للسياسة المائية ألأسرائيلية أهداف وأبعاد أخرى- إعداد : المهندس فضل كعوش*
في ظل التحديات والمخاطر الكبيرة التي أصبحت تتهدد مصادر المياه العذبة لدى معظم دول العالم ، نتيجة لما تتعرض له تلك المصادر من حالات الضغط وألأستنزاف القصوي المتواصل والمتزايد ، المرتبط بالنمو السكاني وإتساع الفجوة بين ألأمدادات المتاحة من المياه العذبة والطلب عليها لتغطية ألأحتياجات، في كافة القطاعات الخدماتية والتنموية ، المنزلية والصناعية والزراعية ، يقابل ذلك التأثيرات السلبية المباشرة على مصادر المياه نتيجة للتغيرات المناخية وألأرتفاع الكبير في درجات الحرارة وتراجع معدل الهطول المطري السنوي ، وإتساع مناطق التصحر ومصادر التلوث والأنحرافات الكبيرة في النظام ألأيكولوجي والتشوهات البيئية وما الى غير ذلك .... مما دعى غالبية دول العالم للشروع في إجراء تغيير شبه جذري في تشريعاتها وسياساتها المائية الوطنية على المستويين المؤسسي والتشغيلي وإعادة النظر في أسس ومفاهيم إدارة وتخطيط ألأستثمار والتطوير لقطاع شؤون المياه على أسس واقعية وعلمية تحقق ألأدارة المثلى وتضمن سلامة وديمومة مصادر المياه والحفاظ عليها من مخاطر الأستنزاف والتلوث .
وفي هذا الشأن أُوْكِلَتْ مهام وضع المعايير وألأسس التطويرية الحديثة للسياسات المائية الجديدة الى خبراء في التخطيط المائي وتم إنشاء لجان وهيئات متخصصة ومجالس مياه الحقت بالمستوى السياسي لجهات إتخاذ القرار لتقديم المشورة والنصح والمشاركة الفاعلة والصحيحة في دعم التخطيط المائي الوطني البعيد المدى بمشاركة فاعلة من قبل كافة فئات المجتمع المدني ذات الصلة بهذا الشأن .
من اهم ألأهداف التي تسعى الدول الى تحقيقها من خلال سياساتها المائية الرشيدة السعي الى ضمان تحقيق الأستدامة للموارد المائية العذبة من خلال ألأدارة المثلى والتخطيط السليم لأوجه ألأستثمار وألأستغلال المُرَشَدْ لمصادر المياه العذبة وحمايتها من مخاطر الأستنزاف والتلوث والنضوب ،
هذه هي عناصر الحكمة وأسس النجاح الذي تعمل الدول على تحقيقه ليس فقط بوضع سياسة مائية رشيدة بل بأعتماد أليات تشريعية قوية تدعم الجهات المعنية على تطبيق وتنفيذ تلك السياسات ..
اما في إسرائيل الخارجة دوما عن المسار الدولي وفوق القانون ، فلديها سياسة مائية بأبعاد أخرى تختلف كليا عن الهموم والمشاكل والمخاوف المائية لدى الدول ألأخرى ، فعلى مدى الستة عقود الماضية تم إجراء تقييم لقطاع المياه في أسرائيل ، لمرات عديدة ، وكانت لجان التقييم المختصة والمكلفة تنتهي دائما والى حد كبير الى نفس النتائج التي كانت تكشف وتبين عن وجود أخطاء كبيرة وصفت في أكثر من تقرير بأنها مدمرة ، وقد شاركت الكنيسيت ألأسرائيلي اكثر من مرة في عملية التقييم من خلال لجان برلمانية قدمت أيضا تقارير متشائمة وتحذيرية حول الوضع المائي المتردي وحول ألأخطاء الكبيرة للسياسة المائية ، كما ان التقارير الدورية الصادرة عن المراقب العام للدولة تضمنت جميعها التجاوزات وألأخطاء الكبير للسياسة المائية في كافة جوانبها ...
فهل يعقل ان نفس ألأخطاء التي إرتكبت في بداية السيتينات لا زالت تتكرر سنة بعد سنة حتى يومنا هذا ولم يكن بمقدور الجهات المختصة تداركها وتجنبها ، هل هو فعلا عجز إداري او فشل فني او تقني او عيوب تشريعية ، خاصة وأن خبراء ومخططي المياه في إسرائيل يقدمون العون والمساعدات الفنية ألأستشارية للعديد من دول العالم في مجال التخطيط المائي ولذلك لا أحد يمكنه ان يصدق ما تقوله التقارير ألأسرائيلية وما تتضمنه من ذرائع وحجج واهية تسميها في كل مرة أخطاء مرتكبة وعيوب موجودة في السياسة المائية ، علما بأن من يخطط ويضع ويقر السياسة المائية في إسرائيل هو المستوى السياسي وبمشاركة مباشرة من السلطات التشريعية المختصة وهي الكنيسيت ألأسرائيلي من خلال لجان مختصة ، وان من يشرف على تنفيذ تلك السياسة الخاطئة عدة جهات حكومية على رأسها وزارة الزراعة ووزارة البنية التحتية وهناك دورهام لوزارتي الصحة والبيئة وأخيرا تأتي سلطة المياه او ماكان يعرف سابقا بمفوض المياه الذي عليه ان يطيع الجميع وينفذ تعليماتهم ويطبق سياستهم المائية كما هي .....
الحقيقة وكل الحقيقة ان ألأخطاء المرتكبة على مدى العقود الستة الماضية ليست اخطاءً فنية او تقصير في ألأداءء او سوء إدارة او ما شابه ذلك وانما هي أخطاء مقصودة بل وموجهة وتندرج ضمن سياسة عليا ممنهجة لها أهدافها بأبعاد محددة ، تتجاوز المعايير الأدارية والفنية وألأقتصادية والبيئية وغيرها ، وضعت لتكون جزءا اساسيا ضمن ألأهداف والغايات الخفية للسياسة المائية ألأسرائيلية ولا يمكن ان تكون مجرد اخطاء متكررة عجز خبراء اسرائيل وساستها عن معالجتها على مدى عقود طويلة
فعمليات ألأستنزاف القصوي والجنوني الحاصلة للأحواض المائية السطحية والجوفية لا يمكن ان تكون مجرد قرارات فنية خاطئة ، بل هي جزء من سياسة فرض الأمر الواقع التي تنتهجها إسرائيل في كافة المجالات ومن ضمنها المياه وهدفها التأكيد على المقولة ألأسرائيلية التي تدعي بأن إسرائيل تواجه أزمات مياه خانقة وبأن ألأحواض المائية اصبحت مستنزفة بالكامل ولم تعد توجد مياه للتفاوض حولها ، وبأن على ألأخرين اللذين يطالبون بحقوقهم المائية في ألأحواض ان يدركوا هذه الحقيقة وهذا الواقع ، لم تعد توجد مياه للتحدث بشأنها وبأن على الجميع بما في ذلك الفلسطينيين ان يتعاونوا مع إسرائيل للبحث عن مصادر مياه إضافية خارجية إذا ما ارادوا ان يشربوا ويستحموا وأسرائيل لن تبخل على الفلسطينيين بشربة الماء ولكن في الحدود المعقولة كما قال احد مفوضي المياه ألأسرائيليين السابقين، بأنه على إستعداد لتزويد الفلسطينين بمياه الشرب بمعدل 70 ليتر للفرد في اليوم لا اكثر وعليهم ان يتعلموا كيف يحافظوا على تلك المياه وان لا يهدروها .
