100 يوم من الألم اختتمتها الكهرباء بقتل الرضيع محمد
من علاء الحلو - بدأت الحكاية عندما انتهى ألم مخاض الأم، ليبدأ ألماً من نوع جديد حينما علم الأهل أن طفلهم مصاب بمرض سينغص عليه أيام حياته الأولى، فبدأت محاولات الأهل ومعاناتهم الكبيرة مرتقبين نمو الطفل لحظة بلحظة بعد أن طاف العديد من المستشفيات لينتهي به الأمر ويقتله الانقطاع المتواصل لانقطاع الكهرباء.
حيث تفاجئ المواطن عبد الحليم الحلو وزوجته دينا بأن طفلهما الثاني "محمد" مصاب بمرض التضخم الليمفاوي، وهو مرض نادر، وقرر الأطباء أنه بحاجه للسفر للعلاج لمستشفى المقاصد بمدينة القدس المحتلة، فرافق الرضيع المريض جده بشير الحلو، الذي روى لـ عذاب تنقله بين المستشفيات حتى فارق الطفل الحياة في حضن والديه.
ويقول الجد الحلو: "ولد محمد في التاسع عشر من شهر نوفمبر العام الماضي، وقال الأطباء أن لديه عيب خلقي وأن مستشفيات القطاع لن تستطيع فعل أي شئ له، ويجب أن يتم اصطحابه إلى إسرائيل، فقمنا بعمل الإجراءات اللازمة لنقل الطفل إلى الداخل الفلسطيني، واستغرقت هذه الإجراءات المرهقة مدة خمسة عشر يوماً، وسافرت أنا والرضيع في الخامس من ديسمبر للعام الماضي".
وتابع قائلاً: "وصلنا إلى مستشفى المقاصد بمدينة القدس ومكثنا فيها مدة شهر، وبدأ الأطباء هناك بالتخمين هل يحتاج الطفل إلى عملية أو لا يحتاج، فتضايقت كثيراً لأنهم لم يعملوا أي شئ حتى اللحظة للطفل على الرغم من موافقتهم على استقباله لعمل الإجراءات اللازمة له، فبدأت من تلك اللحظة بعمل تغطية كاملة لاصطحاب الطفل إلى مستشفى هداسا في تل أبيب، ومكثنا فيها ما يقارب من خمسة أيام ثم أجريت له العملية".
وأضاف: "بعد إجراء العملية قال الأطباء في هداسا أن هذه عملية أولية، ويجب الحضور بالطفل بعد شهر من أجل إجراء عملية أخرى بعد شهر من تاريخ الأولى، ولم يقبل الأطباء في حينها بقائي أنا والطفل في المستشفى حتى يأتي موعد العملية الثانية، وأخبرونا أنه لا يمكننا البقاء في المستشفى حتى موعد العملية الثانية، فرجعنا إلى مستشفى المقاصد ومكثنا فيها مدة عشر أيام أخرى بقي خلالها الطفل تحت المراقبة والملاحظة، في هذه الأثناء لم يحتمل أطباء المقاصد الطفل فطلبوا مني الرجوع إلى غزة، فرجعنا وتوجهنا إلى مستشفى الشفاء".
وتابع الحلو وقد بدا الإنهاك واضحاً عليه: "مكثنا في مستشفى الشفاء حتى انتهاء الشهر الذي قرره أطباء مستشفى هداسا، فعملنا تغطية مرة أخرى حتى نجري العملية الثانية للطفل، وعندما وصلنا إلى المستشفى جاءنا تقرير الطبيب الساعة الرابعة فجراً يفيد بأن هذا الطفل جاء فقط للمشاهدة العينية ولا يمكنه البقاء في المستشفى ولو ليوم واحد، فاعترضت وقلت أن المستشفى هي من طلبت أن نحضر الطفل بعد شهر من العملية الأولى، فقالوا أن هذه الزيارة فقط لكي يرى الطبيب الطفل، ولا يمكننا عمل أي شئ له".
وأضاف: "رجعنا مجدداً إلى مستشفى المقاصد، ولم يفعلوا له أي شئ وقالوا أنه يحتاج إلى عام حتى يقوى جسمه على أي عملية لأنه قد يصاب في هذا السن بالشلل أو أي مكروه، فرجعنا به إلى مستشفى الشفاء بمدينة غزة، ويبدو أن الأطباء في غزة لم يحتملوا وجود الطفل حتى بدؤوا يلمحوا ويتغامزوا بأن الطفل ميت بكل الأحوال وأن من الأفضل العودة به إلى البيت".
وتابع: "بقيت أم الطفل أسبوع على هذا الحال في ظل سماع كلمات الغمز واللمز من قبل بعض الأطباء في مستشفى الشفاء، بدلاً من طمأنة والد ووالدة الطفل المريض، وبدأنا بالبحث عن جهاز شفط حتى نصطحب الطفل للبيت، لأنه يحتاج إلى شفط البلغم كل ساعتين حتى لا يتسبب ذلك بخنقه، إلى أن حصلنا على الجهاز وأخذنا الطفل للبيت".
وأضاف الجد: "بعد وصولنا للبيت بدأ فصل جديد من فصول المعاناة حيث الانقطاع المتواصل للكهرباء على قطاع غزة، والذي زادت حدته في الفترة الأخيرة، في ظل الحرص المتواصل على عدم إغفال الطفل أو عدم قطع الكهرباء عن الجهاز طيلة ساعات اليوم".
وبدأ عبد الحليم الحلو والد الطفل بالحديث عن فترة وصول الطفل للبيت قائلاً: "وصل ابني للبيت في ظل ظروف غاية في الصعوبة، حيث الانقطاع المتواصل للكهرباء في ظل البرد الشديد جداً، وكان عندي مولد كهرباء 1 كجم واشتريت مولد آخر حتى لا تنقطع الكهرباء عن الجهاز، وقررنا أن نشتري مولد كهرباء 5 كجم ولكن القدر لم يمهلنا حتى نشتريه".
وأضاف الشاب وقد بدا التعب واضحاً على ملامحه: "سبب لي استخدام مولد الكهرباء حرق في يدي، حيث كنت أخرج منتصف الليل في البرد الشديد وتساقط الأمطار حتى أشغل الموتور كي أحافظ على جهاز الشفط مشغلاً، وبعد أربع أيام من التعب الشديد والمتواصل، وفي ليلة انقطاع الكهرباء شغلنا المولد الساعة العاشرة مساءاً وحرصنا على السهر بجانب الطفل وعدم النوم، حتى لا نفاجئ بتوقف المولد، ولكن النوم باغتنا أنا وزوجتي من شدة الإرهاق".
وتابع الأب: "استيقظنا هلوعين الساعة الثالثة فجرأ وتوجهنا للطفل بعد أن صعقنا بتوقف المولد وانقطاع الكهرباء، فوجدنا الطفل متجمداً دون حراك، فتوجهنا فوراً أنا وإخوتي وأبي لمستشفى الشفاء، وهناك أخبرونا أن الطفل فارق الحياة منذ ساعتين".
في هذه اللحظات بدا على ملامح جد الطفل وجدته ووالده ووالدته والحضور جميعاً تساؤلاً واحداً: "هل كل طفل مصاب بمثل هذا المرض، يجب على أهله أن يعانوا مثلما عانوا هم؟، وهل نهاية كل طفل ستكون مثل نهاية الرضيع محمد الذي مات في أحضان والديه؟؟