مخيمات الضفة... تدمير شامل بأسلحة تقليدية
هدى حبايب
بات واضحا للعيان أن عمليات الاقتحام المفاجئة والمستمرة التي تقوم بها قوات الاحتلال مستخدمة الآليات والجرافات وناقلات الجند لمدن ومخيمات الضفة الغربية، تهدف بالدرجة الأولى إلى القتل وتدمير البنية التحتية وتخريب منازل وممتلكات المواطنين.
ويعتقد المواطنون أن مثل هذه الاعتداءات والممارسات الاستفزازية مع ما تسببه من توتير للأجواء وخلق حالة من الذعر والخوف في نفوس المواطنين، وتعكير صفوة الحياة الاعتيادية في المدن وضواحيها ومخيماتها، إنما تهدف إلى فرض سياسة الأمر الواقع وقتل كل بارقة أمل بقرب زوال الاحتلال.
وتتم هذه الاعتداءات بهذا الحجم من القوة والعتداد العسكري، مع الانتشار المكثف لآليات الاحتلال في تجمعات ومعسكرات حول المدن، وبدوريات متواصلة على امتداد طول جدار الضم والتوسع العنصري وتحديدا شمال الضفة الغربية.
وعادة ما تبدأ عمليات الاقتحام للمدن في الساعات الأولى من الفجر، إلا أنها ومنذ فترة وجيزة، أصبحت تتم في ساعات الليل المتأخرة، لتمتد إلى عدة ساعات على الأقل وربما أيام، يتخللها تجريف وتخريب وإطلاق النيران والقنابل الصوتية والغاز، من قبل قوات الاحتلال التي تستهدف كل شيء متحرك وثابت على الأرض.
ففي مدينة طولكرم حيث مخيمي طولكرم ونور شمس -وكلاهما يقع عند المدخل الرئيسي الشرقي للمدينة- أصبحا هدفا الاحتلال الذي يسعى دائما إلى توجيه سموم أسلحته إليهما، وممارسة كافة أشكال العدوان والعنف ضد أبنائهما، فالاحتلال الإسرائيلي يشكل العدو الأول للمخيم الذي يستهدف وجوده وما يمثله من رموز ومعان.
في هذين المخيمين تختلط المشاهد، فهدير الجرافات المجنزرة المعروفة (D9) والتي استخدمها الاحتلال حديثا، يطرق آذان المواطنين، وهي تسير متثاقلة قادمة مما يسمى "معسكر نتساني عوز" المقام على أراضي خضوري غرب المدينة، فيدرك المواطن الصور الآتية: تخريب وتدمير، إطلاق الرصاص العشوائي، اقتحام المنازل واحتجاز أصحابها وتوجيه الشتائم والإهانات لهم، والضرب في كثير من الأحيان، وفي العادة يتكرر الاعتقال، ونقل الجرحى، وأحيانا يسقط الشهداء.
وجرافة D9 هي من الجرافات الضخمة المدرعة استخدمها الاحتلال خلال اقتحامه للمخيمات في الضفة بعد عدوانه على قطاع غزة في السابع من تشرين الأول/ اكتوبر الماضي، وهي من الآليات المدمرة للبنية التحتية للشوارع، كما أنها تستخدم لجرف القنابل والعبوات الناسفة تمهيدا لمرور بقية الآليات والجنود الذين يسيرون وراءها.
الليلة الماضية عاش مخيم نور شمس ليلة عصيبة، بعد أن اقتحمت الجرافات وآليات الاحتلال تقدر بأكثر من 50 آلية أحياءه، وهو الاجتياح الثاني "كما يسميه المواطنون" خلال أسبوع، والثالث خلال الشهر الجاري، والرابع منذ العدوان الإسرائيلي على غزة، حيث سقط 18 شهيدا من أبناء المخيم.
وتكمن المشكلة في وقوع مخيم نور شمس على الطريق الرئيسي الذي يربط المدينة ببلدتي عنبتا وبلعا وباقي قرى وبلدات وادي الشعير شرق طولكرم باتجاه محافظة نابلس، الأمر الذي حوله لطريق لآليات الاحتلال وجرافاته المدمرة، التي تجرف كل ما يصادف طريقها بطريقة متعمدة، فخربت الشوارع ببنيتها التحتية، وحطمت مركبات المواطنين على جنبات الطرق، ودمرت شبكة المياه المغذية للمخيم، وطال التخريب واجهات المحال التجارية والأسوار المحيطة بالمنازل، عدا عن الرصاص الطائش القاتل الذي يطلقه جنود الاحتلال فيطال النوافذ والجدران والأبواب، ناهيك عن الصواريخ التي تطلقها الطائرات المسيرة، باتجاه المنازل وتجمعات الشبان داخل الأحياء.
فالاحتلال لا يفرق بين مواطن وآخر فالكل مستهدف، سواء ساكنا أو متحركا، ولهذا فإن غالبية الأهالي لا يستطيعون البقاء في منازلهم خاصة تلك الواقعة على طول الشارع الرئيسي للمخيم أو على مدخله وإنما يضطرون للمبيت في منازل بعيدة داخل المخيم.
ويجمع سكان مخيم نور شمس القادمون من 32 قرية قضاء حيفا القرابة والنسب، ويجمعهم قمع الاحتلال وآلته العسكرية، فدفع هذا المخيم إلى جانب مخيم طولكرم نصيب الأسد من الشهداء والجرحى والأسرى، وتعرضت العشرات من المنزل إلى الهدم والتفجير وتشريد أسرها، دون أن تدري لماذا أو تجد سببا لهذا العقاب الجماعي سوى عنصرية الاحتلال وجبروته ورغبته الجامحة للقتل.