راشيل كوري.. تسع سنوات في الذاكرة الحية
يصادف اليوم الجمعة، الذكرى التاسعة لرحيل راشيل كوري، أول ناشطة سلام دولية تسحق تحت "جنازير وانياب" جرافة إسرائيلية في رفح جنوب قطاع غزة، بينما كانت تحتج على عملية هدم للمنازل الفلسطينية.
في السادس عشر من مارس/آذار عام 2003، كانت ناشطة السلام الأمريكية راشيل كوري، البالغة من العمر وقتها (23 عاماً)، تقف بمواجهة بلدوزر إسرائيلي في جنوب قطاع غزة.. وفي تلك الأثناء تحرك البلدوزر باتجاهها فسحق عظامها لتطير روحها في فضاء المكان!
راشيل فتاة أمريكية عضوة في حركة التضامن العالمية (ISM) سافرت لقطاع غزة خلال الانتفاضة الثانية.. وسافرت إلى الضفة الغربية في الثاني والعشرين من يناير كانون الثاني سنة 2003.
كانَ هدف راشيل الخضوع لدورة تدريبية لمدة يومين في مقر حركة التضامن العالمية قبل أن تتوجه إلى معبر رفح للمشاركة في التظاهرات هناك، وخلال فترة تدريبها درست راشيل تكتيكات العمل المباشر وأعطيت القواعد الأساسية حول تجنب الضرر.
كانت راشيل، وهي طالبة جامعية من أوليمبيا في واشنطن، وثمانية من زملائها من حركة التضامن الدولية، (خمسة أمريكيين وثلاثة بريطانيين)، لحظة مصرعها يحاولون منع جرافة عسكرية تابعة لقوات الاحتلال من هدم أحد المنازل الفلسطينية في حي السلام المجاور للشريط الحدودي مع مصر جنوب مدينة رفح.
ووفقاً للإفادات التي قدّمها زملاء الضحية وقتها للمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان وإفادات شهود العيان، إنه في حوالي 4:45 من مساء ذاك اليوم، كانت راشيل كوري تقف أمام أحد المنازل الفلسطينية في حي السلام برفح، وكانت تلوّح لسائق جرافة عسكرية إسرائيلية كانت تتقدّم نحو المنزل لكي يتوقّف عن هدم المنزل، وفي تلك اللحظة كانت كوري ترتدي سترة برتقالية اللون يمكن تمييزها عن بعد، وتتحدّث إلى سائق الجرافة بواسطة مكبّر للصوت، فيما كان بقية أعضاء مجموعة حركة التضامن الدولية يقفون على بعد حوالي 15-20 متراً يناشدون سائق الجرّافة التوقّف.
ووفقاً لإفادات شهود العيان، يبدو أن كوري صعدت على كومة من التراب بينما كانت الجرافة تتقدّم نحوها وأثناء محاولتها الابتعاد، سقطت أرضاً وغطاها التراب الذي جرفته شفرة الجرافة.. في هذه الأثناء كان زملاء كوري يصرخون ويشيرون إلى سائق الجرافة بأن يتوقّف. ثم توقّفت الجرافة على بعد أمتار قليلة، ورفعت كفها إلى أعلى وأنزلته مرة أخرى وعادت إلى الخلف.
وذكر شهود العيان أن قوات الاحتلال لم تقدّم أية مساعدة لكوري.. وبعد لحظات، وصلت سيارة إسعاف فلسطينية وقامت بنقل كوري إلى مستشفى الشهيد محمد يوسف النجار في رفح، حيث أعلن عن وفاتها.
جيش الاحتلال أجرى تحقيقاً في الحادث استمر شهراً واحداً، تمخض عن عدم تحميل المسؤولية للجندي الإسرائيلي سائق البولدوزر العسكري.
