تَمكينٌ ليبراليّ أَم خيانة فقهية
لم يَعد ثَمّة شكٌّ، أنّ حركة حماس لا تتحدّث في غرف التفاوض عن تسوية شاملة، توقف العدوان الحربي الإسرائيلي على قطاع غزة، والضفة الفلسطينية المحتلة، بدلالة ترحيبها المكرَّر بخطّة الرئيس الأميركي جو بادين، التي لم تطرح أيَّ تصوّر، وأيّ مقترح بصدد التّسوية الشاملة!
التّرحيب الحمساوي بهذه الخطة الملتبسة، التي حتى لا تبدو أنها قابلة للتنفيذ تماما، لا يؤكد سوى حقيقة واحدة، أن حماس استراتيجيًّا لا تزال تراهن على مشروع الإمارة، حكمًا وهيمنة إخونجية، بدلًا عن مشروع الدولة الفلسطينة المستقلة، من رفح حتّى جنين، بعاصمتها القدس الشّرقية، وهذا ما يؤكد أن أمر حماس ما زال يتعلق بالهُويّة، التي لا تريدها وطنية، وإنما عقائدية، بل وطائفية على هذا النّحو أو ذاك!
تبحث حماس في هذا الإطار عن تمكين ليبرالي (...!!) لهويتها العقائدية، وترى ذلك ممكنًا الآن، بالتّوافق مع الطّروحات الأميركية، والإسرائيلية لاحقًا دون شَكٍّ، كلّما تماهت هذه الطروحات، مع غايتها الأساسية، العودة إلى الحكم في قطاع غزة، وبحال لا تسمح للسلطة الوطنية بأي حضور في القطاع، حتى على معبر رفح، كما أعلن ذلك غازي حمد على نحو ملغم (..!!) عندما دار حديث مصري عن ضرورة عودة السلطة الوطنية، بالتوافق مع القاهرة، لإدارة هذا المعبر.
التمكين الليبرالي للهوية العقائدية، انتهازية فارطة، إن لم يكن خيانة فقهية، لكن هذا في حساب الجماعات الإسلاموية عموما، ولغاية الحكم والتمكين، وبنهجها الباطني، سياسة مشروعة، دون أن تنتبه أنها سياسة التأسيسات المستحيلة، بقدر ما فيها من أوهام فارهة...!! ما من تأسيسات منطقية، ولا تاريخية ممكنة على الإطلاق، مع الهويات الضيقة الحزبية، والعقائدية، ولن يكون بوسع أي مشروع أن ينزع عن فلسطين هويتها الوطنية، بمشروعها التحرري.
ها هي إسرائيل، وبعد أن أدخلت الصهيونية الدينية، بهويتها العقائدية المتطرفة إلى مجلس وزراء حكومتها، هي النموذج الواضح، عن عبث التأسيس العقائدي للدولة، بدليل أنها اليوم، بحكم ما أنتج هذا العبث من فاشية متطرفة، باتت في قاعة محكمتي الجنايات والعدل الدوليتين، وقد أصبحت أكثر عزلة، فيما فلسطين، وبهويتها الوطنية المتنورة بوسطيتها العقائدية، أكثر حضورا وعلاقات، وباعترافات دولية بالغة وبليغة.
مرة أخرى ما من خيارات للنجاة الحيوية أمام حركة "حماس" سوى التخلص من أوهام الإمارة، والتمكين الليبرلي لهويتها العقائدية، فلن تقودها هذه الأوهام، وهذا التمكين لأي تأسيس ولا من أي نوع كان.
رئيس التحرير