الاسير مصطفى يحدوه الشوق والحنين الى بلدته بروقين
في حجرة الضيافة التي يضمها منزل أخيه ، يستشعر المرء وطأة الغياب عند رؤيته لصور اخيه الاسير المعلّقة على الجدار. عيناه تطلّ من بعيد لتزرع في قلوب الناظرين إليه معنى التحدّي وعنفوان الحياة, التي تبدأ و تنتهي دون أنْ تأبه لقرار سجان ظالم .. فينظر إليهاأخيه كل صباح ومساء . ربما يخاطبها أيضا.. لعلها تسترجع بعضا من الذكريات التي قضياها معا في بلدتهم بروقين قضاء سلفيت.
قصة مصطفى مع الإحتلال
بكلمات يغلفها الشوق والأنين يسرد "فرح" أخ الأسير مصطفى عثمان والذي يقضي حكما بالسجن مدى الحياة, أسر أخيه من قبل سلطات الإحتلال , قائلا": مصطفى من مواليد25/5/1968, تعرض للإعتقال من قبل الإحتلال مرتين, الأولى كانت في شهر حزيران عام "1985 ", وكان عمره عند إعتقاله 21 عاما, بتهمة مشاركته بنشاطات ضد الإحتلال الاسرائيلي, ومدة محكوميته كانت6" شهور وغرامة مالية , ويتابع "فرح" حديثه بحسرة الاخ الذي حرم من إحتضانه لسنوات طويلة , قائلا": بعد خروجه من السجن ضل مصطفى يتابع مسيرته في الحياة بشكل طبيعي, الى أن أصيب بتاريخ 24/3/1989 ,من قبل جنود الإحتلال أثناء مواجهات حدثت بين شبان مع الجيش الإسرائيلي أثناء إقتحامهم للبلدة, وكانت إصابته خطيرة في الرقبة وأستقرت خمس شظايا في كتفه الأيمن وما زالت لغاية الآن مستقرة , وبقي شهرا وهو في العناية المكثفة وهو لم يستطيع التكلم نتيجة الإصابة ,
توقف لسانه عن مواصله حديثه معنا وكأن يستذكر شيئا ما, ودقائق الى أن عاد ليكمل حديثه قائلا": في اليوم الذي أصيب فيه أخي لم أكن موجودا في البيت, كنت مع صديق لي في نابلس وأثناء عودتنا الى البيت وإذا بحاجز إسرائيلي يقف على مدخل بلدتنا , وعند وصولنا الحاجز أمرنا الجنود بالتوقف والعودة الى المكان الذي كنا فيه , وعند إستفسارنا قال لنا أحد الجنود, ممنوع الدخول " لأننا قمنا بقتل شخص من بلدتكم , ولم أعرف أن المقصود هو اخي مصطفى ولم يخطر ببالي أنه هو , وبعد أن منعونا من الدخول للبلدة حاولنا أكثر من طريق, ولم تفشل محاولتنا من الوصول, ولم يكن مصطفى موجودا في البيت , وعند إستفساري عن مكان وجود مصطفى قالوا لي أنه ذهب لزيارة صديقه ,
صمت لثواني وبتنهيدة حارقة شعرنا بلهيبا, يواصل سرد حكاية أخيه مع الإحتلال قائلا": شعور غريب كان يتسلل لي وخوفي كان يزداد كلما مرت دقيقة, وكأن شيئا يخبرني ان مكروها حدث لمصطفى , وبعد فترة من الزمن جاءني الخبر أن مصطفى هو الشخص الذي كان يقصده الجيش , وأنه قد توفي وتم نقله الى المستشفى في نابلس,وبدون شعور ذهبت لأعرف ماذا حدث له فوجدته مصابا وما زال على قيد الحياة حمدت الله وشكرته على كل شيء." قالها والدمعة بعينيه .
