حكاية قطة ...
لن نذهب إلى أية رواية من الروايات التي تعلقت بعملية المجند المصري محمد صلاح إبراهيم، التي أسفرت عن مقتل ثلاثة جنود من جيش الاحتلال الإسرائيلي، برصاص رشاشه الكلاشنكوف، والواقع أن الاحتفاء الشعبي المصري اللافت، واللافت جدا، بهذه العملية، وبمنفذها، هي الرواية التي على إسرائيل أن تقرأها جيدا، لتدرك أن أحابيل السياسة، وتسوياتها المختلة، ليس بمقدورها في المحصلة، أن تمحو من الوجدان الأخلاقي، والإنساني، مشاعر البغض، والكراهية للعدو الذي أثقل على هذا الوجدان وذاكرته، بسيرته العدوانية الدموية .
خمس وأربعون سنة من كامب ديفيد، والمحصلة صفر تطبيع في الشارع المصري، فما زالت إسرائيل كما يعرفها، ويدركها هذا الشارع، دولة محتلة، وما زالت بغطرستها، وسياساتها العدوانية ذاتها، خاصة ضد أشقائه في فلسطين، وعلى إسرائيل أن تعرف في هذا الإطار، أن مصر فلسطينية الوجدان، وقبل قليل كنا رأينا العرب في مونديال قطر بوجدانهم الفلسطيني.
أن تعرف إسرائيل ذلك وتعترف به حقيقة لا جدال فيها، يمكن لها حينئذ أن ترى حالها جيدا، دولة لا يمكن لها العيش في هذه المنطقة بسلام وأمن وطمأنينة، ما لم تنزع عنها ثياب الحرب والعدوان، وما لم تخلع من عقلها أفكار العنصرية الفاشية، وأوهام تأبيد احتلالها لفلسطين، وإحكام سيطرتها المطلقة، على هذا الشرق العربي.!
أجل على إسرائيل أن تقرأ جيدا احتفاء الشارع المصري بعملية المجند محمد صلاح الذي على ما يبدو تماهى مع محمد صلاح الكروي – هكذا يرى المجاز، وهكذا تحكم الكناية - فأصاب مرمى إسرائيل بثلاثية موجعة وبالغة..!!
ولا نشك أبدا أن أمثال محمد صلاح كثر، على إسرائيل أن تعرف ذلك جيدا، وهنا تحضرنا حكاية عن قطة مدللة، كان أصحابها يقدمون لها كل أنواع الطعام الذي تحب، لكن ذلك لم يكن يظهر على عافيتها، بل كانت تزيد هزالا في كل يوم، فقرروا سؤالها ليعرفوا سبب هذا الهزال، فقالت لهم انظروا خارج الشباك، ثمة أسد يظل يحدق بي، فاغرا فمه، ولا أعرف متى يقدم على التهامي، فكيف إذن سأستطيب طعاما، واستفيد منه، وأنا في خوف وقلق دائمين، حالتي النفسية تحرق كل طعام فلا آخذ منه سوى الرماد ..!!
المعضلة في إسرائيل اليوم أنه مع اليمين الصهيوني الفاشي المتطرف لن يكون هناك من سيلتقط هذا المغزى، وهذه العبرة، من وراء هذه الحكاية، ونحن هنا لسنا رواة، وإنما ناطقون بمعطيات الواقع، وحقائقه، ولأن جراحنا صحيحة، سيظل نطقنا صحيحا، وبليغا في لغته بكلماتها المباشرة، وتعابيرها المجازية، التي تسعى للمعنى الأوضح، والأكثر عمقا وصوابا.
رئيس التحرير