انقلابيون لا أكثر ولا أقل..
لفتت انتباهنا لافتة لجماعة "العربي الجديد" باذخي التمويل، الذين يعملون على عقد مؤتمر يسمونه وطنيا، وبزعم إصلاح الواقع الفلسطيني السياسي، بإيجاد مرجعية جديدة لهذا الوضع دون تحديد مسمى لها (...!!) وأن تكون في "إطار منظمة التحرير" هكذا دون أن تشير هذه الجماعة للضرورة السياسية إلى صفة المنظمة بكونها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
اللافتة تقول بما معناه إن أي اعتراض على هذا المسعى، سيكون محاولة شيطنة له..!! لا يكتب هذه اللافتة على هذا النحو سوى من يعرف في قرارة نفسه، أن مسعاه في هذه الطريق، هو مسعى الشيطنة بحد ذاتها، فيحاول مسبقا مصادرة أي اعتراض على مسعاه، وأي نقد له باتهامه بما يحمل مسعاه أساسا، لأنه ومثلما يقول المثل الشعبي وليد تجارب الناس العتيدة في هذه الحياة "إللي على راسو بطحة بحسس عليها" .
لا ترى جماعة "العربي الجديد" في كل هذا المسعى المشبوه، سوى منظمة التحرير الفلسطينية، بقيادتها الشرعية، فيحيلون كل خلل في الساحة الفلسطينية إليها، ويدعون إلى السيطرة على قرارها، تحت شعارات مستوردة، تدعو للإصلاح والتجديد والدمقرطة الوحدوية..!!
لا تقرب هذه الجماعة معضلات الواقع الفلسطيني الحقيقية، التي تتمثل بالانقسام البغيض، وما خلف وما زال يخلف من فلتان أمني وسياسي وقيمي، تقوده حركة حماس وتوابعها وفق ما تقرر جماعة الإخوان المسلمين، وتحالفاتها الانتهازية، فلتان لا يدعو لغير استكمال الانقلاب على الشرعية، والطعن فيها لإيجاد البديل عنها ..!! وفلتان استغله الاحتلال الإسرائيلي ليشعل حربه الفاشية الواسعة ضد فلسطين شمالا وجنوبا، بذريعة هجوم السابع من أكتوبر العام الماضي الذي أنجزته حركة حماس بعيدا عن أي توافق وطني، وبقرار لم يكن وطنيا، ولا بأي شكل من الأشكال..!!
الإصلاح، والتجديد، والوحدة، ضرورة وطنية، ولا شك في ذلك، لكن لا بد من تشخيص الواقع على نحو صحيح، ودون غايات سياسية وحزبية مسبقة، ومنظمة التحرير الفلسطينية ليست فصيلا بقدر ما هي الوطن المعنوي، والكيان السياسي للشعب الفلسطيني، وتمثيلها له لا يستند لفصائله، وأحزابه فحسب، بل ولكل قواه الاجتماعية، والمدنية، والاقتصادية، وبشرعية تحققت عبر معارك صعبة، وتضحيات عظيمة، وبحكم ما أنجزت وما حققت من حضور سياسي وحقوقي ومعرفي لفلسطين وقضيتها، في مختلف الساحات العربية والدولية، التي أقرت واعترفت بها ممثلا شرعيا، ووحيدا، للشعب الفلسطيني، وباتت مكاتبها في عواصم هذه الساحات سفارات لدولة فلسطين، وبهذا المعنى، وهذه الحال فإن أي محاولة للتشكيك بهذا التمثيل الشرعي المحمول على كل هذا المنجز النضالي والمادي الواقعي، لن تحتسب كمحاولة للإصلاح والتجديد، ولن تكون سبيلا للوحدة الوطنية، وهي تدعو لمرجعية سياسية جديدة، تتحكم بها القوى الحزبية والسياسية ذات التمويلات الإقليمية، وهذا ما يجعل الداعين إليها انقلابيين من نوع جديد لا أكثر ولا أقل، ولا مستقبل لأي انقلاب في الساحة الفلسطينية، حتى لو حقق انقساما كما فعل انقلاب حماس، وقد بات اليوم يتوغل في مأزقه، الذي سيطبق على أنفاسه حتى يلفظ آخرها، أدرك ذلك أصحابه أم لم يدركوه ..!!
رئيس التحرير