رسالة من فلسطين في يوم المياه العالمي - " وضعنا المائي كارثي ومصادر مياهنا العذبة مغتصبة ومستنزفة بالكامل من قبل إسرائيل "
إعداد : المهندس فضل كعوش
تتشكل مصادر المياه العذبة والتي تعرف بمصادر المياه االطبيعية والتقليدية، من مياه ألأمطار السنوية ومن ذوبان الثلوج التي تسقط فوق الجبال والهضاب المرتفعة، وتتحول الى جريان سطحي عبر ألأنهار والأودية، كما تتسرب كميات كبيرة الى باطن ألأرض عبر الطبقات السطحية لتستقر في الطبقات الصخرية النافذة وتشكل ما يعرف بالأحواض المائية الجوفية.
ونتيجة للنمو السكاني والتطور العمراني والحضري والصناعي الهائل والتغيير الكبير في نمط الحياة وما يصاحب ذلك من تغييرات مناخية كبيرة وارتفاع متدرج في درجات الحرارة وتراجع الأمطار وارتفاع معدلات التبخر، وهو ما أصبح يشكل ضغطا كبيرا على مصادر المياه العذبة، حيث باتت تظهر مؤشرات خطيرة في تراجع كبير في حجم الطاقة المائية العذبة المتاحة المتجددة منها وغير المتجددة، بالتوازي مع مؤشرات تردي نوعية المياه السطحية والجوفية مما زاد من مخاوف العديد من دول العام التي تواجه مشاكل نقص وتردٍ في نوعية المياه العذبة، ودفع الى نشوب صراعات قوية على مياه الأنهار الدولية وكذلك الأمر على الأحواض المائية الجوفية (مجاري الأحواض السطحية والجوفية الدولية المشتركة).
في ظل بروز التحديات المائية المخيفة ومع ازدياد الخلافات والصراعات على مصادر المياه العذبة المشتركة، سارعت مؤسسة الأمم المتحدة الى العمل في مواجهة هذه التهديدات لإيجاد صيغ من التوجيهات والمرجعيات الأدبية والقانونية في محاولة لتدارك إبعاد المخاطر المواجهة ولترشيد ادارة المياه على نحو امثل وتحفيز الدول المتشاطئة على التعاون المبني على احترام الحقوق المائية لكل دولة مشاطئة.
وفي إطار جهودها تبنت الجمعية العامة قرارا باعتماد يوم 22 اذار من كل عام ليكون يوم المياه العالمي ليتم من خلاله توجيه انتباه دول وشعوب العالم الى اهمية المياه والى طبيعة وأبعاد المخاطر التي تتهدد مصادر المياه العذبة المتاحة والتي لا تقدر قيمتها البالغة بأي ثمن، وقد اصبح هذا اليوم يحمل في كل عام رسالة جديدة تتعلق بترشيد استخدامات المياه والحث على صون وحماية مصادرها الطبيعية، وفي هذه السنة يحمل يوم المياه العالمي رسالة الحفاظ على مصادر المياه العذبة من مخاطر الاستنزاف والتلوث والتأكيد على التعاون بين الدول لضمان الحماية والاستدامة.
كما دفعت طبيعة التحديات والمخاطرالمتزايدة الى تبني الأمم المتحدة خطة عمل استغرقت سنوات طويلة لإيجاد صيغ أدبية وقانونية بشأن الاستخدامات غير الملاحية لمياه المجاري الدولية، فشكلت لجان فنية متخصصة على مستوى الخبراء للشروع في اعداد اللوائح القانونية التي تساعد الدول المتشاطئة في التوصل الى اتفاقات عادلة ومرضية فيما بينها ووضع برامج للتعاون المشترك.
يقدر عدد أحواض الأنهار الدولية المشتركة في العالم أي التي تتشاطأ في حوضها اكثر من دولة 263 حوضا، منها 69 حوضا في القارة ألأوروبية وحدها، تليها إفريقيا 59 حوضا وآسيا 57 حوضا وامريكا الشمالية 40 حوضا وأمريكا الجنوبية 38 حوضا، تمتد هذه الأحواض الدولية المشتركة على مساحة تزيد عن 50% من إجمالي مساحة اليابسة للأرض ويقدر معدل تصريفها بنسبة 60 % من إجمالي المياه العذبة الموجودة في العالم ويبلغ عدد السكان الذين يعيشون ضمن مساحة هذه الأحواض بحوالي 40 % من إجمالي سكان المعمورة أي أكثر من 2.9 مليار شخص.
استرشادا بالنداءات والتوجيهات والإعلانات والتوصيات التي صدرت عن الأمم المتحدة ومؤسساتها المعنية بشأن التعاون وفض النزاعات حول ألأحواض الدولية المشتركة، واستدلالا والتزاما بالقانون الدولي وقواعده وأسسه ومبادئه الأدبية خاصة المتعلقة بالمياه، فقد تم خلال القرن الماضي التوصل الى اكثر من 380 إتفاقية دولية للتعاون بين الدول المتشاطئة بشأن التقاسم المنصف والمعقول لموارد مياه الحوض وتوليد الطاقة الكهرومائية والري والسياحة والمنشاءات المائية والتعاون الأقتصادي وما شابه ذلك وبما يخدم مصلحة وفائدة جميع الأطراف المعنية.
ويستدل من المعلومات المتعلقة بالدروس المكتسبة بشأن الخلافات حول المياه الدولية بأن غالبية الدول المتشاطئة لمجاري احواض المياه الدولية فضلت خيار الدخول في مفاوضات في ما بينها وتوصلت الى إتفاقيات للتعاون المشترك الذي يخدم مصالح الجميع، واستبعدت خيار المواجهة والصراع والحروب الخاطئة التي ليست في مصلحة أحد، والأمثلة كثيرة جدا في هذا الشأن منها على سبيل المثال لا الحصر: الخلافات التي نشبت بين الهند وباكستان حول نهر السند وانتهت الى إنشاء لجنة مشتركة لإدارة الحوض والخلاف الحاد الذي وتر العلاقات بين الأربع دول وهي تايلاند، كمبوديا لاووس وفيتنام وانتهى ايضا الى اتفاق حول إدارة مشتركة لحوض نهر الميكونغ والخلاف الكبير الذي نشأ بين كازاخستان وأوزباكستان حول نهر سيرذربا وانتهى الى اتفاق يتضن تقاسم المياه وتعاون في مجال توليد الطاقة وغيرها .