"لم ير طاقم البلدوزر العسكري المتورط في الحادث الآنسة كوري وهي تقف خلف تلة من الرمل، كما لم يكن بمقدور الطاقم رؤيتها أو سماع صوتها"، هذا ما جاء في خلاصة التحقيق الذي اغلق بالقول: "إن مقتل راشيل كان حادثا عرضيا، ولن يُحاسب الجنود الإسرائيليون على حادث لا يتحملون مسؤوليته". لكن الجيش قال إن الشرطة العسكرية التي كانت تحقق في الحادث وجدت أن راشيل قُتلت نتيجة انهيار بناء عليها عندما كانت تحاول تسلق تلة من الأنقاض كانت الجرافة تقوم بتسويتها في مخيم رفح للاجئين.
وقال الجيش الإسرائيلي أيضا، إن سائق الجرافة لم يدرك أن كوري كانت أمامه، وأنه ما كان يتعين على الناشطين أصلا أن يتواجدوا في مثل تلك المنطقة العسكرية المغلقة.
وجاء في بيان للجيش الإسرائيلي أنه: "في الوقت الذي يعبر فيه الجيش الإسرائيلي عن الحزن لمقتل الناشطة الأمريكية، فإنه يعتقد أن الأعمال غير المسؤولة وغير القانونية التي تقوم بها حركة التضامن العالمية ساهمت في الحادث المأساوي الذي أدى إلى مقتل راشيل كوري".
وفي 30 يونيو 2003، عبّر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في بيان صحفي عن بالغ القلق إزاء ثقافة الحصانة المستمرة التي يحظى بها جنود الاحتلال في انتهاكاتهم للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، بما في ذلك اقترافهم لجرائم حرب. وما نتائج التحقيق الذي أجرته قوات الاحتلال الإسرائيلي، حسبما ورد في تقارير إعلامية، والتي خلصت إلى أن مقتل ناشطة السلام الأمريكية راشيل كوري كان "حادثة"، سوى دليل آخر على ثقافة الحصانة هذه.
ورفض المركز وقتها نتائج التحقيق الذي أجرته قوات الاحتلال في مقتل كوري، وعبّر عن القلق من أن قوات الاحتلال لم تجر تحقيقاً ملائماً حسب المعايير الدولية الدنيا للنزاهة والشمولية. وعلى نحو خاص، تتناقض إفادات شهود العيان حول مقتل كوري التي أدلوا بها لمحامي المركز بشدة مع نتائج التحقيق.
وجاء في شهادة أحد شهود العيان للمركز حينها أن "الجرافة استمرّت في التقدّم إلى أن أصبحت راشيل أسفل مركز الجرافة مباشرة. ثم توقّفت الجرافة للحظة، وبعدها تراجعت إلى الخلف فيما ظلّ نصلها متجهاً إلى الأسفل، وأعتقد بأن غمر راشيل بالرمال وصراخنا بأن ذلك قد حدث كان واضحاً لطاقم الدبابة ولطاقمي الجرّافة التي قتلت راشيل والجرّافة الأخرى، ولكن سائق الجرافة لم يتوقّف، ولم يغيّر السرعة، بل استمر في التحرّك إلى الخلف بسرعة حوالي خمسة أميال في الساعة، لمسافة 4-5 أمتار أخرى دون أن يرفع نصل الجرافة".
وبعد أن حصل المركز على هذه الإفادات، تقدّم بطلب إلى قسم التحقيقات التابع لقوات الاحتلال الإسرائيلي، لكي يقوم باستجواب الشهود بشكل مباشر لغايات التحقيق في مقتل كوري. وقد قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي باستجواب الشهود في أواخر شهر مارس بحضور محامين من داخل إسرائيل يمثّلون المركز.
يُشار إلى أن كتابات راشيل، التي نُشرت بعد مقتلها، غدت رمزا للحملة الدولية التي تخوض غمارها أطراف عدة باسم الفلسطينيين. وتم تحويل تلك الكتابات إلى مسرحية حملت عنوان "أسمي راشيل كوري"، ودارت فصولها عن حياتها، وجابت المسرحية مناطق مختلفة من العالم، بما في ذلك الضفة الغربية وقطاع غزة.
انضمت راشيل إلى حركة التضامن العالمية لدعم القضية الفلسطينية .. لكنها عادت إلى واشنطن ملفوفةً بالعلم الأميركي، ولتظل روحها باقية في الذاكرة الحية لآلاف من احبوا وعشقوا شجاعتها وانتصارها لشعب اعزل لم يبرح يناضل منذ رحيلها وما قبل ذلك بكثير من الخلاص من نير الاحتلال!!