إدعى ألأسرائيليون مبكرا، في أوائل السبعينات بأنهم يواجهون عجزا مائيا متراكما سنويا بمعدل 7% من إجمالي كميات المياه العذبة المتاحة للأستخدام والبالغة حوالي 1800 مليون متر مكعب من كافة الأحواض بما في ذلك مياه حوض نهر ألأردن ، ولسد العجزء قررت الجهات المختصة في اسرائيل توسيع وزيادة ألأعتماد على مياه المجاري المعالجة لأستخدامها على نطاق واسع لأغراض الزراعة ، وهذا التوجه يعتبر احد اهم عناصر السياسة المائية في محاولاتها لأظهار ان إسرائيل تعيش أزمات مياه خانقة وبأن سياستها في ألأعتماد على مياه المجاري المعادة هو اكبر دليل على وجود ألأزمة المفتعلة ، هذا ظاهريا وللأعلام فقط اما باطنيا فأن التوجه ألأسرائيلي الى إستخدام مياه المجاري المعالجة هو لتغطية التوسع الكبيروالمفرط جدا في برامج التوسع ألأستيطاني الزراعي تمشيا مع ألأيديلوجية الصهيونية للسيطرة على المزيد من الأراضي الزراعية ولأستيعاب المزيد من اليهود المهاجرين الى فلسطين ، وأكبر دليل على النفاق ألأسرائيلي بهذا الشأن يستدل من ارقام الدخل الوطني العام لأسرائيل الذي لا تتجاوز حصة القطاع الزراعي فيه عن 2 % فقط ، في الوقت الذي تتحمل فيه ميزانية الدولة الجزء الأكبر من اموال الدعم المخصصة لتوسيع ألأستيطان الزراعي .
اولت الحركة الصهيونية إهتمامها البالغ بالمياه منذ نشأتها وسارعت الى شراء ألأراضي وإقامة المستوطنات بالقرب من منابع المياه في فلسطين ، وتبنت بعدها الحكومات الأسرائيلية نفس التوجهات وشرعت مبكرا في التخطيط ووضع السياسات المائية البعيدة المدى ، فكانت حرب عام 1967 حرب المياه ، غنمت إسرائيل من تلك الحرب ما يزيد على 850 مليون متر مكعب من مياه حوض نهر ألأردن وأكثر من 650 مليون متر مكعب من أحواض المياه الجوفية الفلسطينية ، ودفعت بالجزء ألأكبر من تلك المياه الى السهل الساحلي وحتى شمالي النقب وروت ولا زالت تروي محاصيل القطن وغيرها من المحاصيل الزراعية على مساحات شاسعة جدا كما دعمت اسرائيل بتلك المياه برامجها في توسيع الأستيطان الزراعي وتخضير الصحراء ..
وضمن سياستها المائية اصدرت سلطات ألأحتلال ألأسرائيلي اوامرها العسكرية بشأن المياه منعت بموجبها الفلسطسنيين من الوصول الى ضفة نهر ألأردن ووضعت قيودا صارمة على استغلال مصادر المياه ومنعت القيام او ممارسة اي نشاط يتعلق بالمياه الا بعد الحصول على موافقة مسبقة من قبل سلطات الأحتلال، وبذلك حققت إسرائيل من خلال سياستها المائية السيطرة الكاملة على كافة مصادر المياه في الضفة الغربية والحقت اضرارا جسيمة بالقطاع الزراعي الفلسطيني والى دفع المزارعين الفلسطينيين لترك اراضيهم والرحيل والهجرة البعيدة . وهذا كان احد اهم الأهداف وألأبعاد الخفية للسياسة المائية ألأسرائيلية بعد إحتلالها للأراضي ألفلسطينية .
وبسبب قيلم اسرائيل بتحويل كامل تصريف مجرى نهر ألأردن العلوي وإغلاق منافذ الجزء السفلي جنوب بحيرة طبريا ، الأمر الذي ادى الى جفاف شبه كامل لهذا الجزء المحاذي لأرضي الضفة الغربية ، وبالتالي دمار كامل لكافة ألأراضي الزراعية الفلسطينية في مناطق الأغوار.
وضمن توجهات السياسة المائية ألأسرائيلية تم تحديد مسار جدار الفصل العنصري بما يتماشى مع خطة شارون المائية المقترحة سابقا وهي نفس الخطة التي إقترحها خبراء المياه في شركة الدراسات المائية "طاهال" منذ السبعينات بشأن الحدود المائية ، بهدف إحكام السيطرة الكاملة على الحوضين الجوفيين الغربي والشمالي الشرقي ، ومنع الفلسطينيين من القيام مستقبلا بحفر ابار عميقة في هذين الحوضين وقد لحقت اضرارا كبيرة بأبار المياه وألأراضي الزراعية المحاذية للجدار في المحافطات الثلاثة ، جنين ، طولكرم وقلقيلية .
اما مايخص الجانب ألأخر من السياسة المائية الأسرائيلية وهو التوسع ألأستيطاني الزراعي على حساب الأراضي الزراعية الفلسطينية ومن خلال السيطرة على معظم مصادر المياه الفلسطينية ، ولذلك جاء تشكيل مجلس المياه في اسرائيل من غالبية كبار المزارعين الصهاينة ومن ممثلين عن المستوطنات الزراعية في الضفة الغربية
نذكر بأن تاريخ بدء ألأستيطان الزراعي ألأسرائيلي في فلسطين يعود الى عام 1878 عندما تأسست عدة مستوطنات منها ريشون ليون، زخرون يعقوب، روشبين ، يود همعليه وقد بلغ عدد المستوطنيين الصهاينة في هذه لاالمستوطنات اكثر من 200 مستوطن ، وإستر التوسع لألستيطاني حتى بلغ عام 1898 22 مستوطنة على بلغت مساحتها حوالي 200 الف دونم ، يقيم فيها اكثر من 2800 مستوطن وفي عام 1914 كان عدد المستوطنات قد وصل الى 47 مستوطنة إزداد بشكل متسارع الى 73 مستوطنة حتى العام 1921 وبلغ عدد الصهاينة المستوطنين حوالي 15 الف، وإبتدات السياسة ألأستيطانية بعد ذلك تأخذ إشكالا إخرى من خلال تشكيل العصابات الصهيونية الهجانا والقيام بأفتعال المذابح بحق المزارعين الفلسطينيين ودفع اموال كبيرة لأغراء بعض من ملاكي الأراضي الزراعية في فلسطين من اللبنانيين في خاصة في مناطق سهل الحولة ووادي ألأردن ، وبدعم ومساعدة سلطة ألأنتدلب البريطاني ، حيث بلغت مساحة ألأراضي الزراعية التي إستولى عليها الصهاينة عند انتهاء فترة الأنتداب البريطاني على فلسطين عام 1947 حوالي 2.5 مليون دونم أي ما يزيد عن 7% من مساحة فلسطين
تعد السيطرة على مصادر المياه والأراضي الزراعية الفلسطينية جوهر الفلسفة التي انتهجتها الصهيونية العالمية منذ نشوء الفكرة الأولى لتوطين اليهود في فلسطين وتابعتها إسرائيل بعد قيامها حتى الآن، وقد رافق عمليات الاستيلاء على الأراضي عملية تغيير ديموغرافي، ففي جميع حالات الاستيلاء كانت تجلب أعداداً من اليهود من مختلف أنحاء العالم ، ليحلوا مكان السكان العرب الفلسطينيين .