شهد العالم خلال القرن الماضي العديد من المؤتمرات والندوات واللقاءات على كافة المستويات حكومية وغير حكومية تركزت جميعها حول أهمية التطوير المؤسسي لأدارة أحواض المياه الدولية ودعت وشجعت الدول المتشاطئة لأبرام إتفاقيات للتعاون وفق المباديء وألتوجهيات التي وضعت في إطار قوانين وقرارات وتوصيات وندءات وبيانات لهذا الغرض ، ومن اهم تلك المبادرات والتوجهات نذكر على سبيل المثال لا الحصر ، ما صدر مبكرا عن معهد القانون الدولي بما سمي إعلان مدريد بشأن إستخدام المجاري المائية الدولية للأغراض غير الملاحية ، إعلان قواعد هلسنكي والتي تركزت حول معايير تقاسم المياه وفق مبدأ ألأستخدام المنصف للموارد المائية الدولية المشتركة وألألتزام بعدم التسبب في الضرر الملموس ، التصريحات الدولية لعام 1972 الصادرة عن مؤتمر ألأمم المتحدة المعني بالبيئة البشرية ، وألأعلانات الدولية لعام 1977 والقرارات التي تضمنها بيان دبلن والمنتدى العالمي للمياه عام 2000 ، وألأهم من كل ما اشرنا اليه ألأتفاقية الدولية التي صدرت عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1997 والتي تضمنت في مادتها الخامسة مبدأ ألأنتفاع المنصف والمعقول وألألتزام بعدم التسبب بالضرر الجسيم ، يضاف الى ما تقدم مصادر قانون المياه الدولي وهي مصادرالقانون الدولي التي حددتها المادة 38 من النظام ألأساسي لمحكمة العدل الدولية نفسها والمتمثلة بالمعاهدات العامة والخاصة والعرف الدولي والمبادئ العامة للقانون الدولي وأهمها مبداء ألأستخدام المنصف والمعقول لمصادر المياه المشتركة مدعما بالأحكام القضائية والفقه الدولي، ومن ضمنها ألأحكام القضائية الصادرة عن محكمة العدل الدولية والأجراءات التحكيمية بشأن العديد من حالات النزاع الدولية المتعلقه بالمجاري المائية المشتركة وألنصوص ألتشريعية وأحكام المعاهدات الخاصة بأستخدام الأنهار الدولية لغير الملاحة وتقع في اكثر من 300 معاهدة دولية وتعتبر بمثابة مراجع قانونية هامة جدا، يتم الأستناد اليها في النزاعت حول المياه الدولية، (خاصة وأن القانون ألدولي الأتفاقي أي المبني على النصوص الواردة ضمن الأتفاقيات الدولية غير ملزم وغير كاف نظرا لقلة عدد الدول الموقعة عل تلك الأتفاقيات،وفي مقدمة لك الدول اسرائيل التي رفضت التوقيع على كافة الأتفاقيات الدولية بشِان المجاري المائية المشتركة ومن ضمنها ألأتفاقية الأخيرة لعام 1997).
كما ان منظمات وهيئات حكومية وغير حكومية تعمل في مجال المياه أصدرت إعلانات وبيانات ودراسات عديدة وواسعة النطاق تحث المسؤولين والمتخصصين في العالم على إتخاذ ألأجراءات والترتيبات الصارمة والحازمة لدرء الخطر وإتخاذ ألأجراءات العملية لحماية مصادر المياه العذبة من مخاطر األأستنزاف والتلوث وعلى رأس تلك الجهات المنظمات التابعة للأمم المتحدة ، المجلس العالمي للمياه ، المجلس ألأوروبي لحماية البيئة ،منظمة التعاون ألأقتصادي والتنمية ، الجماعة ألأنمائية للجنوب ألأفريقي ، العديد من المنظمات ألأوروبية وغيرها .
هناك تطورات هامة جدا حدثت في مجال التعاون بين الدول المتشاطئة للأنهار الدولية فرضتها المصالح المشتركة، مدفوعة ومعززة بالحكمة السياسية لقادة تلك الدول وملتزمة بالمباديء ألأخلاقية وألأدبية والقانونية التي يقوم عليها القانون الدولي وللنداءات وألأعلانات الصادرة عن المؤسسات الدولية ، فقد سارعت تلك الدول الى إبرام إتفاقيات تعاون وألأمتناع عن الضرر في كل ما يهم المصلحة المشتركة مع دول الحوض الواحد إشتملت على التقاسم المنصف والمعقول لموارد المياه العذبة ، صيد ألأسماك السياحة وتوليد الطاقة الكهربائية ، وبذلك نجحت معظم الدول المتشاطئة في مجرى مائي واحد في إختيار التعاون وحسن الجوار بدلا عن الصراعات والخلافات والحروب التي ليست في مصلحة احد .
لقد قدمت ألأمم المتحدة قانون إتفاقية إستخدام المجاري الدولية لغير الملاحة لعام 1997 كمرجعية قانونية وأخلاقية وأدبية لدول العالم المتشاطئة في حوض واحد للألتزام وألأهتداء بنصوصها ولوضع صيغ وأليات للتعاون وتحقيق ألأهداف المرجوه التي تخدم مصلحة الجميع في ألأنتفاع بمياه الحوض ولضمان ديمومته وسلامة بيئته الطبيعية ، وقد أكدت هذه ألأتفاقية على مباديء عدة ،إستقرت عليها ألأتفاقيات الدولية وألأعراف ، وهي تتجلى بمبدأ ألأستخدام المنصف والمعقول للموارد المائيةالمشتركة المرتبط بمبدأ ألألتزام العام بالتعاون بين الدول ، حيث ان ألأنتفاع العادل والمنصف يلزم الدول المشتركة في مجرى مائي دولي بلأستخدامه وتطويره وحمايته بطريقة عادلة ومعقولة وان تفعل ذلك بروح التعاون الحقيقي ، كذلك فأن مبدأ عدم الحاق الضرر وواجب ألأخطار يعتبران من المباديء المستقرة في مجال ادارة وحماية , ألأنهار الدولية ، وهما مبدآن مرتبطان ، حيث يتوجب على جميع ألأطراف المتشاطئة ألا تلحق ضررا بألأخرين واجباتها ألأخلاقية تجاه حقوق ألأخرين .
إسرائيل فوق القانون الدولي وفوق المجتمع الدولي وغير معنية بما يصدر عن المؤسسات الدولية لان لسياستها المائية اهداف وأغراض أخرى لا تتماشى مع أدبيات المجتمع الدولي ولا مع قواعد ومباديء وأحكام القانون الدولي......
كافة ألممارسات وألأجراءات ألأسرائيلية التي نفذت في مجرى حوض نهر ألأردن وفي مجاري ألأحواض الجوفية المشتركة مع الأراضي الفلسطينية تتعارض وتتنافى كليا مع القانون الدولي ومع كافة المباديء وألأعراف التي اتبعتها معظم دول العالم في حل خلافاتها مع شركاءها وفي وضع اسس قانونية وأخلاقية للتعاون لفائدة المصلحة المشتركة
يحي العالم يوم المياه العالمي الذي يحمل شعارا له أهميته البالغة وهو التحذير والتنبيه للمجتمع الدولي للحفاظ على مصادر المياه العذبة من مخاطر ألأستنزاف والتلوث والنضوب .
معظم دول لعالم وكما اوردنا أعلاه إستجابت للدعوات والنداءات التي صدرت عن مؤسسلت وهيئات ألأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية ألأخرى بشأن حماية وصون مصادر المياه العذبة وسارعت تلك الدول مبكرا الى حل خلافاتها مع شركاءها في ألأحواض المشتركة والتعاون في حماية تلك الأحواض وصونها وتجنب الخلافات واصراعات بشأنها .
اما إسرائيل التي لا تعترف بالقانون الدولي وغير معنية بالدعوات والنداءات الصادرة عن الهيئات والمنظمات الدولية وغير مستعدة لأن تحذوا حذو الدول ألأخرى ، لأن سياستها المائية تتعارض مع النظم القانونية ومع أخلاقيات المياه ولا تريد ان تعترف بحقوق الأخرين وكأن نهر ألأردن هو نهر إسرائيلي وغيرمسموح للأخرين ان يشربوا من مياهه وكأن مياه ألأمطار التي تسقط فوق مناطق الضفة الغربية ليست من حق الفلسطينيين وكأن الفلسطينيين ليسوا بشرا وليسوا بحاجة للمياه مثلهم مثل غيرهم ،
فقد سيطرت إسرائيل بالقوة العسكرية على معظم موارد حوض نهر ألأردن وعلى أحواض المياه الجوفية المشتركة مع الفلسطينيين وقامت بتنفيذ العديد من الممارسات وألأجراءات المخالفة للقانون الدولي ضاربة بعرض الحائط كل القيم وكل العوات وكل القوانين وألأعراف المتعلقة بحقوق المياه ، نورد هنا بعض من تلك الممارسات وألأجراءات :
• تجفيف بحيرة الحولة
تجفيف بحيرة الحولة: إن استراتيجية اسرائيل في نسف نظام الهدنه كانت واضحة في مشروع تجفيف بحيرة الحولة ، ففي الفترة ما بين، ففي الفترة مابين كانون الثاني- أذار 1951 اطلقت اسرائيل مشروع تجفيف وري منطقة بحيرة الحولة على الضفة الغربية في الجزء العلوي لنهر الأردن ويقع وادي الحولة في القطاع الشمالي الشرقي من اسرائيل قريبا من الحدود السورية وأهمية بحيرة الحولة الرئيسية تتعلق بنهر الأردن الذي يستمد مياهه الأساسية من ثلاثة روافد اساسية الدان ، بانياس والحاصباني .