محمد أبو فياض
في السادس عشر من مارس/آذار عام 2003، كانت ناشطة السلام الأمريكية راشيل كوري، البالغة من العمر وقتها (23 عاماً)، تقف بمواجهة بلدوزر إسرائيلي في جنوب قطاع غزة.. وفي تلك الأثناء تحرك البلدوزر باتجاهها فسحق عظامها لتطير روحها في فضاء المكان!
راشيل فتاة أمريكية عضوة في حركة التضامن العالمية (ISM) سافرت لقطاع غزة خلال الانتفاضة الثانية.. وسافرت إلى الضفة الغربية في الثاني والعشرين من يناير كانون الثاني سنة 2003.
كانَ هدف راشيل الخضوع لدورة تدريبية لمدة يومين في مقر حركة التضامن العالمية قبل أن تتوجه إلى معبر رفح للمشاركة في التظاهرات هناك، وخلال فترة تدريبها درست راشيل تكتيكات العمل المباشر وأعطيت القواعد الأساسية حول تجنب الضرر.
كانت راشيل، وهي طالبة جامعية من أوليمبيا في واشنطن، وثمانية من زملائها من حركة التضامن الدولية، (خمسة أمريكيين وثلاثة بريطانيين)، لحظة مصرعها يحاولون منع جرافة عسكرية تابعة لقوات الاحتلال من هدم أحد المنازل الفلسطينية في حي السلام المجاور للشريط الحدودي مع مصر جنوب مدينة رفح.
ووفقاً للإفادات التي قدّمها زملاء الضحية وقتها للمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان وإفادات شهود العيان، إنه في حوالي 4:45 من مساء ذاك اليوم، كانت راشيل كوري تقف أمام أحد المنازل الفلسطينية في حي السلام برفح، وكانت تلوّح لسائق جرافة عسكرية إسرائيلية كانت تتقدّم نحو المنزل لكي يتوقّف عن هدم المنزل، وفي تلك اللحظة كانت كوري ترتدي سترة برتقالية اللون يمكن تمييزها عن بعد، وتتحدّث إلى سائق الجرافة بواسطة مكبّر للصوت، فيما كان بقية أعضاء مجموعة حركة التضامن الدولية يقفون على بعد حوالي 15-20 متراً يناشدون سائق الجرّافة التوقّف.
ووفقاً لإفادات شهود العيان، يبدو أن كوري صعدت على كومة من التراب بينما كانت الجرافة تتقدّم نحوها وأثناء محاولتها الابتعاد، سقطت أرضاً وغطاها التراب الذي جرفته شفرة الجرافة.. في هذه الأثناء كان زملاء كوري يصرخون ويشيرون إلى سائق الجرافة بأن يتوقّف. ثم توقّفت الجرافة على بعد أمتار قليلة، ورفعت كفها إلى أعلى وأنزلته مرة أخرى وعادت إلى الخلف.
وذكر شهود العيان أن قوات الاحتلال لم تقدّم أية مساعدة لكوري.. وبعد لحظات، وصلت سيارة إسعاف فلسطينية وقامت بنقل كوري إلى مستشفى الشهيد محمد يوسف النجار في رفح، حيث أعلن عن وفاتها.
جيش الاحتلال أجرى تحقيقاً في الحادث استمر شهراً واحداً، تمخض عن عدم تحميل المسؤولية للجندي الإسرائيلي سائق البولدوزر العسكري.
"لم ير طاقم البلدوزر العسكري المتورط في الحادث الآنسة كوري وهي تقف خلف تلة من الرمل، كما لم يكن بمقدور الطاقم رؤيتها أو سماع صوتها"، هذا ما جاء في خلاصة التحقيق الذي اغلق بالقول: "إن مقتل راشيل كان حادثا عرضيا، ولن يُحاسب الجنود الإسرائيليون على حادث لا يتحملون مسؤوليته". لكن الجيش قال إن الشرطة العسكرية التي كانت تحقق في الحادث وجدت أن راشيل قُتلت نتيجة انهيار بناء عليها عندما كانت تحاول تسلق تلة من الأنقاض كانت الجرافة تقوم بتسويتها في مخيم رفح للاجئين.