هدر المياه ليس محصورا فقط في ألأستيطان الزراعي بل ان القطاعين المنزلي والصناعي يشهدان اوجها أخرى لهدر المياه حيث يقدر معدل إستهلاك الفرد الواحد في إسرائيل من المياه لأغراض الشرب والمنزل بحوالي 400 ليتر في اليوم ، أي ما يقارب خمسة الى ستة أضعاف استهلاك الفرد الفلسطيني ، ومرتين الى ثلاثة مرات عن المعدل الوسط للأستهلاك الفرد في العديد من عواصم اوروبية كبرى ، وفي المستوطنات ألأسرائيلية يرتفع هذا المعدل الى 800 ليتر للفرد في اليوم ، وتقدر مساحة الحدائق المنزلية في اسرائيل بحوالي 180 ألف دونم اي ما يقارب مساحة ألأراضي الزراعية المروية في الضفة الغربية وقطاع غزة معا ، كما ان نسبة 40 % من مساكن المستوطنات تحتوي على بركة سباحة ، يستدل من هذه ألأرقام بوجود حالات من ألأفراط والهدر المتعمد للمياه ، بينما تمارس سلطات ألحتلال ألأسرائيلي وبتوجية من قبل الحكومات ألأسرائيلية المتعاقبة سياسة التعطيش المتعمد للفلسطينيين، حيث تواجه معظم المدن الكبرى وغالبية البلدات والقرى الفلسطينية في الضفة الغربية ، أزمات مياه حادة ومتفاقمة سنة بعد سنة ، فمنذ توقيع طابا المرحلية لعام 1995 وحتى يومنا هذا اي بعد اكثر من 17 عاما ، لم يحقق الفلسطينيون خلالها اي تقدم بشأن التخفيف من معاناة العطش وأزمات المياه ولم يحصل الفلسطينيون خلال هذه الفترة على أية كميات مياه إضافية وملموسة بل على العكس من ذلك فقد فقدوا ما يزيد على 37 % من مياه الينابيع وأبار الشرب والزراعة نتيجة للجفاف الذي لحق بتلك المصادر ، وفي قطاع غزة يشرب أهلنا المياه المالحة ويغتسلون بها حيث اصبحت كارثة الملوحة العالية تغطي نسبة تزيد على 78% من مناطق المياه الجوفية ...
لم يأتي السلام المنشود الذي لا زال يلهث الفلسطينييون وراءه بأية جدوى او فائدة تذكر، حتى في الحصول على شربة الماء وهذا يعود الى السياسة المائية الأسرائيلية التي وضعت مبكرا وتضمنت توجهات وأبعاد خفية ، من اهم اهدافها سياسة التعطيش وتجفيف عروق البشر والشجر، ويبدو ان هذا هو المفهوم الحقيقي للسلام ولمبداء حسن الجوار وحسن النوايا الموجود لدى الأسرائيليين وليس غير ذلك وهو ما أثبتوه من خلال مفاوضتهم الكاذبة والمضللة ومن خلال ممارساتهم وسياستهم المائية تجاه جيرانهم وشركائهم في السلام ....
في إطار سياسة بدائل المياه غير التقليدية باشرت إسرائيا خلال السنوات الخمسة ألأخيرة في تطوير وتوسيع مصادر تحلية مياه البحر من خلال بناء المنشاءات الضخمة كان اولها في منطقة عسقلان بطاقة إنتاجية تصل الى 120 مليون متر مكعب في السنة وبعدها في منطقتي القيسارية والخضيرة جنوب حيفا ومناطق أخرى ، وتخطط إسرائيل وفق سياستها المائية الجديدة الوصول الى انتاج ما يزيد على 500 مليون متر مكعب من منشاءالت التحلية قبل العام 2015 ، والسوأل الي يطرح نفسه هنا ، لماذا هذا التأخير الكبير جدا في التوجه الى بناء هذا النوع من المنشاءات الضخمة ، ولماذا لم يحصل ذلك مبكرا ، لسد العجز المائي المتراكم سنويا منذ بداية السبعينات حسب ألأدعاءات ألأسرائيلية ، خاصة وأن ما يزيد على 60 % من المياه التي يستخدمها ألأسرائيليون من ألأحواض الجوفية ومن حوض نهر ألأردن هي مياه فلسطينية وعربية مسروقة ومنهوبة ومستغلة منذ العام 1960 ، وبدلا من سرقة ونهب مياه ألأخرين وخلق الصراعات والحروب حول المياه ، وأيضا لتجنب تدمير ألأحواض المائية الجوفية المشتركة على النحو الحاصل. ولكن ما فعلته السياسة المائية في إسرائيل تجاه نظام ألأحواض المائية العذبة يعتبر بمثابة جرائم بحق ألأنسانية وبحق البيئة الطبيعة للنظام ألأيكولوجي المائي وبالتالي بحق مساعي وجهود السلام .
لا يوجد مثيل للسياسة المائية ألأسرائيلية في مكان أخر في العالم من حيث اهدافها وابعادها التدميرية ، فكما اشرنا اعلاه فأن اهم اهداف السياسات المائية هي حماية أحواض ومصادر المياه العذبة والحفاظ عليها وتنميتها وتطويرها وليس تدميرها كما هي النتائج على ألأرض بالنسبة للسياسة المائية ألأسرائيلية ، ويبدو ان ألأسرائيليين معنيين بدمار ألأحواض المائية الجوفية وغير قلقين عليها وأنهم يخططوا بالفعل الى عدم ألأعتماد مستقبلا على تلك ألأحواض ، والتوجه تدريجيا الى ألأعتماد على مياه التحلية لتغطية ألأحتياجات المائية لأغراض الشرب والمنزل والصناعة وإبقاء مياه ألأحواض الجوفية التي تتعرض تدريجيا الى التلوث لتغطية ألأحتياجات الزراعية من مياهها ، وهذا ما سيضع الفلسطينيين مستقبلا أمام كارثة حقيقية لا حدود لها في حالة حدوث دمار شامل للأحواض الجوفية ، ستفقد عندها السيطرة على اتخاذ اي اجراء لحمايتها وإصلاحها ، وسيكون امام الفلسطينيين خياران لا ثالث لهما إما الهجرة وترك ألأرض وهو ما كان يريده ألأسرائيليون بل ويتمنوه ولا زالوا يسعون الى تحقيقه ، وهذه هي أحلام الحركة الصهيونية منذ قيامها ، وإما أللجوء الى ألأسرائليين والتوسل اليهم بتزويد الفلسطينيين بمياه الشرب وفق معايير وشروط سياسية وتجارية وكلا الحالتين مصيبة على الفلسطينيين ، وهو ايضا ما يسعى اليه الأسرائيليون لأبقاء حياة الفلسطينيين ومستقبلهم رهينة أبدية بيد الأسرائيليين في كافة النواحي والمجالات وخاصة في مجال يرتبط بحياتهم وسر بقاءهم مباشرة وهي المياه ...