وقبل إنهاء اسرائيل لمشروع تجفيف بحيرة الحولة عام 1958 كان نهر ألأردن يمر عبر مستنقعات ومدي الحولة ويخرج من الطرف الجنوبي للبحيرة وكان الشاطيء الشرقي للبحيرة والوادي الجنوبي ضمن المنطقة المجردة من السلاح ، لذلك كانت اسرائيل تهدف من عملية التجفيف السيطرة وألأستيلاء على المنطقة المجردة والحصول على ما لايقل عن 100 مليون متر مكعب من مياه النهر لري 250 الف دونم من اراضي سهل الحولة ، كما وفرت خطة التجفيف ألأساس لأنشاء محطة توليد الطاقة بين بحيرة الحولة وبحيرة طبريا .
تشكل بحيرة الحولة جزءا طبيعيا وهيدرولوجيا هاما من الحوض الرئيسي لنهر ألأردن وهو حوض دولي تتشاطيء فية خمسة أطراف ولا يجوز للأسرائيلين القيام بهذا العمل المخالف للقانون الدولي ، خاصة وان ألأجراء الأسرائيلي تسبب بالحاق اضرار بالغة في بيئة الحوض ونظامه المائي نظرا لموقع البحيرة وتركيبها الجيولوجي وأهمية ذلك على نظام التوازن الهيدرولوجي للجزء العلوي من الحوض إمتدادا حتى بحيرة طبريا لذلك فأن ألأجراءات ألأسرائيلية في تجفيف بحيرة الحولة تشكل مخالفة قانونية فاضحة وجريمة بحق البيئة الطبيعية وبحق ألأنسانية .
ضخ المياه خارج منطقة الحوض : أقام ألأسرائيليون محطات ضخ على الشاطيء الغربي لبحيرة طبريا يجري من خلالها ضخ ما معدله 450 الى 550 مليون متر مكعب سنويا من البحيرة ، وتنقل هذه المياه بواسطة الخط الناقل القطري الى مناطق السهل الساحلي وحتى شمال النقب لري مزارع القطن والمحاصيل الزراعية ألأخرى . وبهذا العمل يرتكب ألأسرائيليون مخالفة كبرى وفق قواعد القانون الدولي بنقل مياه الحوض خارج حدوده بل سرقة حقوق ألأخرين في الحوض ونقلها الى مناطق خارج الحوض ، والحاق الضرر الكبير والمباشر بصالح ألأطراف المشاطئة ألأخرى.
تدمير البيئة الطبيعية لبحيرة طبريا والتسبب في زيادة معدل تركيز الملوحة في مياهها:
نتيجة لعمليات الضخ الجارية لأكثر من 140 مليون متر مكعب من مجرى نهر ألأردن العلوي قبل وصوله الى بحيرة طبريا لري ألأراضي الزراعية التي إستصلحت في منطقة سهل الحولة بعد عملية تجفيف البحيرة ، مع إستخدام ألأسمدة العضوية بكميات هائلة في مناطق سهل الحولة ، وضخ مستمر لأكثر من 550 مليون متر مكعب من بحيرة طبريا عبر الخط الناقل، فأن هذا ألأجراءات قد تسببت في إرتفاع كبير لتركيز معدل الملوحة (الكلوريد) في بحيرة طبريا من 230 قبل عام 1966 الى أكثر من 750 ميليغرام حاليا وتلويث مياه البحيرة بمواد عضوية ضارة، كما ان عمليات الضخ المتواصلة من الجزء العلوي للحوض ومن بحيرة طبريا ، ادت الى تراجع المياه وانكماش شواطيء البحيرة الى مسافات كبيرة اصبحت تلحق ضررا كبيرا للبيئة الطبيعية للبحيرة . ( نذكر بحادثة تلوث مياه الشرب في مدينة عمان قبل عدة سنوات بسبب التلوث العضوي الذي كانت تحتويه المياه المزودة لمدينة عمان من بحيرة طبريا )
تعتبر بيحيرة طبريا الخزان الطبيعي لحوض نهر ألأردن وتشكل جزءا رئيسيا من حوضه وبالتالي فهذه البحيرة ليست ملكا للأسرائليين وليس من حقهم التصرف على هذا النحو بطبيعة وبيئة لالبحيرة وسرقة مياهها وتحويلها الى مناطق خارج حدود الحوض، وهذا امر فاضح يتعارض مع القانون الدولي ومع كافة مرجعياته وأعرافه ...
تدمير الجزء الجنوبي من حوض نهر الأردن :ادت النشاطات وألأعمال التي قام بها ألأسرائيليون في منطقة حوض بحيرة طبريا الى تدمير بيئة الجزء السفلي من النهر وجفاف وتلوث مياه هذا الجزء ، بدءا من مخرجه جنوب البحيرة وحتى مصبه في البحر الميت وتحوله الى جدول صغير تجري فيه مياه الينابيع المالحة ومياه المجاري والسوائل الملوثة ، ومن تلك النشاطات وألأعمال المخالفة للقانون الدولي ولكافة القوانين والتشريعات المتعلقة بحماية البيئية والصحة العامة نذكر ألأتي:
إغلاق منطقة مخرج النهر من الجزء الجنوبي للبحيرة بتركيب بوابات ضخمة على المخرج بهدف وقف تدفق المياه من البحيرة الى الجزء الجنوبي للحوض بشكل كامل ، وبالتالي لم تعد تجري المياه في هذا الجزء منذ إغلاق مخرجه عام 1965 .
تحويل مياه الينابيع الجانبية لبحيرة طبريا وهي مجموعة الينابيع المالحة الى المجرى السفلي للحوض ويقدر معدل تصريف تلك الينابيع بحوالي 40 مليون متر مكعب.
تحويل مياه المجاري غير المعالجة ومياه برك ألأسماك القذرة والمخلفات الصناعية السائلة من منطقة بيسان الى المجرى السفلي للنهر الذي حولته إسرائيل الى مكب منذ العام 1966
منع الفلسطينيين من إستكمال مشروع بناء قناة الغور الغربية الذي كان قد بداء العمل فيها بدعم من الحكومة ألأمريكية بالتوازي مع قناة الغور الشرقية
تدمير كافة المنشاءات ومحطات الضخ التي كانت مقامة على الجانب الغربي لنهر ألأردن والتي كانت تستخدم لري أراضي الأغوار الفلسطينية على مساحة مروية تتجاوز 40000 دونم وكانت تشكل سلة الخضار بالنسبة للفلسطينيين ، كما قام الجيش ألأسرائيلي بأبعاد الفلسطينيين عن ضفة النهر وإغلاق المنطقة وإعتبارها منطقة عسكرية ، مما ادى الى الحاق اضرار جسيمة لحياة الفلسطينيين ، وما قامت به إسرائيل بهذا الشأن يخالف القانون الدولي والقانون الأنساني وقوانين البيءة وقوانين الشريعة السماوية وألأخلاقية والدينية ....
تدمير بيئة البحر الميت نتيجة لأغلاق إسرائيل لمخارج النهر في الجزء الجنوبي من بحيرة طبريا والقيام بتحويل مياه الفياضانات من حوض نهراليرموك الى بحيرة طبريا ، فقد تحولت منطقة ملتقى النهرين (ملتقى نهر الأردن مع نهر اليرموك) الى منطقة شبه صحراوية لم تعد تصلها المياه منذ اكثر من 20 عاما بأستثناء كما ذكرنا تصريف مياه الينابيع العالية الملوحة وميا المجاري والسوائل القذرة القادمة من منطقة بيسان .
