مخلفات الاحتلال.. أرض "مفخخة" وموت مجاني!!
رشا حرزالله
ما زالت أجواء الصدمة والذهول تخيم على عائلة بشارات من قرية عاطوف بمحافظة طوباس التي فقدت "رب العائلة" جراء انفجار قنبلة من مخلفات الاحتلال.
الفجيعة التي ألمت بعائلة بشارات قبل سبع سنوات، طالت عائلات عديدة باغتت أحد أفرادها أو أكثر انفجارات مماثلة لمخلفات متفجرة منتشرة في مساحة من الأرض تقدر بآلاف الدونمات في طوباس، كانت حولتها سلطات الاحتلال إلى ميادين تدريب ورماية لجنودها عبر سلسلة من الأوامر العسكرية.قبل أن تشتعل النار في جسده، عام 2005، قالت عائلة بشارات إن رب العائلة مصطفى الذي شغل رئاسة المجلس القروي لقرية عاطوف، ذهب تلبية لدعوة أهالي القرية للمشاركة في افتتاح جمعية زراعية كانت تشكل بالنسبة له حلما.. لكنه عاد أشلاء ممزقة، ذلك انه لم يعلم وغيره من الضحايا من مزارعين ورعاة أغنام، أن موطئ أقدامهم هي أراض "مفخخة" وان موتهم سيكون مجانيا الى هذا الحد المفزع!!.
"منذ ذلك الوقت نعيش حياة مختلفة انا وابنائي الستة الذين تيتموا فجأة ودونما استئذان" قالت سماهر غالب (33 عاما)، زوجة الراحل مصطفى بشارات. واضافت ان زوجها "المغدور" كان محبوبا وناشطا اجتماعيا، ولم يرق له أن تبقى قريته مهمشة وفريسة سهلة بيد الاحتلال، وبنى مسجدا من الطين، وعمل على انشاء الجمعية الزراعية التي قضى وهو في طريقه لافتتاحها.
وتابعت: " بتاريخ 26-1-2005، هز انفجار كبير القرية، أذكر حينها أنه أخبرني بنيته زيارة معظم المنازل في عاطوف، كنت أعد طعام الغداء قبل أن يهتز المنزل بصوت انفجار في منطقة تسمى بـ"الرأس الأحمر" المحاذية، وتحضر سيارات الإسعاف، بينما عائلته تتساءل ماذا حصل في القرية؟ لأعرف بعدها أن زوجي مصطفى أصبح جثة هامدة ممزقة بفعل لغم أرضي نتيجة مخلفات الاحتلال".
ويعيش سكان عاطوف في حالة خوف ورعب دائمين، نتيجة استمرار التدريبات العسكرية الإسرائيلية، وتقول سماهر إنه وبشكل شبه يومي يقوم جنود الاحتلال بتدريبات عسكرية على أراضي القرية، الأمر الذي يولد هلعا بين الأطفال.
وتصف سماهر الوضع في القرية أثناء عملية التدريب قائلة: "في كثير من الأحيان نلتزم الجلوس على الأرض لساعات طويلة نتيجة تطاير القذائف والرصاص على منازلنا، أصيب ابني الأكبر عدي 12 عاما برصاصة في الرقبة أثناء نومه ولولا قدرة الله لقتلته، ونتيجة لهذه التدريبات تتكون الألغام التي تشكل تهديدا على حياة المواطنين".
وتبلغ مساحة عاطوف نحو 96 ألف دونم حسبما قال رئيس المجلس عبد الله بشارات.
ويشير بشارات إلى ان إسرائيل صادرت ما نسبته 68 ألف دونم من أراضي القرية لإقامة المستوطنات، والتدريبات العسكرية، فيما تبلغ مساحة الأراضي المزروعة بالألغام نحو 15 ألف دونم تتركز جلها في منطقة الرأس الأحمر والتي تعلنها إسرائيل منطقة عسكرية مغلقة، والتي أدى انفجارها إلى سقوط نحو 72 شخصاً ما بين جريح وشهيد منذ عام 1997 ولغاية اليوم.