لقد أثبتت الحقائق والوقائع على ألأرض ان السياسة المائية ألأسرائيلية هي سياسة تدميرية للأحواض المائية الجوفية ، فالحوض الساحلي وهو حوض مشترك بين الفلسطينيين وألأسرائيليين اكبر الأحواض المائية الجوفية وتقدر طاقته ألأنتاجية السنوية بحوالي 470 مليون متر مكعب ، هذا الحوض اصبح مستنزفا بشكل كامل أي ان كافة مصادر المياه التي تأتيه من ألأمطار الموسمية يعاد سحبها بالكامل واحيانا كثيرة يجاوز معدل السحب الطاقة المتاحة ، نسبة 44 % من مناطق المياه في هذا الحوض اصبحت مالحة وملوثة وغير صالحة للأستخدامات المنزلية والشرب ، وقد تم بقرار من وزير الصحة ومفوض المياه إغلاق العديد من ألأبار في هذا الحوض ووضع محاذير على عدد كبير أخر ومنع إستخدام مياهها للشرب اوالمنزل ، كذلك الأمر بالنسبة للحوض الغربي وهو حوض مشترك ، معظم مصادره المائية تأتي من مناطق الضفة الغربية وتقدر طاقته ألأنتاجية بحوالي 400 مليون متر مكعب يجري سحبها بالكامل ، ولذك إبتدات تظهر مؤشرات تسرب الملوحة الى هذا الحوض من مناطق الحوض الساحلي ، حوض الكرمل وهو حوض مشترك ومستنزف بالكامل ومعرض للملوحة ، الحوض الشمالي الشرقي وهو حوض مشترك وايضا مستنزف بالكامل وتقع معظم مصادره المائية في الضفة الغربية ،
بسبب عمليات ألأستنزاف القصوي للأحواض الجوفية ولحوض نهر ألأردن وبحيرة طبريا فقد تعرض النظام الهيدروجيولوجي والأيكلوجي لتلك ألأحواض الى حالات تشوه وتدمير بيئ كبير ، ورغم التحذيرات المتكررة والمتشددة التي وجهها معظم مفوضي المياه المتعاقبين منذ العام 1970، وطالبوا وقف عمليات الضخ الزائد وتخفيف الضغط عن ألأحواض بما في ذلك بحيرة طبريا ، لتجنب مخاطر ألأستنزاف والتملح التي إزدادت مؤشراتها وإتسعت مناطق تقدمها وأصبحت تشكل تهديدا خطيرا لمصادر المياه العذبة ، ولكن رغم كل ذلك لم يتمكن اي من مفوضي المياه منذ العام ذ970 حتى اليوم من إتخاذ اي إجراء بهذا الشأن ، فمعدل الملوحة قد تجاوز في بحيرة طبريا مستوى 700 ملغ / كلوريد وفي الحوض الساحلي فقد تقرر كما اشرنا إغلاق العديد من المناطق المائية وحذر حفر الأبار فيها ، وفي ألأحواض المستنزفة ألأخرى إبتدأت تطهر مؤشرات الملوحة العالية والتلوث العضوي.
تتبنى السياسة المائية الأسرائيلية سياسة مكشوفة لهدر المياه من خلال توفير الدعم المتواصل للوبي الزراعي وذلك من خلال إعتماد وتطبيق سياسة تعرفة هشة غير متوازنة وشبه رمزية لأسعار المياه المستخدمة في الزراعة.
تعتبر سياسة التعرفة احد اهم جوانب السياسة المائية في إدارة الطلب والحد من هدر المياة والترشيد في ألأستخدام ، وذلك من خلال وضع نظام تعرفة سليم ، تضمن للدولة استرداد التكلفة الحقيقية للمياه في كافة جوانبها وخبراء المياه ومخططي هذا القطاع الحيوي والهام في اسرائيل يدركون جيدا اهمية نظام وسياسة التعرفة المائية ، إلا ان هذا لم يحدث ضمن السياسة المائية الأسرائيلية التي وكما اوردنا سابقا تعرفة هشة وشبه رمزية متدنية للغاية بالنسبة لمياه الزراعة والصناعة حيث تقل بخمسة أضعاف عن سعر التكلفة الحقيقية للمياه ، وبالتالي فأن هذه ليست سياسة تعرفة رشيدة بقدر ما هي سياسة تحفيز على هدر المياه لأنجاح مشاريع وبرامج توسيع ألأستيطان الزراعي .
علما بأن القطاع الزراعي في إسرائيل يستهلك أكثر من 75% من إجمالي إستهلاك المياه ، ورضوخ الحكومة ألأسرائيلية ومفوض المياه لتوجيهات ورغبات ما يسمى بمجلس المياه ، الذي يضم 39 عضوا يمثلون بالدرجة الرئيسية قطاعات مستخدمي المياه واعضاء من المؤسسات الحكومية المعنية ، يسيطر على قرار هذا المجلس اللوبي الزراعي الذي يضم كبار الحيتان من المزارعين ، ولهذا تم تحذير وتهديد مفوضي المياه المتعاقبين من اللذين إعترضوا على عمليات الأستنزاف والضخ الزائد من بحيرة طبريا وألأحواض الجوفية وحاولوا تعديل ورفع اسعار المياه المزودة للقطاع الزراعي ، علما بأن نسبة ما يشكله القطاع الزراعي من إجمالي الدخل القومي لأسرائيل لا يتعدى حاليا وكما اسلفنا 2% فقط ، أي ان المزارعين الأسرائيلين يصدرون المياه الى اوروبا ودول العالم ألأخرى من خلال الصادرات الزراعية ، اي ان إسرائيل وبطريقة غير مباشرة تصدر الجزء ألأكبر من مياه الفلسطينيين الى الخارج وتمنع وصولها الى اصحابها .
كذلك ألأمر بالنسبة لسياسة التحصيص وهي من مهام مجلس المياه ، اي توزيع المياه حسب القطاعات ، فبحكم قوة ونفوذ اللوبي الزراعي في مجلس المياه وفي اللجان المختصة التابعة للكنيسيت ،لا يستطيع أحد المس بحصة القطاع الزراعي ويا ويل من يفكر في ذلك، حتى خلال السنوات القليلة ألأمطار والسنوات الجافة ورغم تجاوز مستوى سطح المياه في بحيرة طبريا المستوى الخطير تحت الخط ألأحمر ، إلا ان مفوضي المياه فشلوا وعجزوا عن إتخاذ القرار بوقف عمليات الضخ لفترة محددة او حتى تخفيضه بنسبة معينة ، وذلك لأن القرار لم يكن بأيديهم بل بأيدي اللوبي الزراعي دائما .
حرصت الحكومة الأسرائيلية طوال العقود الستة الماضية على توفير الدعم المالي للمياه وخاصة للمياه الزراعية ، من خلال تقديم الدعم المالي المباشر للمزارعين اللذين يمتلكون ابار زراعية اومن خلال دعم شركة المياه الأسرائيلية "ميكوروت" لمنع هذه الشركة من القيام برفع اسعار المياه حيث تتحمل الحكومة ألأسرائيلية الفرق بين تكلفة ألأنتاج والبيع ،اي ان الحكومة تقوم بدعم المياه المزودة للمزارعين وللقطاع الصناعي ايضا وتغطية العجز الذي يترتب عن ذلك ن وبهذه السياسة تشجع الحكومة ألأسرائيلية بهذا التصرف على هدر المياه في هذين القطاعين الزراعي والصناعي (تتولى شركة ميكوروت إنتاج وتزويد ما نسبتة 65 % من أجمالي حجم الأمدادات المائية والنسبة الباقية تأتي من جهات أخرى مستقلة ومن المزارعين اللذين يمتلكون ألأبار الزراعية ) .
سياسة تحصيص المياه حسب القطاعات وألأولويات لا تخضع لأية معايير اوإعتبارات صحية وإجتماعية وإقتصادية وبيئية وغير ذلك ، بل تتأثر كثيرا بالقرارات السياسية والضغوطات التي يمارسها اللوبي ألأستيطاني والزراعي ، فالمستوى السياسي له سياسته المائية التي يسعى من خلالها إحكام السيطرة الكاملة والدئمة على كافة مصادر المياه السطحية والجوفية والعمل على إستغلال طاقتها الكاملة والوصول الى حالات ألأستنزاف القصوي كما هو حاصل بالفعل ألأن بالنسبة للأحواض المائية الجوفية المشتركة وكذلنك بالنسبة لمياه حوض نهر ألأردن ، حيث تحاول إسرائيل منذ قيامها السيطرة على مصادر المياه المشتركة وفرض سياسة ألأمر الواقع ، والتنكر لحقوق الفلسطينيين والعرب في تلك المصادر ، وألأدعاء بما يسمى الحقوق المكتسبة وألأدعاء بمقولة أنه لم تعد هناك مياه للتفاوض بشأنها مع احد ، وقد استخدم الأسرائيليون المياه كوسيلة لتدمير ألأراضي الزراعية الفلسطينية وممارسة الضغط على المزارعين الفلسطينيين لأجبارهم قهرا او طوعا على ترك اراضيهم الزراعية والهجرة والرحيل او التحول الى عمال عاديين يعملون في إسرائيل او في المستوطنات الأسرائيلية .