كان نهر ألأردن يحمل سنويا معدل 1320 مليون متر مكعب كتصريف دائم يصب في البحر الميت ، وخلال السنوات الماطرة كان يتجاوز تصريف النهر كما اشرنا سابقا الى حوالي 2200 مليون متر مكعب بعد إغلاق المخارج للجزء الجنوبي وضخ كامل تصريف الحوض العلوي الى مناطق سهل الحولة والى مناطق السهل الساحلي وشمال النقب ، لم تعد تصل البحر الميت اية كميات من تصريف الحوض بشكل كامل بأستثناء 40 الى 50 مليون متر مكعب من تصريف الينابيع المالحة ومياه المجاري وكميات محدودودة جدا قد لا تزيد على 20 مليون متر مكعب ناتجة عن مياه السيول الموسمية من جبال الأردن .
أدى هذا الوضع تدريجيا الى حدوث إنكماش وتراجع كبير في المساحة المائية لبحر الميت من 1200 كيلو متر مربع قبل العام 1965 الى اقل من 500 كيلو متر مربع حالي ، مع هبوط في مستوى سطح المياه الى اكثر من 40 متر خلال نفس الفترة المشار اليها ، ويعتقد حسب بعض الخبراء ان تضمحل وتختفي كليا المساحة المائية المتبقية خلال ال 50 عاما القادمة ، حيث ان البحر الميت يفقد سنويا اكثر من الف مليون متر مكعب نتيجة التبخر ولم تعد توجد مصادر مياه لتعوض الخسارة ، مما يؤدي الى حصول الهبوط في مستوى سطح المياه بمعدل متر سنويا .
التراجع الكبير في مساحة البحر الميت وهبوط مستوى المياه اصبح يشكل تهديدا كبيرا لسلامة وامان شواطئه بسبب نشوء الحفر ألأنهدامية على إمتداد الشاطيء والتي تشكل خطورة بالغة على حياة السواح ،وكذلك على المنشاءات السياحية والصناعية المقامة
يعتبر موقع البحر الميت أخفض منطقة في العالم ويشكل منتجعا صحيا وعلاجيا وسياحيا فريدا من نوعة نظرا لخصوصيات البيئة الطبيعية الجميلة ونوعية وتركيبة مياهه المالحة والتي تحتوي على كافة ألأملاح والعناصر العلاجية للجلد والعظام والصحة العامة .
جاري إستكمال الدراسات لمشروع نقل المياه من البحر ألأحمر الى البحر الميت من خلال قناة بطول 220 كيلو متر ، تأمل حكومة ألأردن وهي ألأكثر حماسا لهذا المشروع ان تنجح في تنفيذه بدعم دولي بهدف حماية بيئة البحر وألأستفادة من اسقاط المياه المنقولة بمعدل 1100 مليون متر مكعب سنويا ، لتوليد الطاقة الكهربائية ولتحلية جزء كبير من هذه الكميات بأستخدام مصادر الطاقة الرخيصة التي سيتم الحصول عليها من المشروع نفسه .
لا نعتقد حسب وجهة نظرنا ان مشروع نقل المياه من البحر الأحمر الى البحر الميت سيكون بمثابة الحل الصحيح ، وذلك لأسباب بيئية وغير بيئية عديدة والحل الوحيد وألأفضل وألأمثل هو إعادة مياه نهر ألأردن لتصب في البحر الميت كما كانت عليه في السابق ، هذا إذا ما اريد للبحر الميت ان لا يموت وان لا يضمحل ويختفي ، فحماية هذا المعلم الطبيعي الفريد وفوائده السياحية والعلاجية الهامة تفرض على الجميع التضحية والتوقف عن هدر مياه الحوض في زراعة القطن وغيرها من المحاصيل الزراعية التي لا تساوي شيء مقارنة بأهمية البحر الميت .
إسرائيل هي المسؤولة بالدرجة ألأولى عن دمار بيئة هذه البحيرة الطبيعية الجميلة لأنها تستخدم معظم مياه الحوض في الزراعة وتغلق مخارجه وتمنع وصول المياه الى مجراه الطبيعي ، وهذا ألأمر يعتبر مخالفة للقانون الدولي ولكافة ألأنظمة والتشريعات البيئية التي أقرتها المؤسسات والمنظمات الدولية بشأن مجاري ألأنهر الدولية وبشأن البيئة المائية .
إستنزاف لنظام الأحواض المائية الجوفية وتحويل ميهها الى مناطق السهل الساحلي من خلالحفر شبكة واسعة من ألأبار العميقة على إمتداد الخط ألأخضر يزيد عددها على 550 بئرا عميقا بأنتاجية تصل في بعضها الى أكث من 1500 متر مكعب في الساعة ، تشكل شبكة إمتصاصية تتحكم بمياه الحوضين الغربي والشمالي الشرقي بشكل كامل وتحرم ، ادت الى إستنزاف كامل لمصادر المياه العذبة والمتجددة في هذين الحوضين وجفاف معظم ألأبار الزراعية الفلسطينية داخل مناطق جنين وطولكرو وقلقيلية تدمير شبه كامل للحوض الساحلي بسبب عمليات الأستنزاف القصوي وإتساع مناطق الملوحة العاللية وتلويث الحوض بمياه المجاري المعالجة ثنائيا فقط من خلال شبكة من ابار الحقن الصناعي التي تم حفرها في عدة مناطق من الحوض وخاصة جنوب شرق تل ابيل في منطقة ريشون ليسيون حيث يجري هناك حقن باطني للأكثر من 200 مليون متر مكعب سنوي.
التسبب في تدمير ألأحواض المائية الجوفية في قطاع غزة نتيجة لحرمان الفلسطينيين من حقوقهم المائية وخاصة حقوق ألأنتفاع في مياه حوض نهر ألأردن وتحويل جزء من تلك المياه الى قطاع غزه لتخفيف الضغط على الطبقات الحاملة للمياه الجوفية في القطاع ، ألأمر الذي ادى الى حالة من ألأستنزاف الشبه كامل لتلك الطبقات وتعرضها للملوحة البحرية العالية .
ألأثار السلبية للسياسة المائية الأسرائيلية المدمرة لقطاع المياه على مدى العقود الستة الماضية :
على لسان ألأسرائيليين انفسهم فلقد كشفت عدة تقارير اعدتها لجان رسمية إسرائيلية من ضمنها لجان برلمانية شكلت من أعضاء في الكنيست ألأسرائيلي وخبراء ومختصين من جهات حكومية وغير حكومية أخرى بشأن تقييم الوضع المائي في إسرائيل ، وقد أجمعت معظم اللجان بأن هناك تجاوزات وأخطاء كبيرة جدا ارتكبت في مجال المياه وخاصة ما يتعلق بالسياسة المائية ألأسرائيلية خلال العقود الستة الماضية ، حيث يستدل من ذلك تعريض مصادر المياه العذبة الى حالات ألأستنزاف القصوي وتدمير الجزء ألأكبر من نظام الأحواض المائية الجوفية وكذلك حوض بحيرة طبريا بسبب الضخ الزائد والمستمر من تلك ألأحواض ، وتؤكد تقارير اللجان المشكلة بأن السبب الرئيسي وراء ذلك يعود بالدرجة ألأولى الى تحكم اللوبي الزراعي في قرار السياسة المائية ألأسرائيلية من خلال ما يعرف بمجلس المياه الوطني الذي يسيطر عليه ما يعرفوا بحيتان المزارعين .
فهل أخطاء السياسة المائية المتكررة هي أخطاء تقنية يرتكبها المخططون وخبراء المياه ، أم ان تلك ألأخطاء جزء من السياسة المائية لها إهدافها وأغراضها التي تتجاوز السياسة المائية وواضعيها ، وهذه هي الحقيقة التي تثبتها الوقائع على ألأرض بما هو حاصل من دمار كبير وشبه شامل للأحواض المائية الجوفية والسطحية على السواء ووفق ما أشرنا اليه أعلاه .
