الحربُ ضَغينةُ الموتى
ليسَ ثمّةَ ما هو أبلغُ من الصّورة، للحديث عن حال قطاع غزة الآن، الصورة وحدها هي التي لا تثرثر، ودم الشهداء والجرحى من أهل القطاع المكلوم، يسيل بغزارة من قلبها، ومن بين أطرافها، فيما الباحثون عن فرصة حياة بين الركام، يطلون منها على ما تبقى لهم من نفس، وأمل بالنجاة..!!
لا صمت في هذه الصورة، وليسَ ثمّة تحليل، لا سياسي، ولا عسكري لديها، تعرض حال القطاع المكلوم، كما هو طافح بالدم، والدخان الأسود، والركام، وأقسى ما فيها أطفال سحقت صواريخ الطائرات الحربية الإسرائيلية أعمارهم الغضّة، والجرحى منهم، بلا بكاء الخوف، بل ببكاء السؤال، وغضب السؤال، لماذا وكيف، وإلى متى...؟ القاصفون المحتلون، غير آبهين بهذا السؤال، وغرب التخاريف العنصرية، أُذن من طين، والأخرى من عجين ...!!
لا صلاة في الصورة، غير صلاة الجراح، مرفوعة لله العلي القدير، بلا أذان، فقد قصفت المآذن، والجوامع دمرت، ولا رثاء في الصورة، فقد تعب الضحايا من الرثاء، ما عاد يعنيهم، وليس بمقدوره أن يقطب شيئا من جراحهم ..!! ولا بيانَ متعاليًا على الواقع في الصورة، وأيا كانت بلاغته، لن يكون بوسعه أن يرمّم شيئًا من الواقع، فهروشيما حطت هنا تمامًا، والصورة لا تكذب.
والصورة أيضًا لا ترتجف، فوق الركام، الناجون حتى الآن، بلا تردد: باقون هنا ولن نرحل، سنجعل من هذا الركام منبرًا للحقيقة، لتقول خطابها بلغة الدم التي لا مراء فيها، ولا شعبوية .
وبوسع الصورة أن تغني أيضا، الحرب ضغينة الموتى، خرجوا من كتبهم القديمة، علهم يعودون للحياة من جديد، بعيد هذا المنال، بعيد، بعيد، الحرب ضغينة الخرافة، وفلسطين أيقونة الواقع والحقيقة، تؤسطر ملاحمها بالصمود، والتحدي، وحتى بالركام، كساعد يجرجر الحرب الى فضيحتها، وعارها، وخزيها، ولعنة الحق تنصب على رؤوس مشعلي نيرانها، إلى يوم الدين .
هذا بلاغ الصورة، وهذه هي حقيقتها، والصورة لا تكذب .
رئيس التحرير