نعتقد إستنادا الى ما تقدم في تحليلنا لأبعاد وأهداف السياسة المائية ألأسرائيلية ومراحل تنفيذ تلك السياسة خلال العقود الستة الماضية ، بأن السلام الذي ينشده الفلسطينييون مع ألأسرائيليين ليس إلا سرابا وأوهاما لا يمكن ان يتحقق منها شيء لا بما يخص الحصول على حقوق المياه ولا في إستعادة ألأراضي والقدس ولا بشأن قضية الاجئين ولن تقوم دولة تفتقر الى شربة الماء .
*الرئيس السابق لسلطة المياه
الرئيس السابق للفريق المفاوض حول المياه
وفي هذا الشأن أُوْكِلَتْ مهام وضع المعايير وألأسس التطويرية الحديثة للسياسات المائية الجديدة الى خبراء في التخطيط المائي وتم إنشاء لجان وهيئات متخصصة ومجالس مياه الحقت بالمستوى السياسي لجهات إتخاذ القرار لتقديم المشورة والنصح والمشاركة الفاعلة والصحيحة في دعم التخطيط المائي الوطني البعيد المدى بمشاركة فاعلة من قبل كافة فئات المجتمع المدني ذات الصلة بهذا الشأن .
من اهم ألأهداف التي تسعى الدول الى تحقيقها من خلال سياساتها المائية الرشيدة السعي الى ضمان تحقيق الأستدامة للموارد المائية العذبة من خلال ألأدارة المثلى والتخطيط السليم لأوجه ألأستثمار وألأستغلال المُرَشَدْ لمصادر المياه العذبة وحمايتها من مخاطر الأستنزاف والتلوث والنضوب ،
هذه هي عناصر الحكمة وأسس النجاح الذي تعمل الدول على تحقيقه ليس فقط بوضع سياسة مائية رشيدة بل بأعتماد أليات تشريعية قوية تدعم الجهات المعنية على تطبيق وتنفيذ تلك السياسات ..
اما في إسرائيل الخارجة دوما عن المسار الدولي وفوق القانون ، فلديها سياسة مائية بأبعاد أخرى تختلف كليا عن الهموم والمشاكل والمخاوف المائية لدى الدول ألأخرى ، فعلى مدى الستة عقود الماضية تم إجراء تقييم لقطاع المياه في أسرائيل ، لمرات عديدة ، وكانت لجان التقييم المختصة والمكلفة تنتهي دائما والى حد كبير الى نفس النتائج التي كانت تكشف وتبين عن وجود أخطاء كبيرة وصفت في أكثر من تقرير بأنها مدمرة ، وقد شاركت الكنيسيت ألأسرائيلي اكثر من مرة في عملية التقييم من خلال لجان برلمانية قدمت أيضا تقارير متشائمة وتحذيرية حول الوضع المائي المتردي وحول ألأخطاء الكبيرة للسياسة المائية ، كما ان التقارير الدورية الصادرة عن المراقب العام للدولة تضمنت جميعها التجاوزات وألأخطاء الكبير للسياسة المائية في كافة جوانبها ...
فهل يعقل ان نفس ألأخطاء التي إرتكبت في بداية السيتينات لا زالت تتكرر سنة بعد سنة حتى يومنا هذا ولم يكن بمقدور الجهات المختصة تداركها وتجنبها ، هل هو فعلا عجز إداري او فشل فني او تقني او عيوب تشريعية ، خاصة وأن خبراء ومخططي المياه في إسرائيل يقدمون العون والمساعدات الفنية ألأستشارية للعديد من دول العالم في مجال التخطيط المائي ولذلك لا أحد يمكنه ان يصدق ما تقوله التقارير ألأسرائيلية وما تتضمنه من ذرائع وحجج واهية تسميها في كل مرة أخطاء مرتكبة وعيوب موجودة في السياسة المائية ، علما بأن من يخطط ويضع ويقر السياسة المائية في إسرائيل هو المستوى السياسي وبمشاركة مباشرة من السلطات التشريعية المختصة وهي الكنيسيت ألأسرائيلي من خلال لجان مختصة ، وان من يشرف على تنفيذ تلك السياسة الخاطئة عدة جهات حكومية على رأسها وزارة الزراعة ووزارة البنية التحتية وهناك دورهام لوزارتي الصحة والبيئة وأخيرا تأتي سلطة المياه او ماكان يعرف سابقا بمفوض المياه الذي عليه ان يطيع الجميع وينفذ تعليماتهم ويطبق سياستهم المائية كما هي .....
الحقيقة وكل الحقيقة ان ألأخطاء المرتكبة على مدى العقود الستة الماضية ليست اخطاءً فنية او تقصير في ألأداءء او سوء إدارة او ما شابه ذلك وانما هي أخطاء مقصودة بل وموجهة وتندرج ضمن سياسة عليا ممنهجة لها أهدافها بأبعاد محددة ، تتجاوز المعايير الأدارية والفنية وألأقتصادية والبيئية وغيرها ، وضعت لتكون جزءا اساسيا ضمن ألأهداف والغايات الخفية للسياسة المائية ألأسرائيلية ولا يمكن ان تكون مجرد اخطاء متكررة عجز خبراء اسرائيل وساستها عن معالجتها على مدى عقود طويلة
فعمليات ألأستنزاف القصوي والجنوني الحاصلة للأحواض المائية السطحية والجوفية لا يمكن ان تكون مجرد قرارات فنية خاطئة ، بل هي جزء من سياسة فرض الأمر الواقع التي تنتهجها إسرائيل في كافة المجالات ومن ضمنها المياه وهدفها التأكيد على المقولة ألأسرائيلية التي تدعي بأن إسرائيل تواجه أزمات مياه خانقة وبأن ألأحواض المائية اصبحت مستنزفة بالكامل ولم تعد توجد مياه للتفاوض حولها ، وبأن على ألأخرين اللذين يطالبون بحقوقهم المائية في ألأحواض ان يدركوا هذه الحقيقة وهذا الواقع ، لم تعد توجد مياه للتحدث بشأنها وبأن على الجميع بما في ذلك الفلسطينيين ان يتعاونوا مع إسرائيل للبحث عن مصادر مياه إضافية خارجية إذا ما ارادوا ان يشربوا ويستحموا وأسرائيل لن تبخل على الفلسطينيين بشربة الماء ولكن في الحدود المعقولة كما قال احد مفوضي المياه ألأسرائيليين السابقين، بأنه على إستعداد لتزويد الفلسطينين بمياه الشرب بمعدل 70 ليتر للفرد في اليوم لا اكثر وعليهم ان يتعلموا كيف يحافظوا على تلك المياه وان لا يهدروها .
إدعى ألأسرائيليون مبكرا، في أوائل السبعينات بأنهم يواجهون عجزا مائيا متراكما سنويا بمعدل 7% من إجمالي كميات المياه العذبة المتاحة للأستخدام والبالغة حوالي 1800 مليون متر مكعب من كافة الأحواض بما في ذلك مياه حوض نهر ألأردن ، ولسد العجزء قررت الجهات المختصة في اسرائيل توسيع وزيادة ألأعتماد على مياه المجاري المعالجة لأستخدامها على نطاق واسع لأغراض الزراعة ، وهذا التوجه يعتبر احد اهم عناصر السياسة المائية في محاولاتها لأظهار ان إسرائيل تعيش أزمات مياه خانقة وبأن سياستها في ألأعتماد على مياه المجاري المعادة هو اكبر دليل على وجود ألأزمة المفتعلة ، هذا ظاهريا وللأعلام فقط اما باطنيا فأن التوجه ألأسرائيلي الى إستخدام مياه المجاري المعالجة هو لتغطية التوسع الكبيروالمفرط جدا في برامج التوسع ألأستيطاني الزراعي تمشيا مع ألأيديلوجية الصهيونية للسيطرة على المزيد من الأراضي الزراعية ولأستيعاب المزيد من اليهود المهاجرين الى فلسطين ، وأكبر دليل على النفاق ألأسرائيلي بهذا الشأن يستدل من ارقام الدخل الوطني العام لأسرائيل الذي لا تتجاوز حصة القطاع الزراعي فيه عن 2 % فقط ، في الوقت الذي تتحمل فيه ميزانية الدولة الجزء الأكبر من اموال الدعم المخصصة لتوسيع ألأستيطان الزراعي .