تتشكل مصادر المياه العذبة والتي تعرف بمصادر المياه االطبيعية والتقليدية، من مياه ألأمطار السنوية ومن ذوبان الثلوج التي تسقط فوق الجبال والهضاب المرتفعة، وتتحول الى جريان سطحي عبر ألأنهار والأودية، كما تتسرب كميات كبيرة الى باطن ألأرض عبر الطبقات السطحية لتستقر في الطبقات الصخرية النافذة وتشكل ما يعرف بالأحواض المائية الجوفية.
ونتيجة للنمو السكاني والتطور العمراني والحضري والصناعي الهائل والتغيير الكبير في نمط الحياة وما يصاحب ذلك من تغييرات مناخية كبيرة وارتفاع متدرج في درجات الحرارة وتراجع الأمطار وارتفاع معدلات التبخر، وهو ما أصبح يشكل ضغطا كبيرا على مصادر المياه العذبة، حيث باتت تظهر مؤشرات خطيرة في تراجع كبير في حجم الطاقة المائية العذبة المتاحة المتجددة منها وغير المتجددة، بالتوازي مع مؤشرات تردي نوعية المياه السطحية والجوفية مما زاد من مخاوف العديد من دول العام التي تواجه مشاكل نقص وتردٍ في نوعية المياه العذبة، ودفع الى نشوب صراعات قوية على مياه الأنهار الدولية وكذلك الأمر على الأحواض المائية الجوفية (مجاري الأحواض السطحية والجوفية الدولية المشتركة).
في ظل بروز التحديات المائية المخيفة ومع ازدياد الخلافات والصراعات على مصادر المياه العذبة المشتركة، سارعت مؤسسة الأمم المتحدة الى العمل في مواجهة هذه التهديدات لإيجاد صيغ من التوجيهات والمرجعيات الأدبية والقانونية في محاولة لتدارك إبعاد المخاطر المواجهة ولترشيد ادارة المياه على نحو امثل وتحفيز الدول المتشاطئة على التعاون المبني على احترام الحقوق المائية لكل دولة مشاطئة.
وفي إطار جهودها تبنت الجمعية العامة قرارا باعتماد يوم 22 اذار من كل عام ليكون يوم المياه العالمي ليتم من خلاله توجيه انتباه دول وشعوب العالم الى اهمية المياه والى طبيعة وأبعاد المخاطر التي تتهدد مصادر المياه العذبة المتاحة والتي لا تقدر قيمتها البالغة بأي ثمن، وقد اصبح هذا اليوم يحمل في كل عام رسالة جديدة تتعلق بترشيد استخدامات المياه والحث على صون وحماية مصادرها الطبيعية، وفي هذه السنة يحمل يوم المياه العالمي رسالة الحفاظ على مصادر المياه العذبة من مخاطر الاستنزاف والتلوث والتأكيد على التعاون بين الدول لضمان الحماية والاستدامة.
كما دفعت طبيعة التحديات والمخاطرالمتزايدة الى تبني الأمم المتحدة خطة عمل استغرقت سنوات طويلة لإيجاد صيغ أدبية وقانونية بشأن الاستخدامات غير الملاحية لمياه المجاري الدولية، فشكلت لجان فنية متخصصة على مستوى الخبراء للشروع في اعداد اللوائح القانونية التي تساعد الدول المتشاطئة في التوصل الى اتفاقات عادلة ومرضية فيما بينها ووضع برامج للتعاون المشترك.
يقدر عدد أحواض الأنهار الدولية المشتركة في العالم أي التي تتشاطأ في حوضها اكثر من دولة 263 حوضا، منها 69 حوضا في القارة ألأوروبية وحدها، تليها إفريقيا 59 حوضا وآسيا 57 حوضا وامريكا الشمالية 40 حوضا وأمريكا الجنوبية 38 حوضا، تمتد هذه الأحواض الدولية المشتركة على مساحة تزيد عن 50% من إجمالي مساحة اليابسة للأرض ويقدر معدل تصريفها بنسبة 60 % من إجمالي المياه العذبة الموجودة في العالم ويبلغ عدد السكان الذين يعيشون ضمن مساحة هذه الأحواض بحوالي 40 % من إجمالي سكان المعمورة أي أكثر من 2.9 مليار شخص.
استرشادا بالنداءات والتوجيهات والإعلانات والتوصيات التي صدرت عن الأمم المتحدة ومؤسساتها المعنية بشأن التعاون وفض النزاعات حول ألأحواض الدولية المشتركة، واستدلالا والتزاما بالقانون الدولي وقواعده وأسسه ومبادئه الأدبية خاصة المتعلقة بالمياه، فقد تم خلال القرن الماضي التوصل الى اكثر من 380 إتفاقية دولية للتعاون بين الدول المتشاطئة بشأن التقاسم المنصف والمعقول لموارد مياه الحوض وتوليد الطاقة الكهرومائية والري والسياحة والمنشاءات المائية والتعاون الأقتصادي وما شابه ذلك وبما يخدم مصلحة وفائدة جميع الأطراف المعنية.
ويستدل من المعلومات المتعلقة بالدروس المكتسبة بشأن الخلافات حول المياه الدولية بأن غالبية الدول المتشاطئة لمجاري احواض المياه الدولية فضلت خيار الدخول في مفاوضات في ما بينها وتوصلت الى إتفاقيات للتعاون المشترك الذي يخدم مصالح الجميع، واستبعدت خيار المواجهة والصراع والحروب الخاطئة التي ليست في مصلحة أحد، والأمثلة كثيرة جدا في هذا الشأن منها على سبيل المثال لا الحصر: الخلافات التي نشبت بين الهند وباكستان حول نهر السند وانتهت الى إنشاء لجنة مشتركة لإدارة الحوض والخلاف الحاد الذي وتر العلاقات بين الأربع دول وهي تايلاند، كمبوديا لاووس وفيتنام وانتهى ايضا الى اتفاق حول إدارة مشتركة لحوض نهر الميكونغ والخلاف الكبير الذي نشأ بين كازاخستان وأوزباكستان حول نهر سيرذربا وانتهى الى اتفاق يتضن تقاسم المياه وتعاون في مجال توليد الطاقة وغيرها .
شهد العالم خلال القرن الماضي العديد من المؤتمرات والندوات واللقاءات على كافة المستويات حكومية وغير حكومية تركزت جميعها حول أهمية التطوير المؤسسي لأدارة أحواض المياه الدولية ودعت وشجعت الدول المتشاطئة لأبرام إتفاقيات للتعاون وفق المباديء وألتوجهيات التي وضعت في إطار قوانين وقرارات وتوصيات وندءات وبيانات لهذا الغرض ، ومن اهم تلك المبادرات والتوجهات نذكر على سبيل المثال لا الحصر ، ما صدر مبكرا عن معهد القانون الدولي بما سمي إعلان مدريد بشأن إستخدام المجاري المائية الدولية للأغراض غير الملاحية ، إعلان قواعد هلسنكي والتي تركزت حول معايير تقاسم المياه وفق مبدأ ألأستخدام المنصف للموارد المائية الدولية المشتركة وألألتزام بعدم التسبب في الضرر الملموس ، التصريحات الدولية لعام 1972 الصادرة عن مؤتمر ألأمم المتحدة المعني بالبيئة البشرية ، وألأعلانات الدولية لعام 1977 والقرارات التي تضمنها بيان دبلن والمنتدى العالمي للمياه عام 2000 ، وألأهم من كل ما اشرنا اليه ألأتفاقية الدولية التي صدرت عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1997 والتي تضمنت في مادتها الخامسة مبدأ ألأنتفاع المنصف والمعقول وألألتزام بعدم التسبب بالضرر الجسيم ، يضاف الى ما تقدم مصادر قانون المياه الدولي وهي مصادرالقانون الدولي التي حددتها المادة 38 من النظام ألأساسي لمحكمة العدل الدولية نفسها والمتمثلة بالمعاهدات العامة والخاصة والعرف الدولي والمبادئ العامة للقانون الدولي وأهمها مبداء ألأستخدام المنصف والمعقول لمصادر المياه المشتركة مدعما بالأحكام القضائية والفقه الدولي، ومن ضمنها ألأحكام القضائية الصادرة عن محكمة العدل الدولية والأجراءات التحكيمية بشأن العديد من حالات النزاع الدولية المتعلقه بالمجاري المائية المشتركة وألنصوص ألتشريعية وأحكام المعاهدات الخاصة بأستخدام الأنهار الدولية لغير الملاحة وتقع في اكثر من 300 معاهدة دولية وتعتبر بمثابة مراجع قانونية هامة جدا، يتم الأستناد اليها في النزاعت حول المياه الدولية، (خاصة وأن القانون ألدولي الأتفاقي أي المبني على النصوص الواردة ضمن الأتفاقيات الدولية غير ملزم وغير كاف نظرا لقلة عدد الدول الموقعة عل تلك الأتفاقيات،وفي مقدمة لك الدول اسرائيل التي رفضت التوقيع على كافة الأتفاقيات الدولية بشِان المجاري المائية المشتركة ومن ضمنها ألأتفاقية الأخيرة لعام 1997).
