رئيس المحكمة الحركية" فتح" الاسير المحرر علي مهنا .... مسيرة حافلة بالتحديات والانجازات- ح 1
يستمر مركز ابو جهاد لشؤون الحركة الاسيرة في جامعة القدس بتوثيق تجارب الاسرى ، وخاصة الاسرى الذين واكبوا بداية تبلور الحركة الوطنية الاسيرة في سجون الاحتلال ،وفي الحلقة الاسبوعية المخصصة للمركز ،يسلط الضوء على تجربة حافلة للاسير المحرر المحامي علي مهنا ،والذي سيقوم بنشرها على حلقتين ...
الحلقة الاولى:
هو خليط من الألم والمعاناة والقلق الذي ينتاب الفلسطينين اينما كانوا في الوقت الذي يتواصل فيه تعنت اسرائيل وصمت المجتمع الدولي ازاء المخاطر الحقيقية التي تهدد حياة القيادي الاسير خضر عدنان ، الذي يواصل اضرابه الملحمي، مسجلا اليوم سابقة عالمية في ارادة الصمود بعد اربعة وستين يوما من الاضراب عن الطعام دفاعا عن حق اساسي وعن الكرامة الانسانية، ورفضا لما يسمى بالاعتقال الاداري، الذي استندت اسرائيل في انتهاجه الى انظمة وقوانين استعمار بائد ، ودفاعا عن حقوق اسرى الحرية في معاملة لائقة.
انه نفس المجتمع الدولي بكل اطره وهيائته ومنظماته الحقوقية التي طالما رفعت لواء حقوق الانسان والقانون الدولي الذي يناضل الاف الاسرى الفلسطينيون ، بل الشعب الفلسطيني باسره من اجل تطبيقه فيما ترفض اسرائيل .
ويصمت كل اولئك الذين اجادوا لغة النفاق والرياء والازداواجية المقيتة في التعامل مع حقوق الشعوب ومصائرها خاصة في العواصم الغربية التي اشبعتنا حديث عن حقوق الانسان وعن العدالة والحرية ، في الوقت الذي يحرم فيه الشعب الفلسطيني العدالة والحرية وابسط حقوق الانسان .فاين هي لجان حقوق الانسان واين هو الصليب الاحمر الدولي واتفاقيات جنيف والقانون الدولي الانساني بكل ما يلحق بالشعب الفلسطيني واسراه من قهر وظلم واجحاف متواصل على مدى عقود طويلة ؟!
واين هي القيم التي يتشارك الغرب واسرائيل فيها والتي طالما رددوها على مسامعنا لنكتشف منذ وقت طويل انها ليس سوى مصالح انانية متبادلة على حساب الشعب الفلسطيني والامة العربية وتكريسا للاحتلال بكل تجلياته القديمة والحديثة .
الاسير المحرر علي مهنا .... مسيرة حافلة بالتحديات والانجازات:
علي جميل مصطفى مهنا من مواليد 26/3/1954م ، حاصل على شهادة الماجستير في القانون من جامعة القدس وقد تم اعتقاله لاول مرة بتاريخ 21/10/1977م ،وقد افرج عنه بتاريخ 20/5/1985م ،اما اعتقاله الثاني فكان بتاريخ 26/8/1991م ،وافرج عنه بتاريخ 25/8/1992م ، وهو الان رئيس المحكمة الحركية الفتحاوية وعضو المجلس الثوري لحركة فتح ،عضو مجلس استشاري لهيئة مكافحة الفساد ،عضو مجلس ادارة مؤسسة الشهيد ياسر عرفات ، محامي ورئيس نقابة المحامين الفلسطينيين سابقا ، وهو يروي لنا مسيرته الحافلة وتجربته الاعتقالية.