اولت الحركة الصهيونية إهتمامها البالغ بالمياه منذ نشأتها وسارعت الى شراء ألأراضي وإقامة المستوطنات بالقرب من منابع المياه في فلسطين ، وتبنت بعدها الحكومات الأسرائيلية نفس التوجهات وشرعت مبكرا في التخطيط ووضع السياسات المائية البعيدة المدى ، فكانت حرب عام 1967 حرب المياه ، غنمت إسرائيل من تلك الحرب ما يزيد على 850 مليون متر مكعب من مياه حوض نهر ألأردن وأكثر من 650 مليون متر مكعب من أحواض المياه الجوفية الفلسطينية ، ودفعت بالجزء ألأكبر من تلك المياه الى السهل الساحلي وحتى شمالي النقب وروت ولا زالت تروي محاصيل القطن وغيرها من المحاصيل الزراعية على مساحات شاسعة جدا كما دعمت اسرائيل بتلك المياه برامجها في توسيع الأستيطان الزراعي وتخضير الصحراء ..
وضمن سياستها المائية اصدرت سلطات ألأحتلال ألأسرائيلي اوامرها العسكرية بشأن المياه منعت بموجبها الفلسطسنيين من الوصول الى ضفة نهر ألأردن ووضعت قيودا صارمة على استغلال مصادر المياه ومنعت القيام او ممارسة اي نشاط يتعلق بالمياه الا بعد الحصول على موافقة مسبقة من قبل سلطات الأحتلال، وبذلك حققت إسرائيل من خلال سياستها المائية السيطرة الكاملة على كافة مصادر المياه في الضفة الغربية والحقت اضرارا جسيمة بالقطاع الزراعي الفلسطيني والى دفع المزارعين الفلسطينيين لترك اراضيهم والرحيل والهجرة البعيدة . وهذا كان احد اهم الأهداف وألأبعاد الخفية للسياسة المائية ألأسرائيلية بعد إحتلالها للأراضي ألفلسطينية .
وبسبب قيلم اسرائيل بتحويل كامل تصريف مجرى نهر ألأردن العلوي وإغلاق منافذ الجزء السفلي جنوب بحيرة طبريا ، الأمر الذي ادى الى جفاف شبه كامل لهذا الجزء المحاذي لأرضي الضفة الغربية ، وبالتالي دمار كامل لكافة ألأراضي الزراعية الفلسطينية في مناطق الأغوار.
وضمن توجهات السياسة المائية ألأسرائيلية تم تحديد مسار جدار الفصل العنصري بما يتماشى مع خطة شارون المائية المقترحة سابقا وهي نفس الخطة التي إقترحها خبراء المياه في شركة الدراسات المائية "طاهال" منذ السبعينات بشأن الحدود المائية ، بهدف إحكام السيطرة الكاملة على الحوضين الجوفيين الغربي والشمالي الشرقي ، ومنع الفلسطينيين من القيام مستقبلا بحفر ابار عميقة في هذين الحوضين وقد لحقت اضرارا كبيرة بأبار المياه وألأراضي الزراعية المحاذية للجدار في المحافطات الثلاثة ، جنين ، طولكرم وقلقيلية .
اما مايخص الجانب ألأخر من السياسة المائية الأسرائيلية وهو التوسع ألأستيطاني الزراعي على حساب الأراضي الزراعية الفلسطينية ومن خلال السيطرة على معظم مصادر المياه الفلسطينية ، ولذلك جاء تشكيل مجلس المياه في اسرائيل من غالبية كبار المزارعين الصهاينة ومن ممثلين عن المستوطنات الزراعية في الضفة الغربية
نذكر بأن تاريخ بدء ألأستيطان الزراعي ألأسرائيلي في فلسطين يعود الى عام 1878 عندما تأسست عدة مستوطنات منها ريشون ليون، زخرون يعقوب، روشبين ، يود همعليه وقد بلغ عدد المستوطنيين الصهاينة في هذه لاالمستوطنات اكثر من 200 مستوطن ، وإستر التوسع لألستيطاني حتى بلغ عام 1898 22 مستوطنة على بلغت مساحتها حوالي 200 الف دونم ، يقيم فيها اكثر من 2800 مستوطن وفي عام 1914 كان عدد المستوطنات قد وصل الى 47 مستوطنة إزداد بشكل متسارع الى 73 مستوطنة حتى العام 1921 وبلغ عدد الصهاينة المستوطنين حوالي 15 الف، وإبتدات السياسة ألأستيطانية بعد ذلك تأخذ إشكالا إخرى من خلال تشكيل العصابات الصهيونية الهجانا والقيام بأفتعال المذابح بحق المزارعين الفلسطينيين ودفع اموال كبيرة لأغراء بعض من ملاكي الأراضي الزراعية في فلسطين من اللبنانيين في خاصة في مناطق سهل الحولة ووادي ألأردن ، وبدعم ومساعدة سلطة ألأنتدلب البريطاني ، حيث بلغت مساحة ألأراضي الزراعية التي إستولى عليها الصهاينة عند انتهاء فترة الأنتداب البريطاني على فلسطين عام 1947 حوالي 2.5 مليون دونم أي ما يزيد عن 7% من مساحة فلسطين
تعد السيطرة على مصادر المياه والأراضي الزراعية الفلسطينية جوهر الفلسفة التي انتهجتها الصهيونية العالمية منذ نشوء الفكرة الأولى لتوطين اليهود في فلسطين وتابعتها إسرائيل بعد قيامها حتى الآن، وقد رافق عمليات الاستيلاء على الأراضي عملية تغيير ديموغرافي، ففي جميع حالات الاستيلاء كانت تجلب أعداداً من اليهود من مختلف أنحاء العالم ، ليحلوا مكان السكان العرب الفلسطينيين .
هدر المياه ليس محصورا فقط في ألأستيطان الزراعي بل ان القطاعين المنزلي والصناعي يشهدان اوجها أخرى لهدر المياه حيث يقدر معدل إستهلاك الفرد الواحد في إسرائيل من المياه لأغراض الشرب والمنزل بحوالي 400 ليتر في اليوم ، أي ما يقارب خمسة الى ستة أضعاف استهلاك الفرد الفلسطيني ، ومرتين الى ثلاثة مرات عن المعدل الوسط للأستهلاك الفرد في العديد من عواصم اوروبية كبرى ، وفي المستوطنات ألأسرائيلية يرتفع هذا المعدل الى 800 ليتر للفرد في اليوم ، وتقدر مساحة الحدائق المنزلية في اسرائيل بحوالي 180 ألف دونم اي ما يقارب مساحة ألأراضي الزراعية المروية في الضفة الغربية وقطاع غزة معا ، كما ان نسبة 40 % من مساكن المستوطنات تحتوي على بركة سباحة ، يستدل من هذه ألأرقام بوجود حالات من ألأفراط والهدر المتعمد للمياه ، بينما تمارس سلطات ألحتلال ألأسرائيلي وبتوجية من قبل الحكومات ألأسرائيلية المتعاقبة سياسة التعطيش المتعمد للفلسطينيين، حيث تواجه معظم المدن الكبرى وغالبية البلدات والقرى الفلسطينية في الضفة الغربية ، أزمات مياه حادة ومتفاقمة سنة بعد سنة ، فمنذ توقيع طابا المرحلية لعام 1995 وحتى يومنا هذا اي بعد اكثر من 17 عاما ، لم يحقق الفلسطينيون خلالها اي تقدم بشأن التخفيف من معاناة العطش وأزمات المياه ولم يحصل الفلسطينيون خلال هذه الفترة على أية كميات مياه إضافية وملموسة بل على العكس من ذلك فقد فقدوا ما يزيد على 37 % من مياه الينابيع وأبار الشرب والزراعة نتيجة للجفاف الذي لحق بتلك المصادر ، وفي قطاع غزة يشرب أهلنا المياه المالحة ويغتسلون بها حيث اصبحت كارثة الملوحة العالية تغطي نسبة تزيد على 78% من مناطق المياه الجوفية ...
