النّكران المدمر
لم يبق في القوس منزع، مقولة عربية قديمة، تعني ما عاد الصبر ممكنا، ومنذ السابع من أكتوبر العام الماضي ونحن في أعلى درجات الصبر الموجع، لا نريد قولا صريحا، تجاه هذا العمل الذي أطلقوا عليه اسم "طوفان الأقصى" لم نعد قادرين على مواصلة هذا الصبر، لا بد أن نقول ما ينبغي أن يقال، فما عاد ثمة مشهد لقطاع غزة غير مشهد الدم، والركام، والنزوح، والجوع، والعطش ..!!!
ليس هذا فحسب، بل إن مشهد فلسطين بأسرها من شمالها حتى جنوبها، لم يعد غير مشهد الحرب ذاتها، بمختلف صورها المهولة، لم يعد الاحتلال الاسرائيلي غير حرب مشتعلة ضد فلسطين، شعبا، وأرضا، وقضية، فقد فتح "طوفان الأقصى" مع الأسف الشديد، وعلى نحو لم يعد قابلا للشك أو التبرير، فتح لهذا الاحتلال دروب العنف، والقتل جميعها، نيران حربه طالت وما زالت تطول الناس والبيوت، والحقول، ووصلت إلى سجونه لتفتك بالأسرى على نحو لم يسبق له مثيل، تعذيب، واغتصاب، وإعدامات بالرصاص للأسرى وهم خلف القضبان، عزل، ولا حول ولا قوة لهم ..!!
لا يصح اليوم التعامي عن هذا الواقع، بالقول إن هذه هي طبيعة الاحتلال، وهذه هي سياساته ومخططاته، هذه وحشيته وفاشيته، كل هذا أمر معروف عن الاحتلال الاسرائيلي، ومعروف أنه لن يكون بعنصريته ومخططاته وروايته المفبركة، مغايرا لطبيعته، لن يكون احتلالا حاملا لباقات الورد بدل البنادق والقاذفات، لن نتوهم شيئا من هذا القبيل، الاحتلال، هو الاحتلال، عدوان حربي متواصل على الارض واصحابها، لكنها الذريعة التي أفرد "طوفان الأقصى" لها المقام في خطاب الاحتلال، وسياساته، وجهز من خلالها طائراته الحربية باحدث صواريخ القتل والتدمير. بالطبع وبالتأكيد لن تكون هذه الذريعة شهادة براءة للاحتلال الإسرائيلي، ولطالما يتذرع القتلة بشتى الذرائع، الذريعة لا تقتل، الرصاص هو من يفعل ذلك، الذريعة لا تمنح البراءة، القانون يحاسب على الفعل، ومرتكبه، خاصة حين الضحية لا دخل لها بتصنيع الذريعة، ولا هي من شارك في ترجمة حضورها، لا على الارض، ولا في الخطاب ..!!
الأهم في كل هذا السياق وما يجعلنا نبوح بكل هذا الكلام، بقلوب مكلومة، أن الخسارات الفادحة، هي اليوم خساراتنا، أربعون ألفا ويزيد من الشهداء. تسعون ألفا ويزيد من الجرحى، ونزوح أهلنا في القطاع لا يتوقف وحتى الخيام لم تعد ملاذات آمنة، وما من سلة غذائية تؤمن لقمة العيش الهنية ..!!
كل هذا الواقع المعتم، ولا نرى من أصحاب الطوفان خطوة واحدة لوقف هذا النزيف بالسير في الطريق الصحيحة، طريق الوحدة الوطنية، التي بوسعها أن تلزم العالم بأسره تدخلا أوسع وأكثر فاعلية وجدية لوقف هذه الحرب الوحشية، حين نكون على قلب رجل واحد، وبكلمة واحدة، بسلطة واحدة، وقانون واحد، سيكون العالم حينها غير قادر على اللعب على خلافاتنا وتناقضاتنا الثانوية، ملزمون نحن أن يرانا العالم وحدة واحدة، ملزمون بالوحدة كي نرص الصفوف في خندق واحد، للتصدي لهذه الحرب الفاشية، لنا في تجربة المفاوضات التي خاضها وفد فلسطين الموحد، وأوقف بسبب هذه الوحدة، الحرب الإسرائيلية التي شنها الاحتلال على قطاع غزة عام 2014 لنا في هذه التجربة خير دليل على فاعلية الوحدة، وقدرتها على تحقيق الإنجازات الوطنية المطلوبة، وفي هذا الاطار كان الترحيب الأجدى بقرار الرئيس أبو مازن التوجه إلى قطاع غزة، أن يكون من حركة حماس، لا سيما أن اهلنا في القطاع قابلوا القرار بالترحيب الشديد ورأوا فيه أصدق وأجدى موقف يمكن أن يوقف حرب الإبادة الإسرائيلية، لكن حماس ما زالت كأنها لم تسمع شيئا من خطاب الرئيس، ما يكرس خطواتها في الطريق الخطأ، وهذه طريق مهالك دون أدنى شك.
يبقى أن نقول حين كان الرئيس أبو مازن يصف صواريخ "حماس" بأنها عبثية، فلأنه كان يرى أي كارثة ستحل بنا إذا ما تواصلت هذه الصواريخ، وخطابها، لأن العبث لا يحل قضية، ولا يعالج واقعا، ولا يحقق نصرا، وعلى رأي الجملة التي استشهد بها الكاتب والمفكر الفلسطيني الغزاوي خضر محجز والتي تقول: "الحكيم هو من يرى الفتنة قبل وقوعها (كان هذا وما زال هو حال الرئيس أبو مازن)، أما بعد وقوعها يراها الحمقى كذلك"، وهنا تكمن المصيبة لأن بعض الحمقى ما زالوا عميان البصر والبصيرة، فما زالوا لا يرون منها شيئا في مكابرة ونكران مدمر..!!!
رئيس التحرير