الحرم الإبراهيمي على اللائحة الأممية
حمزة الحطاب
خمسة وأربعون عاماً لم تعد الحياة كما كانت على التلال الأربعة التي شكلت نواة مدينة الخليل، والتي تحتضن على ترابها المسجد الإبراهيمي "الحرم" لقدسيته وكونه يحتضن رفات الأنبياء وزوجاتهم.
ظلم وجبروت الاحتلال ومن خلفه مستوطنوه أحال حياة سكان البلدة القديمة إلى جحيم، وجعلهم يئنون من فنون العذاب الذي ما برح الاحتلال يذيقه للسكان، والذي ذهب إلى أبعد من تنغيص العيش والمضايقة، بل وصل حد تقسيم الحرم عقب المجزرة البشعة التي ارتكبها بداخله المستوطن المتطرف باروخ غولدشتاين عام 1994، وإلى الاستيلاء على منازل المواطنين ضمن سياسة تهدف إلى إفراغ البلدة من سكانها الأصليين، والسيطرة على معالمها الدينية والأثرية، والادعاء بأنها من أرث اليهود ومحاولة تعميم وتوصيل هذا الادعاء إلى العالم بأسره.
يقول المهندس خالد العسيلي رئيس بلدية الخليل، إن "المسجد الإبراهيمي هو مسجد إسلامي من 1400 سنة، أي ادعاء من قبل الإسرائيليين بأنه كنيس، لذلك رُفض طلب بنيامين نيتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي بتسجيل الحرم ضمن قائمة التراث اليهودي، ولذلك أيضاً أقدمنا نحن في البلدية وقبل عام من طلب نيتنياهو وعملنا على تسجيل الحرم والبلدة القديمة ضمن قائمة التراث العالمي، حتى لا يتسنى للإسرائيليين التزوير والادعاء بأنها من مقتنياتهم التراثية".
المؤسسات العاملة في الخليل وعلى رأسها البلدية ولجنة الإعمار، كثفت جهودها لحماية أرث المدينة الحضاري والديني، وبدأت سعيها منذ ثلاث سنوات لتسجيل الحرم والبلدة القديمة في قائمة التراث العالمي الخاصة بمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو).
وجاءت هذه الخطوة وفقا للعسيلي حتى تأخذ المدينة التي يربو عمرها عن ستة آلاف عام حقها، باعتبارها موروثا فلسطينيا معترفا به، فضلا عن أن وضع مدينة الخليل على القائمة يحمل المسؤولية لليونسكو في العديد من المجالات أهمها الحفاظ على موروثها وصيانته، وبالتالي يكون هناك موازنات سنوية للحفاظ عليه ودعم المدن المسجلة، إضافة إلى أن إدراج البلدة على لائحة اليونسكو سيجعلها مقصدا سياحيا بما يسهم في درّ الفوائد الاقتصادية وإعادة حياة للبلدة القديمة والحرم الإبراهيمي الشريف.
سنوات من العمل الجاد والمتواصل وبمساعدة خبراء دوليين ومشاركة في مؤتمرات عالمية، أوصلت ملف ترشيح البلدة القديمة والحرم الإبراهيمي الشريف في الخليل إلى وزارة السياحة، باعتبارها الجهة التي يجب أن تتقدم الملف إلى اللجنة الأممية.
يقول المهندس علاء شاهين رئيس لجنة السياحة في محافظة الخليل: "انطلاقة الفكرة جاءت من خلال حملة دولية قامت بها بلدية الخليل مع بلديتي "بلفور" و"اركوي" الفرنسيتين؛ لتسجيل البلدة القديمة على قائمة التراث العالمي، ودعمها والترويج لما تمتلكه من قيم، وتوضيح الواقع الذي تعيشه نتيجة الاحتلال والاستيطان، ومن خلال هذه الحملة تمت المشاركة بمجموعة من المؤتمرات الدولية، وإطلاق عدت حملات دولية موازية لدعم المشروع وعكس الواقع الموجود حالياً وإظهاره للعالم برؤية حقيقية منافية لما يحاول الطرف الآخر عكسها للعالم، فهذا هو الأساس الذي بنيت عليه المبادرة".
وبخصوص نجاح مساعي البلدية في تسجيل الحرم والبلدة القديمة ضمن قائمة التراث العالمي؛ أكد المهندس شاهين أن للموضوع بعدين: فني وسياسي، وذكر أن البعد الفني الذي يتضمن إعداد الملف جاء بحيث لا تكون هناك أي ثغرة يمكن أن يرفض الملف من خلالها، وهذا استوجب عرضه على عدد من الخبراء الدوليين منهم الدكتور جاد ثابت وهو ممثل لبنان في لجنة التراث العالمي لمدة خمس سنوات، وهو من الأشخاص الذين شاركوا بإعداد وتقييم الكثير من ملفات المدن المسجلة على قائمة التراث العالمي، وكذلك تم عرضه على الخبير الايطالي جيفانا فورتانا وهو من الأشخاص الذين لهم باع طويل في هذا المجال.
كما بين شاهين أن عقبة الناحية السياسية كانت تتمثل بعدم حصول فلسطين في تلك الفترة على عضوية اليونيسكو، ولكنها زالت بقبول دولة فلسطين عضوا كامل العضوية، وبالتوقيع على اتفاقية جنيف لعام 1972 والاتفاقيات المتعلقة بحفظ التراث.
وفي مقابلة أجرتها وكالة "وفا" مع الدكتور رضا فراو رئيس قسم العدالة والشرطة لدى الفدرالية السويسرية ومستشار منظمة اليونسكو منذ العام 1986، قال: "مسألة تسجيل الحرم والبلدة القديمة في قائمة التراث العالمي، مسألة مهمة جداً، ولكن لا بد من أن تكون بالتنسيق مع السلطات الوطنية، بعد دخول اتفاقية اليونسكو لحيز التنفيذ لسنة 1972، فحق من حقوق السلطة الفلسطينية أن تقدم دفاتر لترشيح وتسجيل مواقع على لائحة التراث العالمي، ومن الممكن أن يكون المسجد الإبراهيمي هو أول موقع تراثي له أهمية عالمية استثنائية يسجل على القائمة التراثية، لكن يجب أن لا ننسى أن هذا العمل لا بد أن يكون عمل جدي من الناحية الثقافية والعلمية والفنية كذلك.
وذكر فراو أن أبرز العوائق التي تعترض وصول المواقع التراثية الفلسطينية للقائمة العالمية هو عدم وجود قانون وطني فلسطيني لحماية التراث الثقافي، وبين أن الحاجة الآن إلى دعم الوعي الوطني والوعي السياسي لكي يدخل القانون الوطني إلى حيز التنفيذ، لكي تكون دفاتر تسجيل المواقع الفلسطينية على لائحة التراث العالمي لها مصداقية وطنية.
وأشار إلى أن التراث في مدينة الخليل له أهمية عالمية، لذلك يفترض بأن يكون موجودا على لائحة التراث العالمي، لأن له جملة من الميزات المفروضة من الناحية الثقافية والمعمارية.
مدفن عائلة أبي الأنبياء وحرم المسلمين والبلدة القديمة في الخليل، ستبقى تعاني من حالة القرصنة الإسرائيلية، حتى يحقق الفلسطينيون حلمهم بتسجيل هذه المواقع كتراث عالمي على المجتمع الدولي حمايته من السرقة والتزييف والتشويه.