العدوان الإسرائيلي غير حياة أهالي غزة "180 درجة"
حوّل العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة لليوم الـ79، حياة المواطنين إلى صراع دائم للبحث عن أبسط مقومات الحياة من طعام ومياه وحتى الحمام.
وفي حصيلة غير نهائية، أسفر العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي عن استشهاد 20,258 مواطنا، وجرح نحو 53,688 مواطنا، أكثر من 70% منهم من النساء والأطفال.
ونزح نحو 1,9 مليون شخص في قطاع غزة منذ بدء الحرب أي 85% من السكان.
فيما يأتي تروي ثلاث نساء في قطاع غزة لوكالة "فرانس برس" كيف فرض العدوان عليهن واقعا جديدا.
-الطبيبة نور الوحيدي (24 عاما)-
مكثت الطبيبة نور 38 يوما في مستشفى الشفاء بمدينة غزة بعد بداية العدوان، لتضطر للنزوح بعدها إلى رفح في جنوب القطاع.
وتعمل حاليا في قسم الاستقبال والطوارئ في المستشفى الكويتي بمدينة رفح.
تروي نور كيف عملت لمدة 38 يوما متواصلا، وتقول لوكالة "فرانس برس": "لم أذهب للبيت إطلاقا، تمت محاصرة المستشفى فنزحت في اليوم الـ38 (..) منذ أكثر من شهر".
تؤكد نور "اختلاف شاسع بين حياتي السابقة في بيتي حيث جميع مقومات الحياة متوافرة، وبين وجودي في مكان غريب بدون مواد غذائية أو مياه، أي مقومات الوضع كارثي، إنسانيا واقتصاديا ومعيشيا وصحيا".
وتقول إنها تقيم في رفح الآن مع "أكثر من عشرين شخصا في شقة صغيرة جدا، المكان لا يتسع للجميع، بقيت عائلتي من جهة والدتي في مدرسة تابعة للأونروا، أما باقي عائلتي، جدتي وعمي وعمتي فما زالوا في غزة للأسف والاتصال بهم منقطع، مستودعينهم الله".
وتضيف "كل يوم، أشاهد قصص معاناة لم أكن يوما اتخيل مشاهدتها، وسائل الراحة ليست متوفرة، لا يمكنني أن ارتاح وأنام بعد الدوام، عدد الموجودين في البيت كبير".
لكنها توضح "نحن أفضل من غيرنا" مشيرة إلى أنها بعد تركها العمل "أعود للبيت (..) أطبخ معهم على النار وأقوم بإشعال النار، أقوم بالغسيل على يدي حين تتوافر المياه".
وتلاحظ "أصبحنا نفكر في إمدادات الطعام والشراب والمياه وشحن الهواتف النقالة وغيرها. أشياء لم نفكر بها يوما. نفكر كيف نحيا".
وتشير نور إلى أنها "عملت خلال العامين الماضيين أثناء تصعيدات عسكرية، لكن هذا العدوان مختلف في كل شيء" موضحة "المدة طويلة وعدد الشهداء ونوع الإصابات لم يمر من قبل بسبب شدتها والنزوح".
وتروي: "خلال نزوحي كنت أسير في الشوارع وأنا في حالة صدمة. لم أتخيل حجم هذا العدوان" مشيرة إلى أنه "خلق من كل شخص فينا شخصا مختلفا تماما. لا نستحق هذه الحياة، لا أحد يجب أن يعيش هذه الحياة".
ربة العائلة سندس البايض (32 عاما) -
تؤكد سندس البايض وهي الأم لثلاثة أطفال أن حياتها "انقلبت 180 درجة" منذ بدء الحرب .
وتعيش سندس الآن في خيمة صغيرة أمام المستشفى الكويتي بمدينة رفح، تتذكر حياتها السابقة قائلة: "حياتنا قبل العدوان كانت مستقرة وسعيدة. كان يوجد كل شيء في منزلي. كنت أقيم بشقة في مبنى يعود لعائلة زوجي. وأطفالي يذهبون للمدارس" موضحة أنها تشتاق لروتينها اليومي.
وتتابع "روتين حياتي اليومي إيقاظ أطفالي صباحا للمدرسة وتجهيزهم وتحضير الطعام قبل النوم مرة أخرى ثم شرب القهوة مع زوجي (..) حياة بسيطة ومستقرة ليتها تعود".