البداية
في العام 1973م، وبعد نجاحي في الحصول على شهادة الدراسة الثانوية العامة ، توجهت الى العاصمة اللبنانية بيروت لمتابعة مشواري الدراسي ، وهناك أجريت أول إتصال لي مع قيادة القطاع الغربي في الثورة الفلسطينية ، بمساعدة الصديق ( مأمون مريش ) وتعرفت لأول مرة على الأخ مصطفى عيسى ابو فراس شفاه الله،والذي أصبح فيما بعد محافظا لمدينة رام الله والبيرة، وكان حينذاك رئيسا لمكتب القطاع الغربي في بيروت ،وتعرفت على الأخ ( محمد الكاشف ابو حسن ) أيضا،وبعد حصولي على التعليمات اللازمة من الأخوة في قيادة القطاع الغربي ،عدت الى الضفة الغربية وهناك قمت بتنظيم مجموعة من الأخوة وهم عبد المحسن رضوان وياسر هدى صباح و رضوان هدى صباح ، واستعدت هذه المجموعة للقيام بواجبها الوطني .
في العام التالي لإلتحاقي بحركة فتح تلقيت مجموعة من الدورات التدريبية العسكرية وكانت أولاها في مخيم عين الحلوة في جنوب لبنان والثانية في معسكر دوما بالقرب من دمشق ، وهي دورات مكرسة لتدريبنا على صناعة العبوات الناسفة واستعمال الأسلحة الخفيفة وإلقاء القنابل .
وقد نفذت مجموعتنا العديد من الأعمال الفدائية الهامة، منها تفجير عبوة ناسفة في مكتب الهويات الإسرائيلي في رام الله وكان في منطقة عين المصباح، وعبوة أخرى في بنك لؤمي وتفجير عبوة ثالثة في مكتب السياحة الإسرائيلي وكان قريبا من دوار الساعة وسط رام الله، وحرق مصنع عربي إسرائيلي مشترك للجلود في العام 1976م، وفي هذا العام تعرفت الى الأخ أحمد ابو غوش، وقد حاول أبو غوش إستمالتي الى عضوية مجموعة كان يقودها، وتعمل في منطقة وسط الضفة الغربية في ذاك الوقت، بدون أن يعلم بأنني ملتحق بالعمل الفدائي، وعندما علم ابو غوش بحقيقة أمري التنظيمي نشأ بيننا حالة قوية من التعاون والتنسيق، بعد فترة وجيزة تم إعتقال أحمد أبو غوش لدى مخابرات رام الله وأفرج عنه بعد ثمانية عشر يوماً، لكنه منع من السفر،وقبل سفري الى بيروت طلب مني أن أنقل له رسالة موجهة للأخ ( مرعي عبد الرحمن – أبو فارس ) وهو من قادة القطاع الغربي، وبالفعل نقلت تلك الرسالة الى حيث طلب مني، وقبل عودتي الى الأرض المحتلة أعدت لي حقيبة سفر تم رصف جوانبها بالأوراق والرسائل التنظيمية والدراسات الثورية، التي كانت دوائر التثقيف السياسي في فتح تعدها وتعممها على الكوادر، وأذكر أنني كنت أحمل دراسة قيمة عن تجربة الثورة الفيتنامية، وأثناء عملية التفتيش اليدوي من قبل الإسرائيليين على الجسر تم إكتشاف أمر الحقيبة، مما أدى الى إعتقالي وإنكشاف المجموعة التي كانت تخصها الرسائل،وهم على مهنا و أحمد أبو غوش و ياسر هدى و رضوان حسني رضوان وعبد المحسن رضوان .
