الضفة تحتضن عمال غزة
لبسام الكفارنة أمنية وحيدة، أن تتدخل أي جهة عليا كي يتمكن من العودة من رام الله إلى قطاع غزة، ليكون حاضرا خلال دفن جثمان نجله، الذي استشهد بالأمس في مجزرة جباليا.
"آمل أن أعود إلى غزة ولو من خلال الأردن لأمشي في جنازة ابني. سيدفن دون حضور والديه، أنا هنا برام الله، ووالدته عالقة في مصر حيث تتواجد هناك قبل اندلاع العدوان برفقة ابننا الذي يتلقى العلاج".
تلقى الكفارنة، نبأ استشهاد نجله سهيل (23 عاماً) في المجزرة التي ارتكبها الاحتلال في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، وذلك بعد ساعات فقط من وصوله إلى رام الله، في أعقاب طرده من مكان عمله بأراضي الـ48.
"كان ابني يتواجد في منطقة المدارس بمعسكر جباليا. لجأ لها بعد أن أخلي منزل العائلة في بيت حانون لكونه يقع في منطقة حدودية، وخرج يحضر حاجيات لإخوانه، توجه إلى منطقة الترانس، فتم قصف المنطقة واستشهد".
واستهدفت طائرات الاحتلال منطقة "الترنس" التجارية، في قلب مخيم جباليا، شمال غزة، بصاروخين على الأقل، بينما كانت تعج بالمتسوقين وأصحاب المحال، فارتقى العشرات منهم شهداء.
تلقى بسام عصر أمس، مجموعة اتصالات من إخوته وأبناء عمومته، قالوا له بادئ الأمر إن سهيل أصيب بالعديد من الشظايا إحداها في القلب، وبعد ساعات استشهد على إثرها.
استقبل خبر الفاجعة بينما كان يقيم عند صديق له برام الله، بعد ساعات قليلة من وصوله إلى المدينة مطرودا من مكان عمله في "حيفيتس حاييم" إلى الشرق من مدينة أسدود داخل أراضي 1948.
وقال: "داهمت قوة من جيش وشرطة الاحتلال مكان عملي، وكنت أتواجد بصحبة عدد من المواطنين العمال، اقتحم الجنود المكان، وطلبوا منا إحضار حاجياتنا وهواتفنا النقالة وبطاقات هوياتنا، وتمت مصادرتها".
وبعد ذلك قاد الجنود العمال ونقلوهم إلى مكان آخر، وتم اعتقالهم لنحو 12 ساعة بعد رفع بصماتهم، وتاليا نقلوا إلى حاجز عسكري في محيط رام الله، وقيل لهم إنه تمنع عليهم العودة إلى قطاع غزة، بداعي أن معبر بيت حانون "إيرز" مغلق حتى إشعار آخر.
كان بسام الكفارنة يتواجد في الباحة الأمامية لمقر محافظة رام الله والبيرة عندما التقى به مراسل "وفا"، إلى جانب عشرات ممن واجهوا المصير ذاته من العمال، الذين توجهوا إلى المقر لتسجيل أسمائهم وأرقام هوياتهم وهواتفهم استعدادا لنقلهم لمراكز إيواء.
ويروي محمد البطش، من سكان حي التفاح بمدينة غزة، كيف عاملته قوة من شرطة الاحتلال بوحشية، هو ورفاقه العمال أثناء تواجدهم في ورشة بناء بمدينة "هرتسليا".
وقال: "عند الواحدة من ظهر يوم السبت الفائت، وصلت دورية من شرطة الاحتلال إلى الورشة وقامت باعتقالنا جميعا، كنا 18 عاملا، واقتادونا إلى مركز الشرطة، وهناك اعتقلونا لنحو 12 ساعة ونحن مقيدو الأيدي بمرابط بلاستيكية".
وتحدث البطش عن تعرض بعض العمال أثناء الاعتقال للركل بالأحذية وللضرب بمقابض اليد وبالهراوات، من قبل عناصر الشرطة.
وعند الساعة الثانية من بعد منتصف الليل، اقتاد جنود الاحتلال العمال إلى حاجز "إيال" العسكري عند قلقيلية، وتم إطلاق سراحهم، وتوجهوا إلى مسجد في مستشفى المدينة فباتوا ليلتهم هناك، وصباحا توجهوا إلى رام الله مرورا بنابلس.
وقالت محافظ رام الله والبيرة ليلى غنام، إن ما واجهه عمال قطاع غزة يعد فصلا من فصول العدوان الصهيوني المستمر والهجمة الشرسة على أبناء الشعب الفلسطيني.
وأضافت أن المحافظة وبقية المحافظات، باتت تستقبل منذ يوم السبت وبشكل يومي عمالا يقوم الاحتلال بنفيهم إلى الحواجز، في العديد من المحافظات وليس فقط في رام الله والبيرة.
وأشارت غنام، إلى أن عدد العمال من قطاع غزة الذين وصلوا المحافظة وصل إلى 300، بعضهم تم الاعتداء عليه أثناء الاعتقال والطرد، وآخرون جردوا من مقتنياتهم وأجهزتهم الخليوية وحاجياتهم، والبعض حضر حتى دون بطاقته الشخصية.
وبينت أنه تم التعامل معهم منذ اللحظة الأولى ضمن نظام الطوارئ الذي تعمل به محافظة رام الله والبيرة، لتأمين المأوى لهم والحاجيات الأساسية.
وتشير إحصائيات لمديرية العمل في قطاع غزة، إلى أن عدد العمال الفلسطينيين من غزة الحاصلين على تصاريح للعمل في أراضي 1948، وصل إلى حوالي 18 ألفا و500 عامل، منهم 12 ألفًا بموجب تصاريح "احتياجات اقتصادية".
وفي جنين، آوت المحافظة 75 عاملا من قطاع غزة، بعدما اعتدت قوات الاحتلال الإسرائيلي عليهم واحتجزتهم لساعات، قبل أن تتركهم قرب حاجز الجلمة العسكري.
وقال أحد العمال إن قوات الاحتلال أفرجت اعتقلهم من أماكن عملهم في عدة مدن وبلدات داخل أراضي الـ48، مشيرًا إلى أنه تم التنكيل بهم وإجبارهم على خلع ملابسهم وتقييدهم بالسلاسل والاعتداء بالضرب على أجسادهم.
ولفت إلى أن عددا من العمال تلقوا أنباء عن استشهاد وإصابة أفراد من عائلاتهم خلال العدوان المتواصل على قطاع غزة، ويعيشون في ظروف نفسية صعبة.
ووفرت المحافظة مسكنا واحتياجات معيشية وكل ما يلزم للعمال، وشكّلت لجنة طوارئ تضم المؤسسة الأمنية والبلديات والغرفة التجارية ومديرية الصحة والمؤسسات ذات الاختصاص في ظل عدوان الاحتلال المتواصل على شعبنا.
وتم توفير مبيت لـ63 عاملا في المركز الكوري التابع لبلدية جنين، ومبيت لـ12 عاملا في بلدة اليامون من قبل رئيس البلدية.