حِمصة: "قصور" من الخيش والصفيح!
أثير صلاحات: تجلس " رهام " ابنة الثلاثة أعوام في "قصرها" الفخم على السفح الجنوبي الشرقي لمحافظة طوباس بين عائلتها تلتحف فراشا فاخرا وتشاهد التلفاز عبر شاشة ضخمة بالنسبة لعمرها وتفكيرها، وتبتسم للزائرين الذين حلوا والامطار سويةً وكانهم استقلوا الغيوم وهربوا من الحياة البدائية في المنازل المطلية والدافئة والمجهزة بوسائل الراحة الى قصر " رهام " المكون من الخيش والصفيح والمًحصن بالقصب والمسقوف بالبلاستيك ، لا اعمدة في هذه القصر سوى اثنين يجملان وسطه.
هنا في خربة حمصة يقبع قصر الخيش والصفيح لعائلة بدوية اتخذت من الارض المهددة بالمصادرة عنوانا دائما لاقامتها ، تفاصيل المسكن المتواضع ترد الروح وتنعش الزائرين ، ورائحة البن تغلي بين جنبات المسكن وسيجارة " الهيشة " التي يشعلها " ابو الناجي " كلما اقتص من سابقتها، وعيون الأطفال تنظر إلينا بابتسامة كلها براءة ، وكأننا هبطنا من كوكب آخر.
وتبدأ قطرات المطر بالتراقص على سقف المسكن والرياح تلفح جوانبه وتلف الحاجة سعيدة حفيدها الرضيع بين يدها لتقيه البرد القارص بينما يتدحث زوجها عن ما يكابدونه من الم الاحتلال، الذي لا يوفر الصيف والشتاء، والليل والنهار لمضايقة ساكني المنطقة وتهديدهم بالترحيل وهدم مسكنهم، ويحمد ربه على الخير الوفير من الامطار رغم دخولها على فراشه مما أجبر العائلة على النوم في زاوية واحدة لا تصلها الامطار هربا من البلل الذي لحق بباقي مسكنه .
لم تعط السماء لأبي ناجي وقتا لنصب الخيمة الجديدة، التي حصل عليها من المحافظة لتقيه وماشيته من هذا الجو العاصف ، هي حياة جميلة بالنسبة لنا وتعيسة بالنسبة لهذه العائلة التي تقطن الارض وتعتاش من خيرها ، كانت الاضواء تنير المنطقة المقابلة للمسكن: مستوطنون ينعمون بالدفء والكهرباء والماء، وأصحاب الأرض يُحرمون من نعمة خلقت لهم ومن ارض توارثها الاباء والاجداد ليجدوا نفسهم رهينة لمستوطن حاقد جاء من اقصى بلاد الدنيا ليحتل ارضه ومسكنه ويحرمه من حقه بالوجود .
اتجهنا لمسكن اخر بالخربة ذاتها، لندخل في اشبه بحارة من الخيش وبيوت الشعر لعائلة " ابو رياض " الذي يبث شكواه إلى السماء وما فعلته بحظيرة الاغنام وعلفه المبلل بفعل السماء ، لم اعرف لماذا شعرت بانني اشاهد مسلسلا بدويا ، لكن ما يختلف هنا ان لهذه العائلة " سقيفة " من اللبن والتبن يمنع عليها ان تسقفه الا بالصفائح المعدنية التي اتت على غرفة نوم فاخرة قال ابو رياض " لقد كلفتني مبلغ هائل " سازوج ابني قريبا هنا ماذا افعل الان ؟"
ابو رياض من المواطنين الذين حصلوا على خيمة كبيرة مثله مثل ابو الناجي لم تسمح له الامطار بتشييدها .
عند " ربع " آخرين كانت ماساتهم كبيرة فالرياح قسمت خيمتهم لنصفين واتقو نفسهم بما تبقى منها يتغطون بغطاء فوقة بلاستيك يحميهم من المطر، عندما شاهدونا نسوا ما حل بهم فأنزلت زيارتنا السكينة على قلوبهم، وأدخلت الدفء إلى صدورهم، شاكين ظلم الاحتلال الذي رحلهم قبل عدة اشهر من منطقة قريبة، واضطروا ان يسكنوا هذه الخربة ، حالهم يرثى له، والنار التي يشعلونها لا تشعرهم أبدا بالدفء، لم نغادر مضاربهم الا وقد زودناهم بخيمة طارئة تقيهم ليلة اخرى من الشتاء الماطر البارد .