ويقول بشارات إن العديد من المؤسسات من بينها منظمة "بيتسيلم" الإسرائيلية، والصليب الأحمر الدولي، ومؤسسات أوروبية أخرى حاولت جاهدة العمل على إزالة هذه الألغام، إلا أنها لم تستطع ذلك لأسباب عدة من بينها منع الاحتلال لهذه المحاولات.
المزارع خالد بني عودة (67 عاما)، صادرت إسرائيل جزءا من أرضه التي يعتاش منها 13 فردا، لأغراض التدريب العسكري والجزء الآخر لإقامة مستوطنة "بكاعوت"، وهي اليوم تخبئ داخلها موتا حقيقيا، يتمثل بالألغام التي خلفتها هذه التدريبات.
ويقول بني عودة إن هناك أفرادا لعائلات تسكن عاطوف أصيبت بالألغام اضطرت للهجرة من أراضيها نتيجة الخوف، وفضلت البقاء في بلدة طمون المجاورة.
وفي قرية تياسير شمال شرق محافظة طوباس، حيث تكتظ أراضي القرية بمخلفات الاحتلال، والتي أدت إلى سقوط العديد من الضحايا من بينهم المواطن كمال صبيح البالغ (33 عاما)، الذي بترت يده بالكامل وأصابع قدمه، بالإضافة إلى آثار حروق وجروح في مختلف انحاء جسده نتجة إصابته بلغم من مخلفات الاحتلال عام 94، ليدخل بعدها في حالة من الكآبة تنتهي بتخلف عقلي كامل نتيجة هذه الإصابة كما أكد شقيقة فواز صبيح.
ويشير رئيس مجلس قروي تياسير أكرم دبك، إلى أن هناك العديد من مخلفات الإحتلال، مدفونة في أراضي القرية خاصة ما يعرف بمنطقة الخريبات، وسقط نتيجة انفجار هذه المخلفات نحو 40 شخصا، نصفهم لديهم تشوهات خلقية وحروق نتيجة انفجار قنابل دخانية، بالإضافة إلى بتر الأطراف، حيث لم يكن يبعد معسكر التدريب سوى 100 متر عن مدرسة القرية، وبالرغم من إزالة هذا المعسكر إلا أن الخوف لا يزال يسكن أهالي تياسير نتيجة مخلفاته
وبيّن دبك ان الارتباط الفلسطيني كان يحضر بين الفنية والأخرى للكشف عن هذه الألغام، ولكن منذ فترة لم يعد هناك اهتمام بهذا الموضوع، وربما يعود السبب إلى منع قوات الاحتلال لهذه الطواقم من العمل.
وتتركز حقول الألغام في منطقة الأغوار. وتشير محافظة طوباس إلى أن ما نسبته 9% من أراضي الأغوار البالغة مساحتها 1664 كيلومترا مربعا مزروعة بالألغام، بالإضافة إلى 2.8% مناطق لقواعد عسكرية إسرائيلية كذلك 47% ما يسمى بمناطق عسكرية مغلقة.
ويقول قائد محافظة جنين وطوباس راضي عصيدة إن أكثر حقول الألغام تنتشر في طوباس والأغوار، والمناطق المصنفة “C” الخاضعة للسيطرة العسكرية الإسرائيلية، لذلك فإن فرق هندسة التفجيرات وقوات الأمن، لا تستطيع الدخول لتلك المناطق لتنظيفها، بحجة أنها مناطق عسكرية مغلقة.
ويشير إلى أنه لا يوجد فرق هندسة متخصصة في هذا المجال بالمعنى الحقيقي، ولكن هناك أفرادا من قوات الأمن ممن يمتلكون خبرات نتيجة الدورات التي تلقوها، بالإضافة إلى عدم وجود المعدات والتقنيات الكافية لتفكيك هذه الأجسام.
ولا تقتصر حقول الألغام المنتشرة في معظم مناطق الضفة على مخلفات الاحتلال وحسب، فهناك حقول ألغام منذ الحكم الأردني، كذلك هناك حقول يعود تاريخها إلى الاحتلال البريطاني، أكثرها في بلدات محافظة جنين، وقباطية وعرابة.
