صبحية الصفدي نموذج للمرأة الفلسطينية
صبحية الصفدي
زلفى شحرور
لم تخطط، ولم تسع صبحية الصفدي (في العقد الخامس من عمرها) للعمل مع طاقم الإسعاف التابع للهلال الأحمر الفلسطيني، لكن الحاجة والرغبة في مساعدة زوجها دفعتها لهذا العمل.
الحاجة دفعتها.. ومع العمل اكتشفت قيمة وحقيقية مهنتها الإنسانية فأسرتها. لم تلتفت لدعوة عائلتها بترك العمل، لشدة تأثرها به وسيطرته في بعض الأحيان على حياتها وعلى علاقاتها العائلية.
اليوم صبحية تحصد ثمار عملها بترشيحها من الهلال الأحمر لتكريمها في اجتماع الهيئة العامة للمنظمة العربية للهلال الأحمر والصليب الأحمر في دبي نهاية الشهر الجاري، حيث جرت العادة بتكريم مسعفين، وهذا العام تم اختيار صبحية مع مسعف متطوع من قطاع غزة.
صبحية أم لأربعة أبناء أصغرهم في السنة النهائية من تعليمه المدرسي، تستغرب ولا تعرف حتى اللحظة كيف استمرت في عملها 15 عاما، كانت خلالها شاهدا على الكثير من الأحداث التي مرت بها الأرض الفلسطينية، وذاكرتها ما زالت حية تنبض بتفاصيل التفاصيل، وخاصة سنوات الانتفاضة وفترة الاجتياح الإسرائيلي في العام 2002 على الأخص.
تقول عن عملها "هو وصفة طبية للتوتر والصداع والضغط النفسي"، ومع ذلك تجد نفسها كل يوم تذهب لعملها بنفس توتر وتحفز يومها الأول في العمل.
صبحية واحدة من عائدي منظمة التحرير من بغداد في العام 1996، وهي من لاجئي مخيم برج البراجنة في بيروت، اكتشفت حاجتها الماسة للعمل مبكرا لمساعدة زوجها في الأمن الوطني لإعالة عائلتها.
ورغم أن صبحية لم تنه تعليمها المدرسي ولا تمتلك مهنة، قررت البحث معتمدة على دورات تمريض تلقتها في الهلال الأحمر الفلسطيني في بيروت، مكنتها من العمل كمساعدة ممرضة لمدة خمس سنوات في مستشفى حيفا التابع للهلال في منطقة برج البراجنة.
قررت وذهبت إلى مبنى الهلال الأحمر، وكانوا حينها في حاجة لمن يعمل في الإسعاف، فوافقت على الأمر وكلها اعتقاد أنها ستعمل في مركز الطوارئ، وعندما تم تعريفها بموقع عملها خافت وقررت الهروب، لكن موظفة أخرى شجعتها وقالت لها "سأحول مناوبة عملي معك لا تخافي"، وكان الهلال حينها يملك سيارتين للإسعاف فقط.
تضحك صبحية وتقول "أصعب ما واجهني في بداية عملي اختلاف اللهجة، وكنت أحدث نفسي "من يتصل يندم على عمره".
صبحية اليوم تعمل ضابط حركة، وهي المسؤولة عن حركة سيارات الإسعاف في الفترة الصباحية في المراكز الأربعة في محافظة رام الله والبيرة، إلى جانب المركز الرئيسي، وتساهم مع 37 من زملائها، بينهم سيدة واحدة فقط، على خدمة أهالي المحافظة.
وقالت: عملي يقوم على فكرة "نفذ ثم ناقش"، تماما كما هو الحال في العمل العسكري، وكنت أشعر أحيانا برفض من زملاء لي لفكرة إعطائهم الأوامر، لكن مع مرور الوقت والتعود على طبيعة العمل والثقة تلاشى هذا الشعور".
ما يزعجها في عملها رنين خطوط الهواتف الأربعة المربوطة على الرقم 101 والذي لا يتوقف، حتى أنها لا تستطيع مغادرة مكتبها مهما كانت الأسباب، إلا إذا كان هناك من يحل مكانها، وحدود عملها تحريك سيارة الإسعاف ومتابعة حركتها حتى عودتها، وطلب سيارات إسعاف خاصة إذا كان الحدث فوق طاقة جهازها، وكذلك التأكد من صحة البلاغ بالسؤال عن رقم الهوية، ورقم الهاتف ومن ثم العودة للاتصال به من جديد.
