الى خان يونس بقطاع غزة ليستقر المطاف بنا في مخيم الشاطئ". تشير "لم تكن لدينا نقود ولا عمل ناهيك عن الخوف من مصيرنا المجهول".
وتضيف ميسر (87 عاما) "حملنا أغراضنا الأساسية فقط لأنهم كانوا يقولون لنا إننا سنعود بعد أسبوع، أخذنا فقط مفاتيح الدار وما زالت بحوزتنا حتى اليوم وما زلنا نحلم بالعودة إلى المجدل، هناك حيث جمال المجدل وبيتي الواسع الكبير".
ولا تقتصر هذه الذكريات على من هجروا من بلادهم فقط، بل على من استقبلوا وآووا اللاجئين ومنهم المواطن الغزي غازي بكر أبو حسن (79 عاما) الذي استقبل وعاصر وصولهم إلى غزة.
أذكر طائرات حربية كانت تقصف غزة وبسببها قمنا بالخروج إلى منطقة الشيخ زويد في مصر بحثا عن الأمن، ثم عدنا بعدها.
"كنت طفلاً وكنت أجلس على باب منزلي الذي يطل مباشرة على الشاطئ، كنت أرى الناس وهم يترجلون من القوارب على شاطئ غزة، وغيرهم سيرا على الأقدام، وأذكر ضابطا اسمه دبابش قدم من يافا، كان مرشدا للمهاجرين القادمين إلى غزة، وقام بتسكينهم وكوّن مجموعة من المرشدين الآخرين ووضع لافتات تدل على وجود أماكن إيواء للاجئين". يضيف.
ويوجد في قطاع غزة 8 مخيمات لجوء هي: "دير البلح -دير البلح والمغازي-، وجباليا، وخان يونس والبريج، والنصيرات، ورفح، كذلك مخيم الشاطئ".
يذكر مدير عام الإعلام والعلاقات العامة في دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير رامي المدهون، أن عدد اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات غزة يبلغ مليونا و450 ألف لاجئ (35% منهم يعيشون داخل المخيمات)، ومليونا و200 ألف لاجئ (80% من مجموع اللاجئين) يتلقون مساعدات من وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين، وهي تعتبر شريان الحياة لهذه الأسر ومصدر رزقهم الأساسي.
ويضيف المدهون لـ"وفا"، "عندما تجتاح الوكالة أزمات مالية فإن الأمر ينعكس سلبا على ظروف اللاجئين وحياتهم حين تضطر الاونروا إلى تخفيض تقديم هذه الخدمات سواء الإغاثية أو الصحية".
ووفقا للمدهون فإن "معدلات البطالة بين اللاجئين 46% بينما الفقر 87%، ما يعطي مؤشرات خطيرة كون هذه الأسر تعيش تحت خط الفقر".
ويشير إلى أن "اللاجئ يعاني من إعاقة في عملية إعادة الإعمار وذلك بعد الحروب الإسرائيلية على غزة، وهناك آلاف الأسر تنتظر عملية إعادة إعمار بيوتهم كما أن هناك 40 ألفا من ذوي الإعاقة في مخيمات اللجوء ما يثقل من كاهل الأسر".
ويختم حديثه بالقول "تعاني المخيمات من بنية تحتية مهترئة في ظل حصار إسرائيلي متواصل منذ 15 عاما، ما فاقم المأساة خاصة في فصل الشتاء الذي يشهد غرق مناطق كبيرة في المخيم، إضافة إلى ارتفاع نسبة الملوحة في مياه الشرب في المخيمات إلى 90%".
ــــــ