بصراحة ..
العنوان أعلاه كان هو العنوان الدائم لمقالات الكاتب الصحفي العربي الكبير الراحل محمد حسنين هيكل، في صحيفة الأهرام القاهرية. ولعلنا لا نجد اليوم عنوانا أجدى وأصدق من هذا العنوان للحديث عن الوضع الراهن، وما آل إليه جراء العدوان الحربي الإسرائيلي على قطاع غزة، وتصاعد هذا العدوان العنيف على الضفة الفلسطينية المحتلة.
والصراحة أن تقول كلمة الحقيقة، بواقعها المادي الماثل للعيان، والحقيقة هذه كلما كانت مواجهتها بلا أي من محسنات اللغة البديعية، وبلا مكابرات، ولا نكران، ولا استعراضات استهلاكية، كانت موجعة، ولكن لا بد من قولها، والهرب منها ليس من الحكمة، بل الهرب هذا شكل من أشكال الهزيمة لأن عدم مواجهة الحقيقة، اشتباك مع الوهم، والوهم هاوية قاعها العدم.
ساحة الحراك، بل النضال السياسي الوطني اليوم، هي أفضل ساحة لمجابهة العدوان الحربي الإسرائيلي، ليس بوسع قذائف الهاون، ولا رصاص الكمائن، هزيمة هذا العدوان، المتخم بأحدث اسلحة القتل والتدمير/ ثمة شجاعة في هذا الفعل، هذا صحيح، لكن الشجاعة وحدها، دون حكمة، وتوحد، وتعقل، وتمسك بالثوابت المبدئية الوطنية، لا تغير مجرى التاريخ، ولا تسير عجلاته نحو حتميته.
في ساحة هذا الحراك السياسي الوطني الحثيث، ومع قوة بلاغة دم الضحايا الشهداء، وقد باتت هذه البلاغة هتافا يملأ شوارع العالم أجمع، أصبحت فلسطين اليوم تدق أبواب الحرية والاستقلال بمنتهى القوة، وقد تزنرت يوم أمس الأول بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتصويت غالبية أعضائها على القرار الذي أكد أحقية فلسطين بالحصول على العضوية الكاملة لدولتها في الأمم المتحدة.
ونعود للحقيقة المادية الماثلة للعيان، إسرائيل اليمين العنصري المتطرف أعادت بعدوانها الحربي، احتلالها لقطاع غزة المكلوم، ودباباتها في معبر رفح، هي دبابات هذا الاحتلال البليغ في غاياته التدميرية لمشروع التحرر الوطني الفلسطيني ..!!
وبلغة الصراحة سنقول إن أوسلو كانت قد حررت قطاع غزة، وأقامت فيه ميناء ومطارا ورسمت له مستقبلا كان زاهرا في كل تفاصيله، بوصفه المحافظات الجنوبية، لدولة فلسطين بعاصمتها القدس الشرقية، وإذا كنا سنقول إن الانقسام البغيض قد دمر ذلك مؤقتا، فإن "طوفان الأقصى" قد أجهز على المؤقت، لصالح أن يكون على الدوام ..!! أليست هذه هي الحقيقة الماثلة الأن للعيان ..؟؟
نعرف أن هذه الحقيقة الموجعة لن تكون قدرا لا فكاك منه، وبقدر ما نواجهها موحدين، بقدر ما يكون بوسعنا دحرها لصالح حقيقة الحرية والاستقلال، التي لا بد أن تسود راية فوق أسوار القدس، ومآذنها، وأبراج كنائسها.
وعلى الهاربين من الحقيقة الموجعة، أن يكفوا عن هذا الهروب العدمي، الذي لا يقود لغير تلك الهاوية، وثمة حكمة أوردها كاتب صحفي سعودي في مقالة له، في صحيفة "الشرق الأوسط" نصها يقول: إن كنت في حفرة فلا تواصل الحفر، وهذا هو عين الصواب والتعقل، لا الحكمة فحسب.
يبقى أن نقول إن مجابهة الحقيقة الموجعة، لا تعني الاستسلام والهزيمة، بل على العكس تماما، إنها مجابهة التصدي والمقاومة، المحمولة على روح الإصرار على المضي في دروب الحرية حتى الوصول إلى منتهاها، حيث فلسطين دولة حرة مستقلة.
رئيس التحرير