فترة التحقيق:
بدأ التحقيق معي منذ اللحظة الأولى لإعتقالي في يوم 21/10/1977م، في مركز مخابرات رام الله وتناوب على التحقيق معي ومع مجموعتي غير محقق، أذكر منهم المحقق جوني ومحقق أخر يدعى أبو غزالة وأخر وأبو يوسف وأخير يدعى أبو جميل، وقد تميز التحقيق معنا بالضرب المبرح والتعذيب الشديد، وقد بدأ فصل الشتاء ونحن في زنازين المخابرات، وأستمر التحقيق معنا طيلة 36 يوماً ، وكان لهذا التحقيق نتيجةً هامةً جداً، وهي أن المجموعة التي نظمها أحمد أبو غوش لم تمس إطلاقاً وبقيت تمارس نشاطها، أما نحن فقد قدمنا لمحكمة الإحتلال العسكرية في يوم 3/آذار/1978م، وكانت الأحكام التي صدرت بحقنا كالأتي :-
علي مهنا ثمانية عشر عاماً .
رضوان أربعة عشر عاماً.
ياسر أحد عشر عاماً.
أحمد ثلاثة أعوام .
عبد المحسن تسعة أعوام .
الدخول الى السجن
في سجن رام الله، أمضيت كامل فترة التوقيف التي سبقت إصدار الحكم على،وفي هذا السجن التقيت بالعدد من المناضلين والوطنيين الفلسطينيين أذكر منهم المناضل عبد الكريم صعايدة وحسن عارف الخطيب وعبد المنعم الرفاعي ، وفي هذا السجن سجلت أول مساهماتي في العمل التنظيمي داخل الأسر،حيث تم إعادة ترتيب وهيكلة الحالة التنظيمية وترتيب الأحوال الإعتقالية للأسرى وتوليت مهمة الموجه العام لحركة فتح في سجن رام الله ،وكان سجن رام الله يتكون من خمس غرف للأسرى الأمنيين والإداريين ومن بين الأسرى الإداريين أذكر الرفيق عبد الله البياع ( أبو إياس ) وتيسير العاروري ،وكان غالبية الاسرى في سجن رام الله من أصحاب الأحكام القصيرة والمتوسطة، أما الأحكام العالية فكان يتم نقلها الى سجون أخرى ، أي من خمس سنوات الى عشرة ينقلون الى سجن نابلس المركزي، وعشر سنوات فما فوق ينقلون الى سجن بئر السبع،وأذكر هنا بأنه تم منعي من دخول غرف سجن رام الله بعد إصدار الحكم علي وتم عزلي في زنازين السجن الإنفرادية تمهيداً لنقلي الى سجن بئر السبع، وكان مدير السجن يدعى ( نوري ) وكان يحتفظ بعلاقة سيئة جداً مع الأسرى، ولقد تم عزلي إنفرادياً في زنازين العزل الإنفرادي غير مرة بقرار من هذا المدير لإعتقاده بأنني أقوم بأنشطة مخالفة لأنظمة السجن .
النقل الى سجن بئر السبع:
في يوم 23/3/1978م، تم نقلي مع مجموعة أخرى من الاسرى الى سجن كفار يونا، وهناك أمضيت ثلاثة أيام، وفي صباح يوم 28/3/1978م ، نقلت الى سجن بئر السبع، وتم إدخالي الى قسم 7 وهو قسم معروف باسم ( قسم الإكسات )، وهي غرف صغيرة تتسع لشخصين فقط ، وكان عديد الأسرى المتواجدين في هذا القسم يبلغ 60 أسيراً .