وقالت، "مع الوقت نستطيع تمييز الإنذار الحقيقي من الكاذب"، لافتة لكثرة البلاغات الكاذبة التي تأتيها رغم اتباعها لإجراءات التثبت من البلاغ".
لا تهدأ صبحية ولا يهنأ لها بال إلا بعد الاطمئنان على الأوضاع، وخاصة في حالات المواجهات مع جيش الاحتلال، وتظل تهذي بالحالة حتى بعد مغادرتها لعملها. وتحمد ابنتها رنا ربها أن أمها لم تكن على رأس عملها يوم حادث جبع (احتراق حافلة تقل أطفال مدرسة) وإلا عاشوا معها أياما صعبة وقاسية.
وقالت رنا "توتر وقلق أمي لا يطاق في حال وجود مواجهات مع جيش الاحتلال"، مذكّرة بحادثة الطفل الذي نقلته والدتها في سيارة الإسعاف على حاجز سردا شمال رام الله، وظلت بعدها دون طعام لثلاثة أيام".
وعن هذه الحادثة قالت صبحية "جاءنا بلاغ بنقل فتى تعرض لحادث سير مع والده في جفنا، ولم يكن حينها مسموح لسياراتنا بالمرور على حاجز للجيش الإسرائيلي عند سردا (الجيش قطع الشارع بجبل من التراب والحجارة)، وصلنا لآخر نقطة من جهة رام الله، وحملت الطفل سيارة إسعاف أخرى من جهة جفنا، وقام الجندي الإسرائيلي بنقله بين السيارتين، ولا أنسى حتى اللحظة منظر والده وهو يرجونا أن نطمئنه على طفله الذي فارق الحياة خلال عملية النقل، ودائما أسأل نفسي لو لم تكن هناك حواجز ربما نجا".
ذاكرة صبحية حية ونابضة بالتفاصيل والقصص الخاصة بعملها، خاصة قصص الانتفاضة وحكاياها، وهي الأيام التي دفعتها للهرب من رنين الهاتف الذي لم يتوقف على مدار الساعة، من كثرة الطلبات وعدم القدرة على تلبيتها في أحيان أخرى.
وتابعت: "كنا نعمل على مدار الساعة، نأخذ ساعات محدودة للراحة، بعد الرابعة ظهرا كنت أصل لمرحلة غير قادرة فيها على الاستمرار من ضغط الهواتف والطلبات، وفي هذه الفترة قمنا بعمل الدفاع المدني والشرطة في أحيان كثيرة، حتى أننا قمنا بفتح المجاري في بعض المناطق حتى لا تغرق بمياه المطر".
وقالت، "كنت أهرب للعمل كمسعفة على سيارة الإسعاف (الموظف في الإسعاف عليه العمل كسائق ومسعف وضابط حركة) رغم قسوتها هربا من طلبات المواطنين التي لا تنتهي من دواء وغذاء وغيره".
صبحية كادت تفقد حياتها في الاجتياح، حيث تعرضت لحادث سير مع سيارات عسكرية إسرائيلية عند تقاطع مدرسة الفرندز في البيرة، ووجدت نفسها وجها لوجه مع سيارة جيب عسكرية، أدت لانقلاب الجيب، وتحطم سيارة الإسعاف من مقدمتها، ونزل زميلها ليسعف الجنود الذين أشهروا أسلحتهم باتجاهنا وهددوا بإطلاق النار، لولا كسر سكان الحي لمنع التجول الذي كان مفروضا على رام الله لمعرفة ما يجري
ومن أكثر المواقف التي تعتز بها صبحية في حياتها المهنية، عملية إخلاء جثامين شهداء اشتباك عسكري مع جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وقالت، "كنا أمام مستشفى رام الله بانتظار الإذن لنا بالحركة باتجاه مقر الأمن الوقائي في بيتونيا والذي كان يتعرض لقصف مدفعي شديد يومها (حركة سيارات الإسعاف كانت تتم بالتنسيق مع الصليب الأحمر والجيش الإسرائيلي بعد حوادث استشهاد مسعفين). جاءنا نداء من المركز الرئيسي بأن عددا من الاتصالات تصلهم وتتحدث عن شهداء وجرحى في شارع ركب وتتهمنا بالجبن لعدم إخلائهم. تبادلت النظرات مع زميلي وعلى الفور انطلقنا باتجاه الموقع، وهناك حوصرنا بين دبابتين حاولتا منعنا من الوصول، ودخلنا في جدل معهم، وفي النهاية تمكنا من إخلاء شهيدين من الموقع، ويبدو أن وصولنا دفع مسعفين آخرين للحاق بنا ومساعدتنا في إخلاء جرحى".