كما ان منظمات وهيئات حكومية وغير حكومية تعمل في مجال المياه أصدرت إعلانات وبيانات ودراسات عديدة وواسعة النطاق تحث المسؤولين والمتخصصين في العالم على إتخاذ ألأجراءات والترتيبات الصارمة والحازمة لدرء الخطر وإتخاذ ألأجراءات العملية لحماية مصادر المياه العذبة من مخاطر األأستنزاف والتلوث وعلى رأس تلك الجهات المنظمات التابعة للأمم المتحدة ، المجلس العالمي للمياه ، المجلس ألأوروبي لحماية البيئة ،منظمة التعاون ألأقتصادي والتنمية ، الجماعة ألأنمائية للجنوب ألأفريقي ، العديد من المنظمات ألأوروبية وغيرها .
هناك تطورات هامة جدا حدثت في مجال التعاون بين الدول المتشاطئة للأنهار الدولية فرضتها المصالح المشتركة، مدفوعة ومعززة بالحكمة السياسية لقادة تلك الدول وملتزمة بالمباديء ألأخلاقية وألأدبية والقانونية التي يقوم عليها القانون الدولي وللنداءات وألأعلانات الصادرة عن المؤسسات الدولية ، فقد سارعت تلك الدول الى إبرام إتفاقيات تعاون وألأمتناع عن الضرر في كل ما يهم المصلحة المشتركة مع دول الحوض الواحد إشتملت على التقاسم المنصف والمعقول لموارد المياه العذبة ، صيد ألأسماك السياحة وتوليد الطاقة الكهربائية ، وبذلك نجحت معظم الدول المتشاطئة في مجرى مائي واحد في إختيار التعاون وحسن الجوار بدلا عن الصراعات والخلافات والحروب التي ليست في مصلحة احد .
لقد قدمت ألأمم المتحدة قانون إتفاقية إستخدام المجاري الدولية لغير الملاحة لعام 1997 كمرجعية قانونية وأخلاقية وأدبية لدول العالم المتشاطئة في حوض واحد للألتزام وألأهتداء بنصوصها ولوضع صيغ وأليات للتعاون وتحقيق ألأهداف المرجوه التي تخدم مصلحة الجميع في ألأنتفاع بمياه الحوض ولضمان ديمومته وسلامة بيئته الطبيعية ، وقد أكدت هذه ألأتفاقية على مباديء عدة ،إستقرت عليها ألأتفاقيات الدولية وألأعراف ، وهي تتجلى بمبدأ ألأستخدام المنصف والمعقول للموارد المائيةالمشتركة المرتبط بمبدأ ألألتزام العام بالتعاون بين الدول ، حيث ان ألأنتفاع العادل والمنصف يلزم الدول المشتركة في مجرى مائي دولي بلأستخدامه وتطويره وحمايته بطريقة عادلة ومعقولة وان تفعل ذلك بروح التعاون الحقيقي ، كذلك فأن مبدأ عدم الحاق الضرر وواجب ألأخطار يعتبران من المباديء المستقرة في مجال ادارة وحماية , ألأنهار الدولية ، وهما مبدآن مرتبطان ، حيث يتوجب على جميع ألأطراف المتشاطئة ألا تلحق ضررا بألأخرين واجباتها ألأخلاقية تجاه حقوق ألأخرين .
إسرائيل فوق القانون الدولي وفوق المجتمع الدولي وغير معنية بما يصدر عن المؤسسات الدولية لان لسياستها المائية اهداف وأغراض أخرى لا تتماشى مع أدبيات المجتمع الدولي ولا مع قواعد ومباديء وأحكام القانون الدولي......
كافة ألممارسات وألأجراءات ألأسرائيلية التي نفذت في مجرى حوض نهر ألأردن وفي مجاري ألأحواض الجوفية المشتركة مع الأراضي الفلسطينية تتعارض وتتنافى كليا مع القانون الدولي ومع كافة المباديء وألأعراف التي اتبعتها معظم دول العالم في حل خلافاتها مع شركاءها وفي وضع اسس قانونية وأخلاقية للتعاون لفائدة المصلحة المشتركة
يحي العالم يوم المياه العالمي الذي يحمل شعارا له أهميته البالغة وهو التحذير والتنبيه للمجتمع الدولي للحفاظ على مصادر المياه العذبة من مخاطر ألأستنزاف والتلوث والنضوب .
معظم دول لعالم وكما اوردنا أعلاه إستجابت للدعوات والنداءات التي صدرت عن مؤسسلت وهيئات ألأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية ألأخرى بشأن حماية وصون مصادر المياه العذبة وسارعت تلك الدول مبكرا الى حل خلافاتها مع شركاءها في ألأحواض المشتركة والتعاون في حماية تلك الأحواض وصونها وتجنب الخلافات واصراعات بشأنها .
اما إسرائيل التي لا تعترف بالقانون الدولي وغير معنية بالدعوات والنداءات الصادرة عن الهيئات والمنظمات الدولية وغير مستعدة لأن تحذوا حذو الدول ألأخرى ، لأن سياستها المائية تتعارض مع النظم القانونية ومع أخلاقيات المياه ولا تريد ان تعترف بحقوق الأخرين وكأن نهر ألأردن هو نهر إسرائيلي وغيرمسموح للأخرين ان يشربوا من مياهه وكأن مياه ألأمطار التي تسقط فوق مناطق الضفة الغربية ليست من حق الفلسطينيين وكأن الفلسطينيين ليسوا بشرا وليسوا بحاجة للمياه مثلهم مثل غيرهم ،
فقد سيطرت إسرائيل بالقوة العسكرية على معظم موارد حوض نهر ألأردن وعلى أحواض المياه الجوفية المشتركة مع الفلسطينيين وقامت بتنفيذ العديد من الممارسات وألأجراءات المخالفة للقانون الدولي ضاربة بعرض الحائط كل القيم وكل العوات وكل القوانين وألأعراف المتعلقة بحقوق المياه ، نورد هنا بعض من تلك الممارسات وألأجراءات :
• تجفيف بحيرة الحولة
تجفيف بحيرة الحولة: إن استراتيجية اسرائيل في نسف نظام الهدنه كانت واضحة في مشروع تجفيف بحيرة الحولة ، ففي الفترة ما بين، ففي الفترة مابين كانون الثاني- أذار 1951 اطلقت اسرائيل مشروع تجفيف وري منطقة بحيرة الحولة على الضفة الغربية في الجزء العلوي لنهر الأردن ويقع وادي الحولة في القطاع الشمالي الشرقي من اسرائيل قريبا من الحدود السورية وأهمية بحيرة الحولة الرئيسية تتعلق بنهر الأردن الذي يستمد مياهه الأساسية من ثلاثة روافد اساسية الدان ، بانياس والحاصباني .