وقال الجيش الإسرائيلي أيضا، إن سائق الجرافة لم يدرك أن كوري كانت أمامه، وأنه ما كان يتعين على الناشطين أصلا أن يتواجدوا في مثل تلك المنطقة العسكرية المغلقة.
وجاء في بيان للجيش الإسرائيلي أنه: "في الوقت الذي يعبر فيه الجيش الإسرائيلي عن الحزن لمقتل الناشطة الأمريكية، فإنه يعتقد أن الأعمال غير المسؤولة وغير القانونية التي تقوم بها حركة التضامن العالمية ساهمت في الحادث المأساوي الذي أدى إلى مقتل راشيل كوري".
وفي 30 يونيو 2003، عبّر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في بيان صحفي عن بالغ القلق إزاء ثقافة الحصانة المستمرة التي يحظى بها جنود الاحتلال في انتهاكاتهم للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، بما في ذلك اقترافهم لجرائم حرب. وما نتائج التحقيق الذي أجرته قوات الاحتلال الإسرائيلي، حسبما ورد في تقارير إعلامية، والتي خلصت إلى أن مقتل ناشطة السلام الأمريكية راشيل كوري كان "حادثة"، سوى دليل آخر على ثقافة الحصانة هذه.
ورفض المركز وقتها نتائج التحقيق الذي أجرته قوات الاحتلال في مقتل كوري، وعبّر عن القلق من أن قوات الاحتلال لم تجر تحقيقاً ملائماً حسب المعايير الدولية الدنيا للنزاهة والشمولية. وعلى نحو خاص، تتناقض إفادات شهود العيان حول مقتل كوري التي أدلوا بها لمحامي المركز بشدة مع نتائج التحقيق.
وجاء في شهادة أحد شهود العيان للمركز حينها أن "الجرافة استمرّت في التقدّم إلى أن أصبحت راشيل أسفل مركز الجرافة مباشرة. ثم توقّفت الجرافة للحظة، وبعدها تراجعت إلى الخلف فيما ظلّ نصلها متجهاً إلى الأسفل، وأعتقد بأن غمر راشيل بالرمال وصراخنا بأن ذلك قد حدث كان واضحاً لطاقم الدبابة ولطاقمي الجرّافة التي قتلت راشيل والجرّافة الأخرى، ولكن سائق الجرافة لم يتوقّف، ولم يغيّر السرعة، بل استمر في التحرّك إلى الخلف بسرعة حوالي خمسة أميال في الساعة، لمسافة 4-5 أمتار أخرى دون أن يرفع نصل الجرافة".
وبعد أن حصل المركز على هذه الإفادات، تقدّم بطلب إلى قسم التحقيقات التابع لقوات الاحتلال الإسرائيلي، لكي يقوم باستجواب الشهود بشكل مباشر لغايات التحقيق في مقتل كوري. وقد قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي باستجواب الشهود في أواخر شهر مارس بحضور محامين من داخل إسرائيل يمثّلون المركز.
يُشار إلى أن كتابات راشيل، التي نُشرت بعد مقتلها، غدت رمزا للحملة الدولية التي تخوض غمارها أطراف عدة باسم الفلسطينيين. وتم تحويل تلك الكتابات إلى مسرحية حملت عنوان "أسمي راشيل كوري"، ودارت فصولها عن حياتها، وجابت المسرحية مناطق مختلفة من العالم، بما في ذلك الضفة الغربية وقطاع غزة.
انضمت راشيل إلى حركة التضامن العالمية لدعم القضية الفلسطينية .. لكنها عادت إلى واشنطن ملفوفةً بالعلم الأميركي، ولتظل روحها باقية في الذاكرة الحية لآلاف من احبوا وعشقوا شجاعتها وانتصارها لشعب اعزل لم يبرح يناضل منذ رحيلها وما قبل ذلك بكثير من الخلاص من نير الاحتلال!!
محمد أبو فياض