لم يأتي السلام المنشود الذي لا زال يلهث الفلسطينييون وراءه بأية جدوى او فائدة تذكر، حتى في الحصول على شربة الماء وهذا يعود الى السياسة المائية الأسرائيلية التي وضعت مبكرا وتضمنت توجهات وأبعاد خفية ، من اهم اهدافها سياسة التعطيش وتجفيف عروق البشر والشجر، ويبدو ان هذا هو المفهوم الحقيقي للسلام ولمبداء حسن الجوار وحسن النوايا الموجود لدى الأسرائيليين وليس غير ذلك وهو ما أثبتوه من خلال مفاوضتهم الكاذبة والمضللة ومن خلال ممارساتهم وسياستهم المائية تجاه جيرانهم وشركائهم في السلام ....
في إطار سياسة بدائل المياه غير التقليدية باشرت إسرائيا خلال السنوات الخمسة ألأخيرة في تطوير وتوسيع مصادر تحلية مياه البحر من خلال بناء المنشاءات الضخمة كان اولها في منطقة عسقلان بطاقة إنتاجية تصل الى 120 مليون متر مكعب في السنة وبعدها في منطقتي القيسارية والخضيرة جنوب حيفا ومناطق أخرى ، وتخطط إسرائيل وفق سياستها المائية الجديدة الوصول الى انتاج ما يزيد على 500 مليون متر مكعب من منشاءالت التحلية قبل العام 2015 ، والسوأل الي يطرح نفسه هنا ، لماذا هذا التأخير الكبير جدا في التوجه الى بناء هذا النوع من المنشاءات الضخمة ، ولماذا لم يحصل ذلك مبكرا ، لسد العجز المائي المتراكم سنويا منذ بداية السبعينات حسب ألأدعاءات ألأسرائيلية ، خاصة وأن ما يزيد على 60 % من المياه التي يستخدمها ألأسرائيليون من ألأحواض الجوفية ومن حوض نهر ألأردن هي مياه فلسطينية وعربية مسروقة ومنهوبة ومستغلة منذ العام 1960 ، وبدلا من سرقة ونهب مياه ألأخرين وخلق الصراعات والحروب حول المياه ، وأيضا لتجنب تدمير ألأحواض المائية الجوفية المشتركة على النحو الحاصل. ولكن ما فعلته السياسة المائية في إسرائيل تجاه نظام ألأحواض المائية العذبة يعتبر بمثابة جرائم بحق ألأنسانية وبحق البيئة الطبيعة للنظام ألأيكولوجي المائي وبالتالي بحق مساعي وجهود السلام .
لا يوجد مثيل للسياسة المائية ألأسرائيلية في مكان أخر في العالم من حيث اهدافها وابعادها التدميرية ، فكما اشرنا اعلاه فأن اهم اهداف السياسات المائية هي حماية أحواض ومصادر المياه العذبة والحفاظ عليها وتنميتها وتطويرها وليس تدميرها كما هي النتائج على ألأرض بالنسبة للسياسة المائية ألأسرائيلية ، ويبدو ان ألأسرائيليين معنيين بدمار ألأحواض المائية الجوفية وغير قلقين عليها وأنهم يخططوا بالفعل الى عدم ألأعتماد مستقبلا على تلك ألأحواض ، والتوجه تدريجيا الى ألأعتماد على مياه التحلية لتغطية ألأحتياجات المائية لأغراض الشرب والمنزل والصناعة وإبقاء مياه ألأحواض الجوفية التي تتعرض تدريجيا الى التلوث لتغطية ألأحتياجات الزراعية من مياهها ، وهذا ما سيضع الفلسطينيين مستقبلا أمام كارثة حقيقية لا حدود لها في حالة حدوث دمار شامل للأحواض الجوفية ، ستفقد عندها السيطرة على اتخاذ اي اجراء لحمايتها وإصلاحها ، وسيكون امام الفلسطينيين خياران لا ثالث لهما إما الهجرة وترك ألأرض وهو ما كان يريده ألأسرائيليون بل ويتمنوه ولا زالوا يسعون الى تحقيقه ، وهذه هي أحلام الحركة الصهيونية منذ قيامها ، وإما أللجوء الى ألأسرائليين والتوسل اليهم بتزويد الفلسطينيين بمياه الشرب وفق معايير وشروط سياسية وتجارية وكلا الحالتين مصيبة على الفلسطينيين ، وهو ايضا ما يسعى اليه الأسرائيليون لأبقاء حياة الفلسطينيين ومستقبلهم رهينة أبدية بيد الأسرائيليين في كافة النواحي والمجالات وخاصة في مجال يرتبط بحياتهم وسر بقاءهم مباشرة وهي المياه ...
لقد أثبتت الحقائق والوقائع على ألأرض ان السياسة المائية ألأسرائيلية هي سياسة تدميرية للأحواض المائية الجوفية ، فالحوض الساحلي وهو حوض مشترك بين الفلسطينيين وألأسرائيليين اكبر الأحواض المائية الجوفية وتقدر طاقته ألأنتاجية السنوية بحوالي 470 مليون متر مكعب ، هذا الحوض اصبح مستنزفا بشكل كامل أي ان كافة مصادر المياه التي تأتيه من ألأمطار الموسمية يعاد سحبها بالكامل واحيانا كثيرة يجاوز معدل السحب الطاقة المتاحة ، نسبة 44 % من مناطق المياه في هذا الحوض اصبحت مالحة وملوثة وغير صالحة للأستخدامات المنزلية والشرب ، وقد تم بقرار من وزير الصحة ومفوض المياه إغلاق العديد من ألأبار في هذا الحوض ووضع محاذير على عدد كبير أخر ومنع إستخدام مياهها للشرب اوالمنزل ، كذلك الأمر بالنسبة للحوض الغربي وهو حوض مشترك ، معظم مصادره المائية تأتي من مناطق الضفة الغربية وتقدر طاقته ألأنتاجية بحوالي 400 مليون متر مكعب يجري سحبها بالكامل ، ولذك إبتدات تظهر مؤشرات تسرب الملوحة الى هذا الحوض من مناطق الحوض الساحلي ، حوض الكرمل وهو حوض مشترك ومستنزف بالكامل ومعرض للملوحة ، الحوض الشمالي الشرقي وهو حوض مشترك وايضا مستنزف بالكامل وتقع معظم مصادره المائية في الضفة الغربية ،
بسبب عمليات ألأستنزاف القصوي للأحواض الجوفية ولحوض نهر ألأردن وبحيرة طبريا فقد تعرض النظام الهيدروجيولوجي والأيكلوجي لتلك ألأحواض الى حالات تشوه وتدمير بيئ كبير ، ورغم التحذيرات المتكررة والمتشددة التي وجهها معظم مفوضي المياه المتعاقبين منذ العام 1970، وطالبوا وقف عمليات الضخ الزائد وتخفيف الضغط عن ألأحواض بما في ذلك بحيرة طبريا ، لتجنب مخاطر ألأستنزاف والتملح التي إزدادت مؤشراتها وإتسعت مناطق تقدمها وأصبحت تشكل تهديدا خطيرا لمصادر المياه العذبة ، ولكن رغم كل ذلك لم يتمكن اي من مفوضي المياه منذ العام ذ970 حتى اليوم من إتخاذ اي إجراء بهذا الشأن ، فمعدل الملوحة قد تجاوز في بحيرة طبريا مستوى 700 ملغ / كلوريد وفي الحوض الساحلي فقد تقرر كما اشرنا إغلاق العديد من المناطق المائية وحذر حفر الأبار فيها ، وفي ألأحواض المستنزفة ألأخرى إبتدأت تطهر مؤشرات الملوحة العالية والتلوث العضوي.
