"برقة" تحرس ثلاثين ينبوعاً وتعطش!
عاطف صالح: أعادت غزارة الأمطار ذاكرة البرقاوي محمد دغلس "أبو علاء" 58 عاما إلى الوراء، حين فاضت الينابيع والسيول بين الوديان والأراضي منذ بدء الموسم الى نهايته فرحا بموسم مطري جميل.
وتميزت قرية برقة بمحافظة نابلس عن غيرها من القرى والبلدات الفلسطينية بنعم منها الله تعالى عليها، تمثلت بكثافة الينابيع فيها غمرت أهلها بالمياه وأغنتهم عن الاستعانة وخاصة في موسم الشتاء من شركة المياه الإسرائيلية "ميكروت" التي تبتزهم بفرض أسعار خيالية عليهم.
ويقول أبو علاء لـ"ألف" لا زالت أذكر بداية الستينيات كيف أن المياه وكثرة الينابيع في القرية جعت من رجالاتها يتوجهون بكل قوة وعزم إلى الملك الحسين بن طلال ملك الأردن في ذلك والطلب منه تمديد شبكة مياه للقرية ليصل الماء إلى منزل كل مواطن، ويفتح كل منهم صنبوره الخاص ليجده وفيرا بالمياه.
لم تكن فتيات القرية ونساؤها في ذلك الحين اللواتي كنّ يتشاجرن على "عيون الماء" لتملأ كل واحدة منها جرتها وتقضي حاجتها وتعود لمنزلها قبل أن يحل الظلام أو تتراكم أعمال البيت "فوق رأسها".
وفعلا استجاب الملك الحسين إلى طلب أهالي القرية، فأرسل مع كباراتها الذين جاؤوا لطلب العون 2000 أو 3000 آلاف دينار "وقياسا إلى ذلك الحين تعادل الآن أكثر من 50 ألف دينار"، ثم قام الرجل بجمع عشرة دنانير من كل منزل لإكمال ما لديهم من مال وتنفيذ المشروع.
وتم البدء بعمل المشروع وأشرف على تنفيذه مهندسون من مدينة نابلس، فطار أهالي القرية فرحا وابتهاجا بذلك "ولم لا؟ ولم يكن سواهم من قرى فلسطين في ذلك الحين لديه مثل هذه الشبكة"، ويؤكد أبو علاء أنه كان يبلغ من العمر في ذلك الحين عشرة أعوام، "ولا زلت أتذكر أن المشروع الذي حصلت عليه قريتنا يعد كأول مشروع ينفذ في قرية فلسطينية".
وأضاف "عندما كنت آتي للدراسة في معهد دار المعلمين التابع لجامعة النجاح بنابلس أوائل سبعينيات القرن الماضي، كان الطلاب يسألونني متشككين إذا كنا نستخدم الماء من الصنبور مباشرة، دون الحاجة لأن يشغل أحدنا يديه الاثنتين بحمل إبريق المياه بواحدة والسكب على الأخرى كي يغسل احدنا وجهه".
وكانت هذه المياه تصل إلى الأهالي من ينابيع قريتهم المتعددة التي تتجاوز الثلاثين ينبوعا في عددها، وتمد القرية بالمياه طوال العام، حيث يتم تجميع المياه في مجمع للمياه أسفل القرية ومن ثم تكون عمليات الضخ للمنازل.
ويقول عبد الفتاح صلاح رئيس المجلس القروي إنه وفي الوقت الذي كانت قرية برقة في ذلك الحين تنعم بشبكة مياه داخلية "كانت مدن بأكملها في ذلك الحين لا تحصل على مثل هذا الأمر".
وتقع قرية برقة على ما يزيد على ثلاثين نبعة للمياه، منها أربعة دائمات ويفضن بالماء الغزير طوال العام حتى أن بعضها أحيانا ينفجر ويطرح مائه خارجا، كما يقول المسئول بالمجلس القروي إياد أبو عمر.
ومنذ عام 1962 وهو التاريخ الذي مددت فيه الشبكة لم تجر أية تصليحات أو أعمال صيانة للشبكة سوى مرات معدودة وتحديدا في العام 1998 والعام 2003 وبشكل جزئي وليس كاملا.
لكن احتياجات القرية أصبحت كبيرة مقارنة بعدد سكانها الذي يزهو من خمسة آلاف نسمة، فالينابيع الأربعة تقدم ما يصل إلى 110 متر مكعب يوميا خلال الصيف وقرابة 400 متر مكعب خلال الشتاء، ما يعني أن القرية تفتقد للمياه خلال موسم الصيف، وبالتالي تستعيض بهذا الفاقد من شركة "ميكروت" الإسرائيلية.