وفي هذه الأثناء كان سجن بئر السبع قد دخل غمار مرحلة نضالية صعبة ضد إدارته الإسرائيلية، وهي المرحلة التي عرفت لاحقا بـ ( إضراب الحريق ) ومع يوم وصولي كان السجن قد أتم اليوم الثامن عشر من عديد أيام المواجهة، التي أمتنع خلالها الأسرى عن زيارة ذويهم وإرسال الرسائل لهم أيضا، وأستمر هذا الإضراب ستة شهور وكان إضراباً فاشلاً بإمتياز لأنه لم يحقق أي شيئاً يذكر من مطالب الأسرى، وقد وجه اللوم لاحقا لقيادة الأضراب التي لم تحسن التصرف في إدارته، ولفشل هذا الإضراب كان إنعكاسات في منتهى السلبية على الداخل الإعتقالي إذ تسبب بشيوع وإنتشار العديد من المظاهر الهدامة المنافية لنظم وعادات الحركة الوطنية الأسيرة،والتي أعتاد الأسرى على التقيد والالتزام بها منذ فجر نشأة الحركة الوطنية الأسيرة، وهي نظم وقيم سقيت غراسها بالدم والمعانيات حتى أستوت على سوقها،واشتد عودها، وأصبحت قيمة الوحدة الداخلية للتنظيم والانضباط والالتزام لقراراته وذوبان الفرد في الكل ألاعتقالي، خطوط حمراء لا يجوز تجاوزها أو إغفالها، ولكن ومن قوة سوء ذاك الإضراب فأنه تمكن من التأسيس لإنتشار مظاهرة مناقضة لتلك القيم كالشللية والعلاقات القائمة على الإنتماء الجهوي والجغرافي وغياب الإنضباط وبروز النعرات الفردية والأنانية الهدامة، وإنتشرت على نحو واسع النطاق ظاهرة المشاجرات الفردية التي سرعات ما تتسع بين الأسرى بعوامل التغذية المذكورة، وكان كل ذلك كفيل ببروز العديد من المشكلات النفسية والصحية الجديدة بين الأسرى .
الدعوة الى إعادة بناء التنظيم على قاعدة الإنتخابات:
بسبب كل ما تم ذكره تزايدت الأصوات المطالبة بضرورة التغيير والبدء بترميم الوضع الداخلي وإعادة بناءة ما تهدم، وكان من المؤكد حينها بأن حركة فتح لو نجحت في إعادة بناء حالتها الداخلية فأن ذلك سيكون له إنعكاس على الوضع الكلي للمعتقل ، وبالفعل فقد تم ترتيب ما يلزم من إجراءات للمباشرة في إجراء الإنتخابات الداخلية لحركة فتح ، حيث تمت دعوة القاعدة التنظيمية لإنتخاب مؤتمر حركي مكون من 40 مناضلاً ، وسيقوم هؤلاء بدورهم بإنتخاب 15 آخرون لينتحبوا بدورهم أيضا سبعة جدد سيعرفون فيما بعد بأعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح، ومن بين السبعة الأوائل سيتم إنتخاب الموجه العام لتنظيم فتح في سجن بئر السبع، وقد أفضت هذه الإنتخابات الى إختيار ( غازي حسني ) من بلدة صفا قضاء را م الله ، ليكون موجهاً عاماً ، و علي مهنا وسامح كنعان وعماد يعيش و صقر الياس وخضر قنداح ليكونوا أعضاء في اللجنة المركزية .
وبوشر على الفور بتصويب الأوضاع الداخلية للحركة وتم التوافق على مجموعة عقوبات تنظيمية صارمة بحق المخالفين للقوانين والأنظمة ،وتم بالفعل إخضاع العديد من الأسرى لعقوبات جسدية قاسية بسبب تجاوزات مسلكية قاموا بها في تلك الفترة ، وأود أن أشير هنا الى أمر في منتهى الأهمية ساهم في تعزيز وإثراء تجربة سجن بئر السبع التنظيمية، وهو إنتقال مجموعة من الأسرى القدامى من سجن عسقلان الى سجن بئر السبع اذكر منهم الأخوة عبد الله إسكافي وموسى ابو هدبه و حسين ابو حاشية و وليد حطيني و رمضان البطة وموسى الشيخ، وكانت هذه المجموعة أول مجموعة تخرج من سجن عسقلان الى غيره من السجون بعد فترة إغلاق للسجن نافت عن العشرة أعوام ، وقد ساهم هؤلاء الأخوة في نقل تجربة عسقلان بشكل تدريجي الى سجن بئر السبع، وهي تجربة غنية ساهم في تأسيسها وإثرائها في عسقلان أسرى وقادة كبار مثل أبوعلي شاهين ومهدي بسيسو وغيرهم، وهي في المحصلة تجربة صلبة وقوية عمدت بالدم والتضحيات، ومن الأمور الهامة التي يجب ذكرها كواحدة من المساهمات التي أثرت تجربة بئر السبع من عسقلان، هي ، حالة العلاقات الوطنية بين الفصائل،حيث كانت العلاقات الفصائلية في سجن بئر السبع متردية ومتوترة على الدوام ، بينما كانت على العكس من ذلك في سجن عسقلان حيث كانت تتسم بالوعي والنضوج والمسؤولية .
