غزة.. جثامين تحت الركام ومخاوف من كوارث بيئية
علي الفرا
تتكرر عبارة "رائحة الموت"، بشكل ملفت بين المواطنين في قطاع غزة، خاصة مع انتشار الجثث المتحللة تحت ركام المنازل والأبنية التي قصفت وهدمت بالكامل فوق رؤوس ساكنيها.
وتثير هذه العبارة وما يرافقها من مشاهد يومية لانتشال الجثامين، حالة من التوتر والقلق بين المواطنين على مصير ذويهم ممن أعلن عن فقدانهم منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من الشهر الماضي.
ونتيجة لعدم إمكانية إخراج الجثث من تحت أنقاض المنازل المدمرة في حينه، تحللت هذه الجثث وانتشرت رائحتها ما تسبب بجذب الحيوانات والطيور التي تحاول نهش ما يظهر منها، فأصبح الأمر ينذر بكارثة بيئية لا يمكن التنبؤ بنتائجها.
ووفقا لوزارة الصحة فإن عدد المفقودين تحت أنقاض المنازل في غزة يقدر بنحو 7000 شخصا معظمهم من الأطفال والنساء، وأنه جاري العمل على استخراجهم في ظل الهدنة، إلا أن نقص الإمكانيات يعد العائق الأكبر أمام ذلك.
وأوضح طبيب الباطنية علاء المصري لـ "وفا"، أنه لا يوجد دليل مثبت أن وجود الجثث وتحللها تحت الأنقاض يمكن أن يشكل ذلك خطراً صحيا، خاصة أن مسببات الأمراض من بكتيريا وفيروسات وطفيليات تموت بمجرد خروجها من جسم الإنسان باستثناء بعض مسببات الأمراض مثل الإيدز والكوليرا.
وقال: "الكوليرا تشكل خطرا صحيا حتى بعد وفاة الأشخاص المصابين بها، فاذا كان شخص مصاب بها وتوفى تحت الأنقاض وتحللت جثته بالقرب من أو داخل مصدرا للمياه يمكن أن يشكل مصدرا لانتقال العدوى، فيحدث تلوث للمياه واحتمالية إصابة السكان بنزلات معوية حادة قد تؤدي إلى الوفاة".
وأكد المصري أن إصابة الانسان بالكوليرا مرتبطة بعدم توفر المياه والمرافق الصحية الملائمة، كما أن المياه والأطعمة الملوثة تساعد على الإصابة ببكتيريا الكوليرا، وأن عدم توفر الإمكانيات وقلة الكادر الطبي بسبب الحرب قد يتسبب في عدم اكتشاف حالات الكوليرا وعلاجها مما ينذر بكارثة في حال انتشارها.
وأشار إلى أن الجثث عادة لا تؤوي كائنات تسبب أمراضا إذا اتخذت الاحتياطات اللازمة إلا في حال كانت الوفيات مصابة قبلها بأمراض معدية مثل ايبولا، وماربورغ، أو الكوليرا أو حين تحدث الكارثة في منطقة تتوطن فيها هذه الأمراض المعدية.
وقال: "الحذر واجب عند التعامل مع الجثث ويجب وضعها في ثلاجات تتراوح بين (4-8) درجات مئوية بهدف منع التحلل وانتقال البكتيريا اللاهوائية المسببة للأمراض إلى حين توفر الدفن اللائق".
من جانبه يرى أخصائي الصحة العامة الدكتور مهند عبد الناصر، أن عدم دفن الجثث بطريقة صحيحة يسبب أمراضا مختلفة مثل مرض الكوليرا إن وجدت هذه الجثث بالقرب من مصادر المياه، وأنه يوجد بكتيريا وفيروسات من الممكن أن تظل نشطة في جثة المتوفي وتتسبب بأمراض مثل الكبد الوبائي والسل والايدز.