وقبل إنهاء اسرائيل لمشروع تجفيف بحيرة الحولة عام 1958 كان نهر ألأردن يمر عبر مستنقعات ومدي الحولة ويخرج من الطرف الجنوبي للبحيرة وكان الشاطيء الشرقي للبحيرة والوادي الجنوبي ضمن المنطقة المجردة من السلاح ، لذلك كانت اسرائيل تهدف من عملية التجفيف السيطرة وألأستيلاء على المنطقة المجردة والحصول على ما لايقل عن 100 مليون متر مكعب من مياه النهر لري 250 الف دونم من اراضي سهل الحولة ، كما وفرت خطة التجفيف ألأساس لأنشاء محطة توليد الطاقة بين بحيرة الحولة وبحيرة طبريا .
تشكل بحيرة الحولة جزءا طبيعيا وهيدرولوجيا هاما من الحوض الرئيسي لنهر ألأردن وهو حوض دولي تتشاطيء فية خمسة أطراف ولا يجوز للأسرائيلين القيام بهذا العمل المخالف للقانون الدولي ، خاصة وان ألأجراء الأسرائيلي تسبب بالحاق اضرار بالغة في بيئة الحوض ونظامه المائي نظرا لموقع البحيرة وتركيبها الجيولوجي وأهمية ذلك على نظام التوازن الهيدرولوجي للجزء العلوي من الحوض إمتدادا حتى بحيرة طبريا لذلك فأن ألأجراءات ألأسرائيلية في تجفيف بحيرة الحولة تشكل مخالفة قانونية فاضحة وجريمة بحق البيئة الطبيعية وبحق ألأنسانية .
ضخ المياه خارج منطقة الحوض : أقام ألأسرائيليون محطات ضخ على الشاطيء الغربي لبحيرة طبريا يجري من خلالها ضخ ما معدله 450 الى 550 مليون متر مكعب سنويا من البحيرة ، وتنقل هذه المياه بواسطة الخط الناقل القطري الى مناطق السهل الساحلي وحتى شمال النقب لري مزارع القطن والمحاصيل الزراعية ألأخرى . وبهذا العمل يرتكب ألأسرائيليون مخالفة كبرى وفق قواعد القانون الدولي بنقل مياه الحوض خارج حدوده بل سرقة حقوق ألأخرين في الحوض ونقلها الى مناطق خارج الحوض ، والحاق الضرر الكبير والمباشر بصالح ألأطراف المشاطئة ألأخرى.
تدمير البيئة الطبيعية لبحيرة طبريا والتسبب في زيادة معدل تركيز الملوحة في مياهها:
نتيجة لعمليات الضخ الجارية لأكثر من 140 مليون متر مكعب من مجرى نهر ألأردن العلوي قبل وصوله الى بحيرة طبريا لري ألأراضي الزراعية التي إستصلحت في منطقة سهل الحولة بعد عملية تجفيف البحيرة ، مع إستخدام ألأسمدة العضوية بكميات هائلة في مناطق سهل الحولة ، وضخ مستمر لأكثر من 550 مليون متر مكعب من بحيرة طبريا عبر الخط الناقل، فأن هذا ألأجراءات قد تسببت في إرتفاع كبير لتركيز معدل الملوحة (الكلوريد) في بحيرة طبريا من 230 قبل عام 1966 الى أكثر من 750 ميليغرام حاليا وتلويث مياه البحيرة بمواد عضوية ضارة، كما ان عمليات الضخ المتواصلة من الجزء العلوي للحوض ومن بحيرة طبريا ، ادت الى تراجع المياه وانكماش شواطيء البحيرة الى مسافات كبيرة اصبحت تلحق ضررا كبيرا للبيئة الطبيعية للبحيرة . ( نذكر بحادثة تلوث مياه الشرب في مدينة عمان قبل عدة سنوات بسبب التلوث العضوي الذي كانت تحتويه المياه المزودة لمدينة عمان من بحيرة طبريا )
تعتبر بيحيرة طبريا الخزان الطبيعي لحوض نهر ألأردن وتشكل جزءا رئيسيا من حوضه وبالتالي فهذه البحيرة ليست ملكا للأسرائليين وليس من حقهم التصرف على هذا النحو بطبيعة وبيئة لالبحيرة وسرقة مياهها وتحويلها الى مناطق خارج حدود الحوض، وهذا امر فاضح يتعارض مع القانون الدولي ومع كافة مرجعياته وأعرافه ...
تدمير الجزء الجنوبي من حوض نهر الأردن :ادت النشاطات وألأعمال التي قام بها ألأسرائيليون في منطقة حوض بحيرة طبريا الى تدمير بيئة الجزء السفلي من النهر وجفاف وتلوث مياه هذا الجزء ، بدءا من مخرجه جنوب البحيرة وحتى مصبه في البحر الميت وتحوله الى جدول صغير تجري فيه مياه الينابيع المالحة ومياه المجاري والسوائل الملوثة ، ومن تلك النشاطات وألأعمال المخالفة للقانون الدولي ولكافة القوانين والتشريعات المتعلقة بحماية البيئية والصحة العامة نذكر ألأتي:
إغلاق منطقة مخرج النهر من الجزء الجنوبي للبحيرة بتركيب بوابات ضخمة على المخرج بهدف وقف تدفق المياه من البحيرة الى الجزء الجنوبي للحوض بشكل كامل ، وبالتالي لم تعد تجري المياه في هذا الجزء منذ إغلاق مخرجه عام 1965 .
تحويل مياه الينابيع الجانبية لبحيرة طبريا وهي مجموعة الينابيع المالحة الى المجرى السفلي للحوض ويقدر معدل تصريف تلك الينابيع بحوالي 40 مليون متر مكعب.
تحويل مياه المجاري غير المعالجة ومياه برك ألأسماك القذرة والمخلفات الصناعية السائلة من منطقة بيسان الى المجرى السفلي للنهر الذي حولته إسرائيل الى مكب منذ العام 1966
منع الفلسطينيين من إستكمال مشروع بناء قناة الغور الغربية الذي كان قد بداء العمل فيها بدعم من الحكومة ألأمريكية بالتوازي مع قناة الغور الشرقية
تدمير كافة المنشاءات ومحطات الضخ التي كانت مقامة على الجانب الغربي لنهر ألأردن والتي كانت تستخدم لري أراضي الأغوار الفلسطينية على مساحة مروية تتجاوز 40000 دونم وكانت تشكل سلة الخضار بالنسبة للفلسطينيين ، كما قام الجيش ألأسرائيلي بأبعاد الفلسطينيين عن ضفة النهر وإغلاق المنطقة وإعتبارها منطقة عسكرية ، مما ادى الى الحاق اضرار جسيمة لحياة الفلسطينيين ، وما قامت به إسرائيل بهذا الشأن يخالف القانون الدولي والقانون الأنساني وقوانين البيءة وقوانين الشريعة السماوية وألأخلاقية والدينية ....
تدمير بيئة البحر الميت نتيجة لأغلاق إسرائيل لمخارج النهر في الجزء الجنوبي من بحيرة طبريا والقيام بتحويل مياه الفياضانات من حوض نهراليرموك الى بحيرة طبريا ، فقد تحولت منطقة ملتقى النهرين (ملتقى نهر الأردن مع نهر اليرموك) الى منطقة شبه صحراوية لم تعد تصلها المياه منذ اكثر من 20 عاما بأستثناء كما ذكرنا تصريف مياه الينابيع العالية الملوحة وميا المجاري والسوائل القذرة القادمة من منطقة بيسان .