إضراب سجن بئر السبع 1980م:
بعد دخول أسرى سجن نفحة لإضرابهم الشهير في يوم 14/تموز/1980م، التحق بهم أسرى سجن بئر السبع كغيره من السجون ،بعد مرور عشرة أيام على بدء إضراب سجن نفحة أي في 24 من نفس الشهر، وطرحت اللجنة الإعتقالية لسجن بئر السبع مجموعة مطالب خاصة بأحوالهم، ومن بين تلك المطالب أذكر أننا طالبنا بزيادة الوقت المحدد للزيارات، والسماح بإدخال الكتب، وزيادة وقت الفورة، وتحسين نوعية وكمية الأكل، والسماح بإدخال الملابس الداخلية وغيرها من الأهل، السماح بإقتناء جهازي تلفزيون وراديو، وتركيب أسرة للنوم داخل الزنازين والغرف .
وتولى الحوار مع إدارة المعتقل على هذه المطالب لجنة إعتقالية مكونة من ممثل المعتقل الرفيق نضال قبلاني ، والأخ فاضل يونس، وغيرهم ،وخلال هذا الإضراب حدث العديد من المواقف المشرفة التي سطرها بعض الاسرى، كإصرار بعضهم وخاصة من الأسرى المرضى على المشاركة في الإضراب على الرغم من صدور قرارات وطنية من الهيئة القيادية للإضراب بإعفائهم من المشاركة فيه، إلا أن رجلاً كأبو صالح زكارنه رحمه الله ، لم يتمكن أي أحد من ثنية عن تنفيذ قراره بالمشاركة بالإضراب وقد تعرض للإغماء في غير مرة خلال أيام الإضراب، ورفض أيضا الخروج الى عيادة المعتقل لإجراء الفحص اللازم له من قبل ممرضي إدارة السجن.
ومقابل هذه الصورة المشرقة أتذكر صورة أخرى في منتهى الخزي وهي أن مجموعة أخرى من الأسرى أطلقوا على أنفسهم التيار الديني،ورفضوا المشاركة في الإضراب، على قاعدة أنه رمي للنفس في لظى التهلكة، وهذه واحدة من الكبار التي لا يجوز إقترافها بأي حال من الأحوال، وفقا لفتواهم الإنهزامية التي أجازوا لأنفسهم وفقها عدم المشاركة في الإضراب، واستمروا في تناول الطعام طيلة الأربعة عشر يوماً، التي اضرب خلالها كافة أسرى سجن بئر السبع عن الطعام .
وفي اليوم الرابع عشر للإضراب قامت إدارة السجن بإستدعاء ممثل المعتقل ومعه اللجنة الإعتقالية الوطنية وفاوضتهم على مطالبهم، وفي نهاية ذاك الحوار وافقت إدارة السجن ومعها مديرية السجون العامة على غالبية مطالب الأسرى التي قدموها للإدارة في بداية الإضراب ومن الأمور التي تمت الموافقة عليها :-
1-الموافقة على تركيب سرير حديدي داخل الغرف .
2-الموافقة على زيارة الأهل مرتين في الشهر ولمدة ساعة كاملة.