الإعتقال الثاني
وبصوت مخنوق يكمل فرح حديثه عن أخيه مصطفى قائلا": " ضل مصطفى في المستشفى يتلقى العلاج لمدة شهرين, وبعدها خرج من المستشفى وأصبح يمارس حياته الطبيعية,وفي يوم وأثناء شروق الشمس بعد غياب لها في فصل الربيع, خرج مصطفى وصديقين وهما" فهيم رمضان وبلال ضمرة "الى نزهة لتغير الجو في منطقة أثرية إسمها "جلال الدين " ,وهي تقع ما بين سلفيت وبروقين من جهة المطوي ,
ويضيف أثناء وجودهم ودخولهم الى مكان أثري وإذا بهم يتفاجئون بوجود مستوطن يحمل كاميرا ويقوم بتصوير المنطقه , ويكملقائلا": هذا دم شباب ما إتحملوا واحد مغتصب وبوضح النهار وبيصور في مناطق بلدتهم فقاموا بقتله " وبعدها أصبح مصطفى وأصدقاءه مطاردين بعد ان اكتشف امرهم ,وأخبرني مصطفى بالحادثة , فهربوا للإختباء في نابلس, وبقي مطاردا الى أن اعتقلوه من هناك, بعد أن قاموا بإغلاق منطقة وجودهم في وادي التفاح بتاريخ 20/6/ 1989 ,وقبل إعتقاله بيوم قام الجيش بإعتقالي بتاريخ 19/ 6/ 1989, وكنت طالبا في جامعة النجاح , وتم اعتقالي بحجة أنني أقوم بمساعدة أخي وأصدقاءه وأن لي علاقة بحادثة مقتل المستوطن, ومكثت في السجن عشرين يوما وكانت فترة تحقيق , وأثناء التحقيق في طولكرم تم مواجهتي بمصطفى مرتين, في المرة الأولى أبقيت مصرا أنني لا أعرف شيئا عن الحادثة لأن مصطفى لم يعترف بما فعلوه , وبعد 48 ساعة أخبروني في التحقيق أن مصطفى إعترف بكل شيء,وقاموا بمواجهتي و جاءوا بمصطفى وكشفوا عن وجهي, وكان مصطفى بحالة يرثى لها من التعذيب الذي مارسوه بحقه , وقال لي خلاص إعترفت بكل شيء,
سكون وصمت خيم على المكان, وبنبرة صوته الحزينه ودمعته التي أبت أن تبقى سجينة عينه, لتجد لها مسارا على خده هامسا " تلك الذكريات ما بحب أتذكرها ولا أذكرها لأي إنسان , كان يوما صعبا بالنسبة لي, وصورة مصطفى لا تزال في مخيلتي حتى هذه اللحظات, أحس بحسرة وألم ما أصاب أخي "
توفي والده ولم يراه
ويواصل فرح حدلثه قائلا": وبعد أن أفرجوا عني بدون محكمة,وعدت الى البيت فوجئت ان البيت والذي يتكون من طابقين وجدرانه من حجر وبناه والدي في السبعينات من عمله في الغربه ولكننا لم نفرح به كثيرا, فقد تم هدمه من قبل الاحتلال, واهلي يقيمون في خيام تم نصبها من قبل الصليب الاحمر, مكان منزلنا , ويضيف كل هذه الأحداث ووالدنا كان في الأردن فعاد الى الوطن ثاني يوم من هدم البيت, وتلك الأحداث جعلت منه انسانا عاجزا حزينا, على ما أصابنا من الإحتلال, ومع هذا ضل يظهر قوته أمام مصطفى أثناء زيارته له ليمده بالقوة والامل , فكان هو من يقوم بزيارته لوحده لاننا كنا ممنوعين من زيارته الى ان تمت محاكمته , وخلال انتفاضة الاقصى تم منعنا من زيارته لمدة سنتين ومن عام 2008 زرته ما يقارب الأربع مرات ولغاية الآن وأنا مرفوض أمنيا ,حتى اخوتي الذين يسكنون في الخارج واذا تم السماح لاحد فيهم يكون حسب امزجتهم ,
ويكمل "فرح" حديثه بتنهيدة قائلا":ضل والدي مريض اثر تعرضه لحادثة جعلت من انسانا عاجزا عن الحركة ولم يعد بمقدوره زيارة مصطفى,الى أن توفي وكان عمره 97 عاما ,و دائما كان يدعو الله أن يرى ويحضن مصطفى قبل أن تخرج الروح لباريها "