لم تخطط، ولم تسع صبحية الصفدي (في العقد الخامس من عمرها) للعمل مع طاقم الإسعاف التابع للهلال الأحمر الفلسطيني، لكن الحاجة والرغبة في مساعدة زوجها دفعتها لهذا العمل.
الحاجة دفعتها.. ومع العمل اكتشفت قيمة وحقيقية مهنتها الإنسانية فأسرتها. لم تلتفت لدعوة عائلتها بترك العمل، لشدة تأثرها به وسيطرته في بعض الأحيان على حياتها وعلى علاقاتها العائلية.
اليوم صبحية تحصد ثمار عملها بترشيحها من الهلال الأحمر لتكريمها في اجتماع الهيئة العامة للمنظمة العربية للهلال الأحمر والصليب الأحمر في دبي نهاية الشهر الجاري، حيث جرت العادة بتكريم مسعفين، وهذا العام تم اختيار صبحية مع مسعف متطوع من قطاع غزة.
صبحية أم لأربعة أبناء أصغرهم في السنة النهائية من تعليمه المدرسي، تستغرب ولا تعرف حتى اللحظة كيف استمرت في عملها 15 عاما، كانت خلالها شاهدا على الكثير من الأحداث التي مرت بها الأرض الفلسطينية، وذاكرتها ما زالت حية تنبض بتفاصيل التفاصيل، وخاصة سنوات الانتفاضة وفترة الاجتياح الإسرائيلي في العام 2002 على الأخص.
تقول عن عملها "هو وصفة طبية للتوتر والصداع والضغط النفسي"، ومع ذلك تجد نفسها كل يوم تذهب لعملها بنفس توتر وتحفز يومها الأول في العمل.
صبحية واحدة من عائدي منظمة التحرير من بغداد في العام 1996، وهي من لاجئي مخيم برج البراجنة في بيروت، اكتشفت حاجتها الماسة للعمل مبكرا لمساعدة زوجها في الأمن الوطني لإعالة عائلتها.
ورغم أن صبحية لم تنه تعليمها المدرسي ولا تمتلك مهنة، قررت البحث معتمدة على دورات تمريض تلقتها في الهلال الأحمر الفلسطيني في بيروت، مكنتها من العمل كمساعدة ممرضة لمدة خمس سنوات في مستشفى حيفا التابع للهلال في منطقة برج البراجنة.
قررت وذهبت إلى مبنى الهلال الأحمر، وكانوا حينها في حاجة لمن يعمل في الإسعاف، فوافقت على الأمر وكلها اعتقاد أنها ستعمل في مركز الطوارئ، وعندما تم تعريفها بموقع عملها خافت وقررت الهروب، لكن موظفة أخرى شجعتها وقالت لها "سأحول مناوبة عملي معك لا تخافي"، وكان الهلال حينها يملك سيارتين للإسعاف فقط.
تضحك صبحية وتقول "أصعب ما واجهني في بداية عملي اختلاف اللهجة، وكنت أحدث نفسي "من يتصل يندم على عمره".
صبحية اليوم تعمل ضابط حركة، وهي المسؤولة عن حركة سيارات الإسعاف في الفترة الصباحية في المراكز الأربعة في محافظة رام الله والبيرة، إلى جانب المركز الرئيسي، وتساهم مع 37 من زملائها، بينهم سيدة واحدة فقط، على خدمة أهالي المحافظة.
وقالت: عملي يقوم على فكرة "نفذ ثم ناقش"، تماما كما هو الحال في العمل العسكري، وكنت أشعر أحيانا برفض من زملاء لي لفكرة إعطائهم الأوامر، لكن مع مرور الوقت والتعود على طبيعة العمل والثقة تلاشى هذا الشعور".
ما يزعجها في عملها رنين خطوط الهواتف الأربعة المربوطة على الرقم 101 والذي لا يتوقف، حتى أنها لا تستطيع مغادرة مكتبها مهما كانت الأسباب، إلا إذا كان هناك من يحل مكانها، وحدود عملها تحريك سيارة الإسعاف ومتابعة حركتها حتى عودتها، وطلب سيارات إسعاف خاصة إذا كان الحدث فوق طاقة جهازها، وكذلك التأكد من صحة البلاغ بالسؤال عن رقم الهوية، ورقم الهاتف ومن ثم العودة للاتصال به من جديد.
وقالت، "مع الوقت نستطيع تمييز الإنذار الحقيقي من الكاذب"، لافتة لكثرة البلاغات الكاذبة التي تأتيها رغم اتباعها لإجراءات التثبت من البلاغ".