3-الموافقة على زيادة وقت الفورة لتصبح ساعة ونصف .
4-السماح بإدخال الكتب من خلال الأهل والصليب الأحمر في آن واحد .
5-السماح بإدخال الملابس الداخلية أثناء زيارة الأهل.
وفي مساء نفس اليوم تم الإعلان عن فك الإضراب عن الطعام ،بينما ما زال إضراب سجن نفحة الأسطوري مستمراً ودخل في هذا اليوم 8/آب/1980م، يومه الرابع والعشرون، لقد كان لهذا الإضراب إنعكاسات في منتهى الايجابية على صعيد الداخل الإعتقالي، فقد ساهم في رفع معنويات الأسرى وزيادة ثقتهم بأنفسهم واعتدادهم بإمكانياتهم البسيطة التي تفوقت على آلة القمع الإسرائيلية، و وفر هذا الوضع بيئة مناسبة لتقوية وتصليب الوضع التنظيمي الداخلي وتطوير العلاقات الوطنية وتصليبها بما يليق مع الرسالة التي يحملها كافة الاسرى، وعاش الاسرى في سجن بئر السبع بهذه المستوى حتى مشارف العام 1982م .
في النصف الأول من العام 1982م، حدث أمرا هاماً في سجن بئر السبع، تسبب في قمع إدارة السجن للأسرى وزعزعة إستقرارهم ، وهو أن حركة فتح قررت إخضاع المدعو ( عبد الله ) من قرية عناتا للتحقيق الأمني وذلك بعد توفر مجموعة من الأدلة والقرائن التي تتيح للهيئات المختصة في المعتقل إخضاعه للتحقيق، ومن بين تلك القرائن، قيام إدارة السجن بإستدعاء المذكور الى مستشفى سجن الرملة بدون أي مبرر صحي واضح للأسرى، وبعد إخضاعه للتحقيق وإعترافه بالإرتباط مع إدارة السجن وإستغلال خروجه لمستشفى سجن الرملة لتقديم التقارير عن الاسرى، وبعد إنتهاء التحقيق طلب منه الأسرى أن لا يخرج هذه المرة الى الإدارة اذا ما جاؤا لإستدعائه للخروج الى المستشفى وبالفعل فلم يمضي وقت طويل على تلقيه هذا الأمر من قيادة الاسرى حتى حضر احد ضباط الإدارة وطلب من المذكور الإمتثال لأمر الخروج الى المستشفى، إلا أنه هذه المرة رفض أمرهم، فقررت الإدارة إخراجه بالقوة من غرفته، وخلال إقتحامها للغرفة التي يتواجد فيها وقع صدام قوي بين رجال الإدارة والأسرى ، وامتد هذا الصدام ليشمل كافة أقسام السجن، مما أدي الى رش الأسرى بمادة الغاز المسحوق والمسيل للدموع ، وقام الاسرى بدورهم بضرب رجال الإدارة بقطع الصابون والماء الساخن، على أثر ذلك وصلت الى السجن وحدة القمع الخاصة بالسجون في وزارة الداخلية الإسرائيلية، وبوشر بنقل كافة الاسرى من السجن المتواجدين فيه الى سجن مجاور كان يعرف بأسم ، أقسام المساجين الجنائيين اليهود، وتم إحتجاز عشرات الأسرى في زنازين العزل الإنفرادية لفترة من الزمن، أما السجن الجديد فهو عبارة عن أربعة أقسام، الأول منها عبارة عن إكسات أي غرفة صغيرة تتسع لأسيرين فقط ، والقسم الثاني عبارة عن غرف متوسطة الحجم تتسع لعشرة أسرى، أما القسم الثالث فهو مختلط فيوجد به غرف وإكسات،والرابع فهو عبارة عن طابقين من الغرف ،وقد حاولت إدارة السجن إستغلال ما حدث لتقوم بسحب العديد من الإمتيازات التي أكتسبها الأسرى قبل عامين على خلفية الإضراب، إلا ان هذه المساعي جوبهت بالتصدي من قبل الأسرى .
