الأغوار الشمالية: الاحتلال يفقدها معنى الحياة
عاطف صالح: لم تكن وحدها الأمطار والعواصف بانتظار الطفلة صبحة نايف زواهرة من قرية المالح في الأغوار الشمالية، خلال موجة الأمطار والمنخفضات الجوية قبل أيام قليلة، بل بأعجوبة نجت الطفلة ابنة العشر سنوات من الموت، بعد أن عصفت ريح قوية في مسكنها المكون من صفائح معدنية وجدرانه من البراميل الحديدية.
أُصيبت الطفلة، بجروح خطرة بعدما حاولت اثر سقوط البيت فوق رأسها، الدخول لإنقاذ شقيقتها الصغيرة من الموت. وبالكاد استطاع والدها نايف زواهرة 38 عاما –كما أخبر مراسل ألف ضمن جولة إعلامية في المكان- أن ينقل طفلته لتلقي العلاج في مدينة طوباس أقرب المناطق والمراكز للقرية، فقد استعان بسيارة جاره ونقل طفلته التي كانت حالتها توصف حينذاك بين الموت والحياة.
وليست صبحة وعائلتها من تعاني أوضاعا مأساوية في الأغوار، بل إن معظم السكان هناك يفتقدون مقومات الحياة كاملة من خدمات وبنى تحتية وخدمات مختلفة، كما يفتقدون أهم عنصر في هذه المقومات وهو الأمن والاستقرار، كما يقول عارف دراغمة رئيس مجلس الخدمات المشترك لقرية المالح والمضارب البدوية.
وهناك أكثر من 400 عائلة يزيد عدد أفرادها عن 2500 مواطن في قرية المالح والمضارب البدوية المحيطة يواجهون المأساة ذاتها، حيث يحرمهم الاحتلال من أبسط حقوقهم وسبل العيش الكريم، ويخطر كثير منهم بهدم مساكنهم وترحيلهم عن المنطقة التي يتذرع بأنها مناطق "سي" ومناطق تدريبات عسكرية خاصة به.
ويقيم الاحتلال عددا من المستوطنات والمعسكرات التدريبية على أراضي المواطنين التي يحملون فيها اوارقا ثبوتية وأوراق طابو تؤكد ملكيتهم لها، غير أن الاحتلال لا يعير اهتماما لكل هذا الكلام، ويبقي ترسانته العسكرية مسلطة على رؤوس الأهالي ورقابهم.
أما حكاية أهالي الفارسية القريبة من قرية المالح المجاورة فحالها أكثر مرارة، فليس فقط الإخطارات الإسرائيلية التي تقف لهم بالمرصاد، وليست الأمطار التي هدمت جزءا كبيرا من البيوت البلاستيكية وبركسات الأغنام والحظائر هي من يتهدد حياة المواطنين فيها.
فمن يقف لهم بالمرصاد "ديدي" وهو مستوطن إسرائيلي يعمل في أمن مستوطنة (روتم) في الأغوار الشمالية، حيث يداهم قريتهم باستمرار ويحتجز رعاة الأغنام فيها ويقوم باعتقالهم ويترك أغنامهم بين الجبال وحدها لساعات طويلة وأحيانا لأيام، بعد أن يوقع بهم آلاما شديدة.
وما يثير القلق في الأغوار الشمالية حسب عارف دراغمة، هو قلة الاهتمام الرسمي من المسؤولين، مشيرا الى أن حجم الدعم لا يرقى الى المستوى المطلوب، وأن كل ما قُدم لم يتجاوز بعض الحاجات من خيم وأغطية بسيطة، "لكن الى الآن لم تزل أهم الاحتياجات من الخدمات العامة كالكهرباء والماء لم تصل إليهم".
والماء تحديدا قصته كبيرة مع الأهالي الأغوار الشمالية، حيث يقيم الاحتلال آبارا ارتوازية يحبس عبرها المياه السطحية وغيرها، كما يجفف الينابيع ويحول مياهها لصالح المستوطنات المقامة على أراضي القرية.
أما المواشي والأغنام وقضية سرقتها فهي أكثر ما بات يؤرّق الأهالي هناك، كما يؤرقهم أيضا فرض ضرائب مالية ضخمة عليهم جرّاء قطفهم لبعض النباتات البرية او إذا ما اصطاد أحد أطفالهم عصفورا بريا.
ويلاحق أهالي الأغوار إضافة لذلك ما بات يعرف بظاهرة الألغام، حيث لا يكاد المواطن منهم يمر بقدميه فوق أي بقعة ارض حتى ينفجر به لغما ارضيا يتسبب بقتله في غالب الأحيان، وهذا ما جرى ما أكثر من سبعة فلسطينيين في قرية عاطوف جنوب شرق مدينة طوباس، أو يبتر أحد أطرافه على أقل تقدير.