تنقلاته ومذكراته داخل السجون
يكمل فرح حديثه عن تنقلات اخيه داخل السجون قائلا": تنقل مصطفى خلال تواجده في السجن بين عدة سجون بداية بسجن نابلس المركزي وبقي فيه لمدة سنتين وبعدها انتقل لسجن جنيد وبقي فيه لعام 1996وبعدها تم نقله الى سجن عسقلان وبقي فيه لغاية 2001وفي عام 2002 تم نقله الى سجن هداريم وبقي فيه لمدة سنتين الى ان تم نقله الى سجن بئر السبع وفي عام 2007 تم نقله الى سجن رامون وقبل ثلالثة شهور تم نقله الى سجن جلبوع "
عاد السكون ليخيم مرة اخرى على المكان ليكسره صوت تصفح دفتر مذكرات مصطفى والتي خطها بقلم الالم لتعبر عن شعوره واحساسه بظلم السجن والسجان داخل السجون , فأخذ "فرح" الدفتر واخذ بتصفحها وقراءة بعضا, ومنها "ليلتي الاولى في ظلمة الزنزانة" 27/2002 ويصف الزانزانة التي فيها وظلمها , وكتب عن الليلة الثانية والثالثة... الخ , ومن خواطره "تحدي السجان" وكتبها عام 1999 ... هنا في زنزانتي ...هنا أقضي الأايام ...هنا أقضي حاجتي وهنا أنام ...هنا أغتسل باب وحدتي وهنا آكل اي طعام ... هنا مكان صلاتي وهنا أرتل عزة الكلام ... وهنا في زنزانتي وهنا تغتصب الأحلام... هنا قصرا أعانق ظلمتي هنا تتألم الالام... هنا أختلس لي ورقتي وهنا تمنع الأقلام... وهنا حقا استشعرت وحدتي وهنا يفقد الإنسان السلام ...هنا أحتجت إرادتي وهنا بها قاومت الظلام وهنا في زنزانتي هنا أمضيت أيام وأي أيام ....
وعن دراسته يكمل ": مصطفى يحب العلم وهو يكمل دراسته الجامعية داخل السجن ولكن ممارسات الاحتلال القهرية ما زالت تقف حاجزا امام تخرجه , عشر سنوات ولغاية الان ما زال يكمل , وعند موعد الامتحان الاخير يمنعه السجان من تقديمه بحجة العقاب "
ويبقى الأمل ...
وبنبرة صوته وكلها حنين لمصطفى وطفولتهما يستذكر قائلا": عشنا طفولتنا معا ونقضي كل أوقاتنا معا ولنا ذكريات , وبضحكة صفراوية مصحوبة بدمعة اخذ يستذكرقائلا": كان لدينا غنمتين وكنا نرعاهم معا, ونبقى طول الوقت متقاتلين, من يرعى الغنمتين؟ وفي يوم دفعته على الأرض وكان في كومة من الشوك وتختبيء تحتها ثعبان فضحكنا على هذا الموقف "
صمت وكأنه يستذكر شيئا ما قسمات وجهه، تكشف أنه ينتفض انفعالاً, دقائق وعاد لمواصلة حديثه ,وبصوته الحزين تحدث"فرح" قائلا":كنت متمنيا أن يكون إسم مصطفى بين أسماء الأسرى المفرج عنهم خلال صفقة شاليط , وكان شعوري في حالة صراع عند معرفتي أن إسم أخي ليس بين الأسماء المدرجة, علما ان صديقه فهيم افرج عنه ,وكنت متمسكا بالأمل أن يكون هناك أسماء أخرى ,
ومع هذا يبقى الأمل لصفقات أخرى قادمة , أنمنى أن يخرج من سجنه وأعانقه , ونعيش معا ونفرح بزفافه ,
وينهي "فرح" موجها حديثه لمؤسسة الرئاسة الفلسطينية وأخيه قائلا": السجن ما بيسكر على اي إنسان مهما كانت محكوميته, ومهما طال الزمان , وطلبي الوحيد من مؤسسة الرئاسة أن يكون هناك إهتمام بالأسرى القدامى, وقبل أي محادثات سلام أن يخرجوا الأسرى بدون أي شروط "