لا تهدأ صبحية ولا يهنأ لها بال إلا بعد الاطمئنان على الأوضاع، وخاصة في حالات المواجهات مع جيش الاحتلال، وتظل تهذي بالحالة حتى بعد مغادرتها لعملها. وتحمد ابنتها رنا ربها أن أمها لم تكن على رأس عملها يوم حادث جبع (احتراق حافلة تقل أطفال مدرسة) وإلا عاشوا معها أياما صعبة وقاسية.
وقالت رنا "توتر وقلق أمي لا يطاق في حال وجود مواجهات مع جيش الاحتلال"، مذكّرة بحادثة الطفل الذي نقلته والدتها في سيارة الإسعاف على حاجز سردا شمال رام الله، وظلت بعدها دون طعام لثلاثة أيام".
وعن هذه الحادثة قالت صبحية "جاءنا بلاغ بنقل فتى تعرض لحادث سير مع والده في جفنا، ولم يكن حينها مسموح لسياراتنا بالمرور على حاجز للجيش الإسرائيلي عند سردا (الجيش قطع الشارع بجبل من التراب والحجارة)، وصلنا لآخر نقطة من جهة رام الله، وحملت الطفل سيارة إسعاف أخرى من جهة جفنا، وقام الجندي الإسرائيلي بنقله بين السيارتين، ولا أنسى حتى اللحظة منظر والده وهو يرجونا أن نطمئنه على طفله الذي فارق الحياة خلال عملية النقل، ودائما أسأل نفسي لو لم تكن هناك حواجز ربما نجا".
ذاكرة صبحية حية ونابضة بالتفاصيل والقصص الخاصة بعملها، خاصة قصص الانتفاضة وحكاياها، وهي الأيام التي دفعتها للهرب من رنين الهاتف الذي لم يتوقف على مدار الساعة، من كثرة الطلبات وعدم القدرة على تلبيتها في أحيان أخرى.
وتابعت: "كنا نعمل على مدار الساعة، نأخذ ساعات محدودة للراحة، بعد الرابعة ظهرا كنت أصل لمرحلة غير قادرة فيها على الاستمرار من ضغط الهواتف والطلبات، وفي هذه الفترة قمنا بعمل الدفاع المدني والشرطة في أحيان كثيرة، حتى أننا قمنا بفتح المجاري في بعض المناطق حتى لا تغرق بمياه المطر".
وقالت، "كنت أهرب للعمل كمسعفة على سيارة الإسعاف (الموظف في الإسعاف عليه العمل كسائق ومسعف وضابط حركة) رغم قسوتها هربا من طلبات المواطنين التي لا تنتهي من دواء وغذاء وغيره".
صبحية كادت تفقد حياتها في الاجتياح، حيث تعرضت لحادث سير مع سيارات عسكرية إسرائيلية عند تقاطع مدرسة الفرندز في البيرة، ووجدت نفسها وجها لوجه مع سيارة جيب عسكرية، أدت لانقلاب الجيب، وتحطم سيارة الإسعاف من مقدمتها، ونزل زميلها ليسعف الجنود الذين أشهروا أسلحتهم باتجاهنا وهددوا بإطلاق النار، لولا كسر سكان الحي لمنع التجول الذي كان مفروضا على رام الله لمعرفة ما يجري
ومن أكثر المواقف التي تعتز بها صبحية في حياتها المهنية، عملية إخلاء جثامين شهداء اشتباك عسكري مع جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وقالت، "كنا أمام مستشفى رام الله بانتظار الإذن لنا بالحركة باتجاه مقر الأمن الوقائي في بيتونيا والذي كان يتعرض لقصف مدفعي شديد يومها (حركة سيارات الإسعاف كانت تتم بالتنسيق مع الصليب الأحمر والجيش الإسرائيلي بعد حوادث استشهاد مسعفين). جاءنا نداء من المركز الرئيسي بأن عددا من الاتصالات تصلهم وتتحدث عن شهداء وجرحى في شارع ركب وتتهمنا بالجبن لعدم إخلائهم. تبادلت النظرات مع زميلي وعلى الفور انطلقنا باتجاه الموقع، وهناك حوصرنا بين دبابتين حاولتا منعنا من الوصول، ودخلنا في جدل معهم، وفي النهاية تمكنا من إخلاء شهيدين من الموقع، ويبدو أن وصولنا دفع مسعفين آخرين للحاق بنا ومساعدتنا في إخلاء جرحى".