أما اليوم فتشير السيدة المتزوجة من صحفي، إلى أن نزوحها مع أطفالها تم على مراحل، بينما بقي زوجها في غزة في البداية، وتوضح أنها مكثت في دير البلح لأكثر من أسبوعين لكن "أصحاب المنزل خافوا من وجودي لأن زوجي صحفي وهم يعتقدون أن الصحفيين مستهدفون، بكيت بشدة لم أعرف ماذا سأفعل" وطلبوا منها المغادرة.
وبعدها توجهت إلى خان يونس ثم مرة أخرى إلى رفح.
وتوضح "الاستحمام صعب جدا وبماء بارد، وأغسل في وعاء بلاستيكي" مشيرة إلى أنه "لا يوجد خبز. ونحضر وجبات غذائية لكن الأطفال يرفضون أكلها. الأكل سيئ جدا وملوث. ونعتمد على الخضار وبعض المعلبات" ما تسبب لهم بأعراض معوية حادة.
وتضيف: "العدوان الأخير أرهقنا نفسيا بشدة. أطفالي سلوكهم تغير وأصبحنا جميعا بمزاج حاد. جميعنا بحاجة لعلاج نفسي بعد انتهاء العدوان".
وتؤكد سندس أنها اتفقت مع زوجها على البقاء "نحن متعلقون بعائلاتنا. الغربة صعبة وفراق الأهل والذكريات صعب".
تحلم سندس بالعودة إلى منزلها مؤكدة "أتمنى أن نعود لمنزلنا وألا نضطر للجوء خارج غزة إن شاء الله. حال عدنا إلى بيوتنا سنسافر مع أطفالنا للنقاهة والترفيه لشهر أو عدة شهور لترميم نفسيتنا".
التلميذة لين روك (17 عاما) -
تعيش لين حاليا في خيمة مع والديها وشقيقها وأربع شقيقات وابنة أحداهن. ولين طالبة في السنة الأخيرة من المدرسة كانت تحلم بدراسة الصحافة.
وتوضح "حياتي كانت روتينية لدرجة أنني كنت أتذمر منها. العدوان الإسرائيلي غير كل شيء. أصبحت أتمنى العودة لحياتي التي لم تكن تعجبني".
فرت عائلة لين من بيتها في خان يونس في اليوم الثاني من العدوان "صورنا البيت ونحن نبكي، غادرنا لمنزل أختي لكنه لم يكن آمنا أيضا فنزحنا لمستشفى ناصر" في خان يونس.
وتروي "كنت اعتقد أننا سنعود إلى المنزل بعد أسبوع كحد أقصى. مر أكثر من سبعين يوما ولم نعد بعد".
رفضت لين الأكل والشرب في البداية حتى لا تضطر للذهاب إلى الحمام، حيث إنها قذرة وعليها طوابير طويلة، ومرضت مرات عدة كما قالت.
فقدت لين الوعي في أحد المرات مشيرة إلى أنه تم نقلها لقسم الطوارئ.
وتتابع: "لم أتوقع أن أعيش هذه الحياة. في منزلنا أربعة حمامات" مؤكدة أنها فقدت 7 كيلوغرامات من وزنها.
وتوضح لين أن العائلة تعيش على "أكل الزعتر والمعلبات. من الصعب توفير الخبز".
الاستحمام والذهاب إلى الحمام أصبحا "معاناة. دخول الحمام كأنه سفر لأن المسافة بعيدة".
وتضيف "كنت استحم يوميا قبل الحرب. والآن إذا حالفني الحظ استحم مرة واحدة في المسجد وبمياه باردة. أغسل شعري في المغاسل المخصصة للوضوء ثم أغسل جسمي في الحمام".
وتشير الفتاة وهي تبكي "أشعر بالحسرة لأنني سأفقد وكل الطلاب، هذا العام من حياتنا. لا أعتقد أننا سنعود إلى المدارس".
وتضيف "كنت متحمسة لإنهاء المدرسة بتفوق حتى أسافر وأكمل حلمي"، متابعة "كل ما أتمناه الآن أن يعود الجميع لمنازلهم وأن أعود لمنزلي ويكون ما زال موجودا".