كان الليل قد حل والامطار قد اشتدت وعدنا وقلبنا معلق به ، نلعن الاحتلال الغاشم، ونعاتب السماء الخيرة وندعو الله ان يفك كرب شعبنا ويزيل الاحتلال الجاثم على صدورنا، رحلنا وقلبي معلق بتلك الطفلة التي تبتسم رغم الظروف التي تدعو إلى البكاء.
عن الف
هنا في خربة حمصة يقبع قصر الخيش والصفيح لعائلة بدوية اتخذت من الارض المهددة بالمصادرة عنوانا دائما لاقامتها ، تفاصيل المسكن المتواضع ترد الروح وتنعش الزائرين ، ورائحة البن تغلي بين جنبات المسكن وسيجارة " الهيشة " التي يشعلها " ابو الناجي " كلما اقتص من سابقتها، وعيون الأطفال تنظر إلينا بابتسامة كلها براءة ، وكأننا هبطنا من كوكب آخر.
وتبدأ قطرات المطر بالتراقص على سقف المسكن والرياح تلفح جوانبه وتلف الحاجة سعيدة حفيدها الرضيع بين يدها لتقيه البرد القارص بينما يتدحث زوجها عن ما يكابدونه من الم الاحتلال، الذي لا يوفر الصيف والشتاء، والليل والنهار لمضايقة ساكني المنطقة وتهديدهم بالترحيل وهدم مسكنهم، ويحمد ربه على الخير الوفير من الامطار رغم دخولها على فراشه مما أجبر العائلة على النوم في زاوية واحدة لا تصلها الامطار هربا من البلل الذي لحق بباقي مسكنه .
لم تعط السماء لأبي ناجي وقتا لنصب الخيمة الجديدة، التي حصل عليها من المحافظة لتقيه وماشيته من هذا الجو العاصف ، هي حياة جميلة بالنسبة لنا وتعيسة بالنسبة لهذه العائلة التي تقطن الارض وتعتاش من خيرها ، كانت الاضواء تنير المنطقة المقابلة للمسكن: مستوطنون ينعمون بالدفء والكهرباء والماء، وأصحاب الأرض يُحرمون من نعمة خلقت لهم ومن ارض توارثها الاباء والاجداد ليجدوا نفسهم رهينة لمستوطن حاقد جاء من اقصى بلاد الدنيا ليحتل ارضه ومسكنه ويحرمه من حقه بالوجود .
اتجهنا لمسكن اخر بالخربة ذاتها، لندخل في اشبه بحارة من الخيش وبيوت الشعر لعائلة " ابو رياض " الذي يبث شكواه إلى السماء وما فعلته بحظيرة الاغنام وعلفه المبلل بفعل السماء ، لم اعرف لماذا شعرت بانني اشاهد مسلسلا بدويا ، لكن ما يختلف هنا ان لهذه العائلة " سقيفة " من اللبن والتبن يمنع عليها ان تسقفه الا بالصفائح المعدنية التي اتت على غرفة نوم فاخرة قال ابو رياض " لقد كلفتني مبلغ هائل " سازوج ابني قريبا هنا ماذا افعل الان ؟"
ابو رياض من المواطنين الذين حصلوا على خيمة كبيرة مثله مثل ابو الناجي لم تسمح له الامطار بتشييدها .
عند " ربع " آخرين كانت ماساتهم كبيرة فالرياح قسمت خيمتهم لنصفين واتقو نفسهم بما تبقى منها يتغطون بغطاء فوقة بلاستيك يحميهم من المطر، عندما شاهدونا نسوا ما حل بهم فأنزلت زيارتنا السكينة على قلوبهم، وأدخلت الدفء إلى صدورهم، شاكين ظلم الاحتلال الذي رحلهم قبل عدة اشهر من منطقة قريبة، واضطروا ان يسكنوا هذه الخربة ، حالهم يرثى له، والنار التي يشعلونها لا تشعرهم أبدا بالدفء، لم نغادر مضاربهم الا وقد زودناهم بخيمة طارئة تقيهم ليلة اخرى من الشتاء الماطر البارد .
كان الليل قد حل والامطار قد اشتدت وعدنا وقلبنا معلق به ، نلعن الاحتلال الغاشم، ونعاتب السماء الخيرة وندعو الله ان يفك كرب شعبنا ويزيل الاحتلال الجاثم على صدورنا، رحلنا وقلبي معلق بتلك الطفلة التي تبتسم رغم الظروف التي تدعو إلى البكاء.
عن الف