تتبنى السياسة المائية الأسرائيلية سياسة مكشوفة لهدر المياه من خلال توفير الدعم المتواصل للوبي الزراعي وذلك من خلال إعتماد وتطبيق سياسة تعرفة هشة غير متوازنة وشبه رمزية لأسعار المياه المستخدمة في الزراعة.
تعتبر سياسة التعرفة احد اهم جوانب السياسة المائية في إدارة الطلب والحد من هدر المياة والترشيد في ألأستخدام ، وذلك من خلال وضع نظام تعرفة سليم ، تضمن للدولة استرداد التكلفة الحقيقية للمياه في كافة جوانبها وخبراء المياه ومخططي هذا القطاع الحيوي والهام في اسرائيل يدركون جيدا اهمية نظام وسياسة التعرفة المائية ، إلا ان هذا لم يحدث ضمن السياسة المائية الأسرائيلية التي وكما اوردنا سابقا تعرفة هشة وشبه رمزية متدنية للغاية بالنسبة لمياه الزراعة والصناعة حيث تقل بخمسة أضعاف عن سعر التكلفة الحقيقية للمياه ، وبالتالي فأن هذه ليست سياسة تعرفة رشيدة بقدر ما هي سياسة تحفيز على هدر المياه لأنجاح مشاريع وبرامج توسيع ألأستيطان الزراعي .
علما بأن القطاع الزراعي في إسرائيل يستهلك أكثر من 75% من إجمالي إستهلاك المياه ، ورضوخ الحكومة ألأسرائيلية ومفوض المياه لتوجيهات ورغبات ما يسمى بمجلس المياه ، الذي يضم 39 عضوا يمثلون بالدرجة الرئيسية قطاعات مستخدمي المياه واعضاء من المؤسسات الحكومية المعنية ، يسيطر على قرار هذا المجلس اللوبي الزراعي الذي يضم كبار الحيتان من المزارعين ، ولهذا تم تحذير وتهديد مفوضي المياه المتعاقبين من اللذين إعترضوا على عمليات الأستنزاف والضخ الزائد من بحيرة طبريا وألأحواض الجوفية وحاولوا تعديل ورفع اسعار المياه المزودة للقطاع الزراعي ، علما بأن نسبة ما يشكله القطاع الزراعي من إجمالي الدخل القومي لأسرائيل لا يتعدى حاليا وكما اسلفنا 2% فقط ، أي ان المزارعين الأسرائيلين يصدرون المياه الى اوروبا ودول العالم ألأخرى من خلال الصادرات الزراعية ، اي ان إسرائيل وبطريقة غير مباشرة تصدر الجزء ألأكبر من مياه الفلسطينيين الى الخارج وتمنع وصولها الى اصحابها .
كذلك ألأمر بالنسبة لسياسة التحصيص وهي من مهام مجلس المياه ، اي توزيع المياه حسب القطاعات ، فبحكم قوة ونفوذ اللوبي الزراعي في مجلس المياه وفي اللجان المختصة التابعة للكنيسيت ،لا يستطيع أحد المس بحصة القطاع الزراعي ويا ويل من يفكر في ذلك، حتى خلال السنوات القليلة ألأمطار والسنوات الجافة ورغم تجاوز مستوى سطح المياه في بحيرة طبريا المستوى الخطير تحت الخط ألأحمر ، إلا ان مفوضي المياه فشلوا وعجزوا عن إتخاذ القرار بوقف عمليات الضخ لفترة محددة او حتى تخفيضه بنسبة معينة ، وذلك لأن القرار لم يكن بأيديهم بل بأيدي اللوبي الزراعي دائما .
حرصت الحكومة الأسرائيلية طوال العقود الستة الماضية على توفير الدعم المالي للمياه وخاصة للمياه الزراعية ، من خلال تقديم الدعم المالي المباشر للمزارعين اللذين يمتلكون ابار زراعية اومن خلال دعم شركة المياه الأسرائيلية "ميكوروت" لمنع هذه الشركة من القيام برفع اسعار المياه حيث تتحمل الحكومة ألأسرائيلية الفرق بين تكلفة ألأنتاج والبيع ،اي ان الحكومة تقوم بدعم المياه المزودة للمزارعين وللقطاع الصناعي ايضا وتغطية العجز الذي يترتب عن ذلك ن وبهذه السياسة تشجع الحكومة ألأسرائيلية بهذا التصرف على هدر المياه في هذين القطاعين الزراعي والصناعي (تتولى شركة ميكوروت إنتاج وتزويد ما نسبتة 65 % من أجمالي حجم الأمدادات المائية والنسبة الباقية تأتي من جهات أخرى مستقلة ومن المزارعين اللذين يمتلكون ألأبار الزراعية ) .
سياسة تحصيص المياه حسب القطاعات وألأولويات لا تخضع لأية معايير اوإعتبارات صحية وإجتماعية وإقتصادية وبيئية وغير ذلك ، بل تتأثر كثيرا بالقرارات السياسية والضغوطات التي يمارسها اللوبي ألأستيطاني والزراعي ، فالمستوى السياسي له سياسته المائية التي يسعى من خلالها إحكام السيطرة الكاملة والدئمة على كافة مصادر المياه السطحية والجوفية والعمل على إستغلال طاقتها الكاملة والوصول الى حالات ألأستنزاف القصوي كما هو حاصل بالفعل ألأن بالنسبة للأحواض المائية الجوفية المشتركة وكذلنك بالنسبة لمياه حوض نهر ألأردن ، حيث تحاول إسرائيل منذ قيامها السيطرة على مصادر المياه المشتركة وفرض سياسة ألأمر الواقع ، والتنكر لحقوق الفلسطينيين والعرب في تلك المصادر ، وألأدعاء بما يسمى الحقوق المكتسبة وألأدعاء بمقولة أنه لم تعد هناك مياه للتفاوض بشأنها مع احد ، وقد استخدم الأسرائيليون المياه كوسيلة لتدمير ألأراضي الزراعية الفلسطينية وممارسة الضغط على المزارعين الفلسطينيين لأجبارهم قهرا او طوعا على ترك اراضيهم الزراعية والهجرة والرحيل او التحول الى عمال عاديين يعملون في إسرائيل او في المستوطنات الأسرائيلية .
نعتقد إستنادا الى ما تقدم في تحليلنا لأبعاد وأهداف السياسة المائية ألأسرائيلية ومراحل تنفيذ تلك السياسة خلال العقود الستة الماضية ، بأن السلام الذي ينشده الفلسطينييون مع ألأسرائيليين ليس إلا سرابا وأوهاما لا يمكن ان يتحقق منها شيء لا بما يخص الحصول على حقوق المياه ولا في إستعادة ألأراضي والقدس ولا بشأن قضية الاجئين ولن تقوم دولة تفتقر الى شربة الماء .
*الرئيس السابق لسلطة المياه
الرئيس السابق للفريق المفاوض حول المياه