ويقول عصيدة إن بعض المناطق في محافظة جنين خاصة بلدة قباطية، تكثر بها حقول الألغام، بأنوعها المختلفة كمضادات الدبابات، وقذائف يصعب الكشف عنها، لأنها بحاجة لمعدات كبيرة، ولكن تم الكشف عن بعضها بفعل العوامل الجوية، وتعرية التربة بواسطة الرياح، التي جعلتها تطفو على السطح وبالتالي كشفها وتفكيكها وتسليمها للجانب الإسرائيلي.
ويشير إلى سقوط العديد من الإصابات نتيجة هذه الأجسام، بالإضافة إلى أضرارها بالثروة الحيوانية، حيث إن هناك ألغاما انفجرت بقطيع غنم وإبل، ما تسبب بخسارة للمواطنين.
وتشكل حقول الألغام خطرا كبيرا على حياة الأطفال، خاصة أولئك الذين يعتبرونها مصدر رزق لهم ولعائلاتهم، ويقومون بالتفتيش في تلك الحقول بحثاً عن الحديد والنحاس، وبيعه في الأسواق بالكيلو، ناهيك عن أن هناك أطفالا يقومون ببيع العبوات والأجسام المنفجرة.
المؤسسات الرسمية والأمنية، وحتى الخاصة، لا تمتلك إحصائية دقيقة لعدد الضحايا الذين سقطوا جراء انفجار هذه الألغام، وعدد الحقول المنتشرة في الضفة، كما لا يوجد لديها أي نظام معلومات أو إحصائيات، ولا ملف يختص بهذا الموضوع!!.
وقال مصدر أمني مطلع أجرى دراسة عام 2010، عن حقول الألغام في الضفة إن المساحة الإجمالية لها تبلغ نحو 20.433.992 مترا مربعا، مشيرا إلى أن عدد الحقول المنتشرة في الضفة 79 حقلا، تبلغ مساحتها 19.431.175 مترا مربعا، منها 3 حقول في المنطقة ”B”، وهي المنطقة الخاضعة تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية والسيطرة المدينة الفلسطينية.
ولفت المصدر إلى أن عدد حقول الألغام المنتشرة في المنطقة “C” وهي المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، يبلغ 6 حقول مساحتها 121.217 مترا مربعا، منوها إلى أن عدد الضحايا الذي سقطوا منذ عام 1999م، ولغاية 2010 بلغ 800 شخص.
وقال باحثون ميدانيون في منظمة "بيتسيليم" الإسرائيلية، إن إسرائيل دفنت مئات آلاف الألغام خاصة في مناطق من الضفة الغربية لنهر الأردن، إلى الشرق من شارع رقم 90. وقد امتنعت إسرائيل حتى الفترة الأخيرة من نزعها بسبب التكاليف العالية لعمليات الإخلاء
وأضاف الباحثون أن معظم هذه المناطق لا تحتوي على إشارات تحذيرية تفيد بوجود حقول ألغام بها.
مؤسسة جذور السلام العالمية، تعمل في الأرض الفلسطينية منذ نحو شهرين، كأول مؤسسة في تعنى بإزالة الألغام، واستصلاح الأراضي وتنمية المجتمع المحلي، قالت ممثلتها فدوى أبو لبن إنه لم يسلط الضوء على هذا الموضوع بالشكل المطلوب سواء إعلاميا او من ناحية الدراسات والأبحاث التي تجرى.
وأكدت أنه هناك محاولات للتنسيق من قبل المؤسسة مع الجانب الإسرائيلي لإزالة هذه الألغام والمؤسسة بانتظار الرد، وسيتم البدء بتنظيف منطقة حوسان بمحافظة بيت لحم المزروعة بعشرات آلاف الألغام والتي تسببت في مقتل وجرح المئات، وذلك إذا ما تم أخذ الموافقة واستكمال جميع الإجراءات اللازمة.
وأجملت أبو لبن المعيقات التي تقف أمام المؤسسة والمتمثلة في عدم توفر المعدات والأجهزة والخبرات الكافية في هذا المجال.