خلال هذه المرحلة تولى مهمة التوجيه العام لحركة فتح في السجن الأخ عزمي الأطرش، وكان معه في عضوية اللجنة المركزية، الأخوة نايف الجياوي و عبد الله السكافي ومسلم الدودة الذي كان ممثلاً للمعتقل أيضا .
وبسبب الظروف التي نتجت عن عملية القمع للأسرى، بدأ جزء منهم يفكرون بالتحضير لخوض غمار مرحلة نضالية جديدة ضد إدارة السجن، إلا أن أراء كثيرة ومن بينها أراء فصائل م.ت.ف رفضوا هذه الفكرة لأسباب عديدة ومختلفة منها:-
1-إعتقاد عدد كبير من القادة والكوادر بأن لا حاجة لهذا الإضراب في تلك الظروف التي كانت سائدة في العام 1982م .
2-أما الفصائل الوطنية فكان لها تحفظات شخصية على قيادة تنظيم فتح، ورفض تلك الفصائل خوض الإضراب تحت تلك القيادة، لإعتقادهم بأن قادة فتح في هذه المرحلة هم الذين قادوا مرحلة ما عرف ( بإضراب الحرق ) والذي فشل فشلاً ذريعاً .
بسبب هذه الآراء طويت صفحة النقاش في هذا الأمر الى ان تتوفر ظروف أكثر ملائمة لخوض مثل هذه المعركة ضد إدارة السجن .
التحقيق الأمني الكبير:
العميل ( محمد زيدان ) من سكان قطاع غزة، كان أحد أفراد المجموعة العسكرية التي كلفت من قبل الأخ أبو جهاد في أعقاب التوقيع على إتفاقية كامب ديفيد 1978م ، بالتوجه الى ميناء إيلات الإسرائيلي وتدميره، بعد أن زودت تلك المجموعة بسفينة صغيرة مزودة بعشرين صاروخ جراد، وطن ونصف من المواد المتفجرة ،إلا أن السفينة كشف أمرها وتم قصفها من قبل البحرية الإسرائيلية قبل الوصول الى إيلات، ومن الغريب أن العميل الذي قام بالتبليغ عن السفينة قبل إنطلاقها من قبرص، كان متواجداً على متنها أثناء قصفها من قبل البحرية الإسرائيلية، أي أنه كان معرضاً للموت شأنه شأن باقي الفدائيين الذين استشهدوا،إلا أنه نجا من الموت بعد أن قفز الى البحر مع مجموعة أخرى من الفدائيين تم اعتقالهم لاحقا، واستقر بهم المطاف في سجن بئر السبع.
وفي سجن بئر السبع شاء القدر ان يكشف لغز إنكشاف أمر تلك السفينة، وذلك بسبب مجموعة من الملاحظات الأمنية التي تم تسجليها حول مسلكية ذاك العميل، وأهمها إستدعائه من قبل إدارة السجن للسفر الى مستشفى سجن الرملة بشكل متكرر، وهناك كان يقوم بتسليم ما لديه من معلومات عن الاسرى لضباط إدارة السجن ، لكن خروجه من السجن الى المستشفى تكاثر قبيل بدء الهجوم الإسرائيلي على لبنان في 4/6/1982م وخلاله أيضا،لأنه كان يقدم معلومات عسكرية عن قواعد الفدائيين العسكرية في لبنان، وبعد إعترافه بالخيانة وإرتباطه مع الإسرائيليين قبل خروجه من قطاع غزة للإلتحاق بالثورة ، وأنه هو المسئول عن إنكشاف أمر السفينة، وأنه كان يفشى بما يحصل عليه من معلومات وملاحظات عن أحوال الاسرى لإدارة السجن، فان قيادة الأسرى قرروا إعدام ذاك العميل، ومن المفارقات الهامة الإشارة الى أن الأسير الذي قام بتنفيذ حكم الإعدام فيه هو واحداً من الفدائيين الذين قام بتدريبهم سابقا في جنوب لبنان .
