محمد هيثم التميمي
لم يكن قد تجاوز الثالثة من عمره بعد، ونحسب أن الرصاصة الاسرائيلية، التي أطفأت نور عينيه، واطبقت بالموت على ابتسامته الودودة، نحسب أنها -لا الجندي مطلقها- كانت تتساءل وهي ماضية إليه، ما الخطر الذي يشكله هذا الطفل على دولة اسرائيل الاسبارطية..؟؟
لكن الرصاصة بنحاسها الساخن، لم تكن لتحيد عن غاية مطلقها، فلا براءة لها حتى إن كانت قد تساءلت حقا في مخيلتنا الانسانية ذاك التساؤل، ولا براءة طبعا للجندي الذي أطلقها، ولا براءة بالمطلق، لقادة هذا الجندي، الذين يقودونه في دروب القتل والعنف والارهاب.
محمد هيثم التميمي انظروا الى صورته، طفل بوجه البراءة ذاتها، له ابتسامة الود ونظرة السؤال الوديع، وكفان يحبوان الى بعضهما البعض، لعلهما يدركان غايته الوردية في روحه الطرية.
هذه صورة، لم، ولن تراها إسرائيل، وهي تعاقر أوهام الغطرسة، والعنصرية، ولا تعرف حتى الان، وهي بهذه الحال، سوى سياسة الاحتلال، والعدوان..!! على أن صورة محمد، ليست مجرد صورة، وهي تتجاوز لثغ اللغة، وحيرتها، الى فصاحة المعنى وبلاغته، في كشفها المؤطر لحقيقة بشاعة الاحتلال وعنصريته، ما يجعلها في المحصلة كمثل بيان مرئي، ومقروء، ومسموع، وهذا ما لا يمكن تجاهله في المحصلة، ولا بأي حال من الاحوال، لا سيما أن للتاريخ مدوناته التي لن تنسى بيانا من هذا النوع، والأهم أن لأهل هذا البيان، سعاة في دروب النضال الوطني والتصدي للاحتلال، وجرائمه، في مختلف ساحات المواجهة، ومنها بالقطع محكمة الجنايات الدولية التي إن لم تقض اليوم بما نرفع لها من قضايا، فإنها ستفعل ذلك غدا، ودائما إن غدا لناظره قريب، ولعلنا نتطلع أن تصبح هذه المحكمة، تحت ميزان العدل، محكمة لمقاضاة المجتمع الدولي، على صمته المتواصل تجاه جرائم الاحتلال الاسرائيلي، بوصفه شريكا في هذه الجرائم، حتى لو صاح أصحابه صيحة "بيلاطس" "انا بريء من دم هذا البار الناصري".
هذا صمت يستحق المقاضاة، فلو لم يكن هذا الصمت حاصلا، لما كان هناك المزيد من جرائم الاحتلال، والعالم لا شك يعرف أن محمد هيثم التميمي ليس أول طفل شهيد من أطفال فلسطين، سبقه العديد منهم، جميعهم كانوا في عمر الورود، بل ومنهم من كانت رضيعة، تفوح منها رائحة الحليب، من بوسعه أن ينسى إيمان حجو..!!
إلى أين ستمضي إسرائيل بمثل هذه السيرة الدموية؟ أية حال تكونها في هذا العالم؟ وإلى متى يمكنها ان تواصل هذه السيرة التي خلاصتها "حروب بين الحروب"؟ نعرف ما ينتظرنا من مستقبل ونحن نشكل مقوماته أن تكون هي مقومات حياة الحرية والاستقلال، فهل تعرف إسرائيل ما يتنظرها حقا، مع سيرتها الدموية التي لا تخلف لها، أي نوع من أنواع الطمأنينة والاستقرار؟؟
رئيس التحرير