كان نهر ألأردن يحمل سنويا معدل 1320 مليون متر مكعب كتصريف دائم يصب في البحر الميت ، وخلال السنوات الماطرة كان يتجاوز تصريف النهر كما اشرنا سابقا الى حوالي 2200 مليون متر مكعب بعد إغلاق المخارج للجزء الجنوبي وضخ كامل تصريف الحوض العلوي الى مناطق سهل الحولة والى مناطق السهل الساحلي وشمال النقب ، لم تعد تصل البحر الميت اية كميات من تصريف الحوض بشكل كامل بأستثناء 40 الى 50 مليون متر مكعب من تصريف الينابيع المالحة ومياه المجاري وكميات محدودودة جدا قد لا تزيد على 20 مليون متر مكعب ناتجة عن مياه السيول الموسمية من جبال الأردن .
أدى هذا الوضع تدريجيا الى حدوث إنكماش وتراجع كبير في المساحة المائية لبحر الميت من 1200 كيلو متر مربع قبل العام 1965 الى اقل من 500 كيلو متر مربع حالي ، مع هبوط في مستوى سطح المياه الى اكثر من 40 متر خلال نفس الفترة المشار اليها ، ويعتقد حسب بعض الخبراء ان تضمحل وتختفي كليا المساحة المائية المتبقية خلال ال 50 عاما القادمة ، حيث ان البحر الميت يفقد سنويا اكثر من الف مليون متر مكعب نتيجة التبخر ولم تعد توجد مصادر مياه لتعوض الخسارة ، مما يؤدي الى حصول الهبوط في مستوى سطح المياه بمعدل متر سنويا .
التراجع الكبير في مساحة البحر الميت وهبوط مستوى المياه اصبح يشكل تهديدا كبيرا لسلامة وامان شواطئه بسبب نشوء الحفر ألأنهدامية على إمتداد الشاطيء والتي تشكل خطورة بالغة على حياة السواح ،وكذلك على المنشاءات السياحية والصناعية المقامة
يعتبر موقع البحر الميت أخفض منطقة في العالم ويشكل منتجعا صحيا وعلاجيا وسياحيا فريدا من نوعة نظرا لخصوصيات البيئة الطبيعية الجميلة ونوعية وتركيبة مياهه المالحة والتي تحتوي على كافة ألأملاح والعناصر العلاجية للجلد والعظام والصحة العامة .
جاري إستكمال الدراسات لمشروع نقل المياه من البحر ألأحمر الى البحر الميت من خلال قناة بطول 220 كيلو متر ، تأمل حكومة ألأردن وهي ألأكثر حماسا لهذا المشروع ان تنجح في تنفيذه بدعم دولي بهدف حماية بيئة البحر وألأستفادة من اسقاط المياه المنقولة بمعدل 1100 مليون متر مكعب سنويا ، لتوليد الطاقة الكهربائية ولتحلية جزء كبير من هذه الكميات بأستخدام مصادر الطاقة الرخيصة التي سيتم الحصول عليها من المشروع نفسه .
لا نعتقد حسب وجهة نظرنا ان مشروع نقل المياه من البحر الأحمر الى البحر الميت سيكون بمثابة الحل الصحيح ، وذلك لأسباب بيئية وغير بيئية عديدة والحل الوحيد وألأفضل وألأمثل هو إعادة مياه نهر ألأردن لتصب في البحر الميت كما كانت عليه في السابق ، هذا إذا ما اريد للبحر الميت ان لا يموت وان لا يضمحل ويختفي ، فحماية هذا المعلم الطبيعي الفريد وفوائده السياحية والعلاجية الهامة تفرض على الجميع التضحية والتوقف عن هدر مياه الحوض في زراعة القطن وغيرها من المحاصيل الزراعية التي لا تساوي شيء مقارنة بأهمية البحر الميت .
إسرائيل هي المسؤولة بالدرجة ألأولى عن دمار بيئة هذه البحيرة الطبيعية الجميلة لأنها تستخدم معظم مياه الحوض في الزراعة وتغلق مخارجه وتمنع وصول المياه الى مجراه الطبيعي ، وهذا ألأمر يعتبر مخالفة للقانون الدولي ولكافة ألأنظمة والتشريعات البيئية التي أقرتها المؤسسات والمنظمات الدولية بشأن مجاري ألأنهر الدولية وبشأن البيئة المائية .
إستنزاف لنظام الأحواض المائية الجوفية وتحويل ميهها الى مناطق السهل الساحلي من خلالحفر شبكة واسعة من ألأبار العميقة على إمتداد الخط ألأخضر يزيد عددها على 550 بئرا عميقا بأنتاجية تصل في بعضها الى أكث من 1500 متر مكعب في الساعة ، تشكل شبكة إمتصاصية تتحكم بمياه الحوضين الغربي والشمالي الشرقي بشكل كامل وتحرم ، ادت الى إستنزاف كامل لمصادر المياه العذبة والمتجددة في هذين الحوضين وجفاف معظم ألأبار الزراعية الفلسطينية داخل مناطق جنين وطولكرو وقلقيلية تدمير شبه كامل للحوض الساحلي بسبب عمليات الأستنزاف القصوي وإتساع مناطق الملوحة العاللية وتلويث الحوض بمياه المجاري المعالجة ثنائيا فقط من خلال شبكة من ابار الحقن الصناعي التي تم حفرها في عدة مناطق من الحوض وخاصة جنوب شرق تل ابيل في منطقة ريشون ليسيون حيث يجري هناك حقن باطني للأكثر من 200 مليون متر مكعب سنوي.
التسبب في تدمير ألأحواض المائية الجوفية في قطاع غزة نتيجة لحرمان الفلسطينيين من حقوقهم المائية وخاصة حقوق ألأنتفاع في مياه حوض نهر ألأردن وتحويل جزء من تلك المياه الى قطاع غزه لتخفيف الضغط على الطبقات الحاملة للمياه الجوفية في القطاع ، ألأمر الذي ادى الى حالة من ألأستنزاف الشبه كامل لتلك الطبقات وتعرضها للملوحة البحرية العالية .
ألأثار السلبية للسياسة المائية الأسرائيلية المدمرة لقطاع المياه على مدى العقود الستة الماضية :
على لسان ألأسرائيليين انفسهم فلقد كشفت عدة تقارير اعدتها لجان رسمية إسرائيلية من ضمنها لجان برلمانية شكلت من أعضاء في الكنيست ألأسرائيلي وخبراء ومختصين من جهات حكومية وغير حكومية أخرى بشأن تقييم الوضع المائي في إسرائيل ، وقد أجمعت معظم اللجان بأن هناك تجاوزات وأخطاء كبيرة جدا ارتكبت في مجال المياه وخاصة ما يتعلق بالسياسة المائية ألأسرائيلية خلال العقود الستة الماضية ، حيث يستدل من ذلك تعريض مصادر المياه العذبة الى حالات ألأستنزاف القصوي وتدمير الجزء ألأكبر من نظام الأحواض المائية الجوفية وكذلك حوض بحيرة طبريا بسبب الضخ الزائد والمستمر من تلك ألأحواض ، وتؤكد تقارير اللجان المشكلة بأن السبب الرئيسي وراء ذلك يعود بالدرجة ألأولى الى تحكم اللوبي الزراعي في قرار السياسة المائية ألأسرائيلية من خلال ما يعرف بمجلس المياه الوطني الذي يسيطر عليه ما يعرفوا بحيتان المزارعين .
فهل أخطاء السياسة المائية المتكررة هي أخطاء تقنية يرتكبها المخططون وخبراء المياه ، أم ان تلك ألأخطاء جزء من السياسة المائية لها إهدافها وأغراضها التي تتجاوز السياسة المائية وواضعيها ، وهذه هي الحقيقة التي تثبتها الوقائع على ألأرض بما هو حاصل من دمار كبير وشبه شامل للأحواض المائية الجوفية والسطحية على السواء ووفق ما أشرنا اليه أعلاه .