وكان لهذا العمل إنعكاسات في منتهى الأهمية على الوضع الإعتقالي الداخلي إذ أنه ساهم في شد البنية الداخلية للتنظيم والأسرى بوجه عام ، أما ردة فعل إدارة السجن على هذا الحدث فتمثلت باتخاذها قرار بنقل مجموعة كبيرة من الاسرى الى سجن نفحة وعسقلان، وكنت أنا من بين الذين تم نقلهم الى سجن عسقلان .
تجربة عسقلان:
في سجن عسقلان يعيش الاسرى مع طيف الشهداء الأوائل للحركة الوطنية الأسيرة، ومع ذكريات بداية التكوين للشخصية الإعتقالية الجديدة، ففي عسقلان سيكون للتجربة مذاق مختلف وسمات إستثنائية تماماً،وفي منتهى الأهمية، في سجن عسقلان أيضا قابلت العديد من المناضلين الذين لا يمكن نسيانهم أبدا ،ً ولن تتمكن الذاكرة من إسقاطهم من طياتها ،كالأخ عدنان أبو محمدية،وأحمد أبو سناره ،والتقيت بالعديد من الشخصيات الوطنية الهامة والمؤئرة في تاريخ ومستقبل الحركة الاعتقالية ، كالأخ ( رمضان النجار – الهر ) قائد تنظيم فتح في السجن، وقائد تنظيم الجبهة الشعبية الشهير ( غازي ابو جياب ) وأثناء وجودي في سجن عسقلان حدث أمرين هامين لا بد من التوقف عندهما وهما :-
1- عملية التبادل بين فتح وإسرائيل في يوم 23/تشرين ثاني/1983م، والتي أطلقت إسرائيل بموجبها سراح جميع أسرى معتقل أنصار في الجنوب اللبناني وعددهم (4700) أسيراً فلسطينياً ولبنانياً، و(65) أسيراً من السجون الإسرائيلية مقابل إطلاق سراح ستة جنود إسرائيليين من قوات (الناحال) ، وكانوا قد أسروا في منطقة بحمدون في لبنان من قبل حركة فتح) بتاريخ 4/9/1982 وهم ( الياهو افوتفول - داني جلبوع - رافي حزان - روبين كوهين - أبراهام مونتبليسكي - آفي كورنفلد )، بالإضافة الى أرشيف مركز الدراسات الفلسطينية، وقد تسببت هذه العملية بحدوث انهيارات وردات فعل قاسية في صفوف الاسرى بسبب ان كل الأخبار السابقة كانت تؤكد بأنه سيتم تحرير أكثر من 1000 أسير من السجون الإسرائيلية .
2-أما الأمر الثاني والذي حدث أمامي في سجن عسقلان ولن أنساه أبدا وهو مرتبط بمسالة التبادل، عندما قام الرفيق ( غازي ابو جياب ) بإطلاق إشاعة في السجن مفادها " بأن قيادة الجبهة الشعبية في سجن عسقلان تلقت أخبار مؤكدة من الجبهة في الخارج تفيد بأن هناك عملية تبادل جديدة في الطريق وأن ما حصل ما هو إلا مرحلة أولى " وكان لهذه الإشاعة دوراً هاماً جداً في تهدئة نفوس الأسرى الغضاب من ما تم ، وإعادة السكينة الى نفوسهم وهدأت من غضبتهم التي لم يكن يعلم أحد الى أي مستوى قد تصل بالبعض، وأنا أعتبرت هذا التصرف من أبو جياب حكيماً ومسئولاً بسبب النتائج الهامة التي حققها .
يتبع ....