وأوضح أنه من الممكن أن تتغذى بعض الحيوانات والطيور والقوارض والحشرات على الجثث وتسبب نقل العدوى كالبعوض الذي قد يسبب الملاريا، وأنه سبق وأن نقلت بعض الجثث العدوى لأحياء كاملة لأنها لم تدفن بطريقة سليمة.
وتابع: "تعفن الجثث المتراكمة دون دفنها بالطرق الصحيحة قد تسبب أمراضا مختلفة وأضرارا صحية ومخاطر بيئية اذ أنها قد تكون حاضنة لأمراض سارية ومعدية إضافة لأمراض تنفسية وجلدية".
وأضاف: "رغم تصريحات منظمة الصحة العالمية بأن احتمالية انتشار الأمراض تقل بسبب الجثامين، إلا أنه وإضافة للجانب الديني والروحاني بحفظ كرامة الميت فإن تحنيط الجثث عند نقلها من بلد إلى آخر أو وضعها في الثلاجة إلى حين دفنها بالطريقة الصحيحة يهدف إلى منع التعفن ونقل الأمراض.
وأكد أنه في الحروب ينتشر الفقر والمرض بسبب هدم المنظومة الصحية، إذ يصبح الانسان باحثا عن الأولويات التي تبقيه على قيد الحياة ويتوقف عن أخذ المطاعيم والمراجعة الصحية الدورية له ولأطفاله.
وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش حذرت من أن تراكم الجثث دون دفنها بطريقة صحيحة قد يؤدي إلى تفشي الأمراض ويساهم في كوارث صحية وبيئية.
من جانبه يرى الدكتور الصيدلي محمد الفرا العامل في مجال الصحة، أن تراكم الجثث دون التمكن من دفنها خاصة في فصل الشتاء الذي تنشط فيه الفيروسات والبكتيريا قد يؤدي لكارثة صحية كبرى ناتجة عن تعفن الجثث وتحللها مسببة تلوثا وانتشار لأمراض مثل الكلوليرا وأمراض تضر بالجهاز المناعي.
وأكد أن انقطاع الكهرباء والمياه يسببان معاناة إضافية، لأن الأطقم الطبية بحاجة إلى الماء حيث أنهم لا يجدوا ماء صالحا للشرب، فبذلك فإن الجميع معرض للإصابة بالأمراض التي تنقلها المياه والأطعمة الملوثة.
وقال: "إن انقطاع المياه له انعكاسات سلبية مباشرة على الصحة وسلامة الأجساد والنظافة ويؤدي عدم وجودها إلى انتشار الأوبئة، وأن انتشار الجثث قرب مرافق امدادات المياه أو داخلها يسبب مشاكل صحية لأن الجثث تفرز فضلات وتلوث مصادر المياه وهو ما يؤدي إلى خطر النزلات المعوية وغيرها من الأمراض".
وأضاف، "يجب عدم ترك الجثث على احتكاك بمصادر مياه الشرب، كما يجب بعد أي احتكاك بجثث المتوفين غسل اليدين بالماء والصابون أو تنظيفها بمحلول كحولي إذا لم يكن هناك تلوث واضح".
بدوره رأى خليل أبو شمالة من مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان، أن رؤية الجثث مشهد مؤلم، ووجودها تحت الأنقاض دون دفن كريم أشد إيلاما على ذويهم، وأنه يجب مراعاة الثقافة الدينية والعائلية في عمليات الدفن.
وما زال الكثير من أبناء عائلات غزة الذين تعرضت منازلهم للقصف يبحثون بأيديهم وبكل ما توفر لديهم من إمكانيات بسيطة عن جثث ذويهم المفقودين، وأرسل العديد منهم مناشدات لمساعدتهم في إيجاد المفقودين ليتمكنوا من دفنهم بطريقة تليق بهم ولا تبقى جثامينهم عرضة لعوامل الطبيعة وفريسة للنهش من الحيوانات والطيور والقوارض.