نبيل العربي .. استكمال لمسيرة ستة أمناء عامين للجامعة العربية
(محمود خلوف)
جرى اختيار البرفيسور نبيل العربي وزير خارجية مصر السابق، لمنصب أمين عام جامعة الدول العربية، أواسط شهر أيار الماضي، وبإجماع وزراء خارجية الدول العربية، بعد فشل مصر في خلق حالة توافق حول مرشحها السابق لهذا المنصب د. مصطفى الفقي.
فورقة العربي استخدمت لعدم ضياع هذا المنصب من مصر، ليصبح في النهاية الأمين العام رقم 7 للجامعة، منهم 6 مصريين، وتونسي واحد هو الشاذلي القليبي، حينما نقل مقر الجامعة إلى تونس اعتراضا على توقيع اتفاقية كامب ديفيد.
ونبيل عبد الله العربي الذي يتسلم مهامه صباح يوم الأحد المقبل، هو من مواليد 15 آذار/ مارس 1935 وتسلم منصبه وزيرا لخارجية مصر في 7 آذار/ مارس 2011، وجاء ترشيحه مدعوما بقوة من شباب التحرير- "شباب ثورة 25 يناير".
العربي ومواقفه من إسرائيل:
كثيرًا ما يصف الإعلام الإسرائيلي نبيل العربي، «كرجل معاد لإسرائيل»، وما زاد الهجوم عليه مطالبته إسرائيل بدفع فروق أسعار الغاز المصري المصدر إلى إسرائيل منذ عهد حسني مبارك.
ومثلما لم تعجب مواقف وتصريحات العربي الجانب الإسرائيلي، سواء أثناء تمثيله لمصر في محكمة العدل الدولية في لاهاي بهولندا، أو بعد ذلك، خصوصا إدانته ورفضه الشديد لجدار الضم والتوسع الذي أقامته إسرائيل، ووصفه بأنه "جدار عنصري"، ومن الواضح أن هناك مخاوف إسرائيلية من أن يسعى العربي لجذب الجامعة العربية تجاه المزيد من التشدد مع تل أبيب، وربما وقف أو سحب مبادرة السلام العربية وتجميدها، حتى تستجيب الأخيرة للمطالب العربية المقابلة للمبادرة.
وللعربي، مواقف واضحة فيما يخص إسرائيل، فهو يرى أيضا أن اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل لم تضر الشعب المصري وحافظت على السلام بين الدولتين، لكنها أضرت الشعب الفلسطيني أكثر، ويؤكد على ضرورة إبقاء اتفاقية السلام باردة بين مصر وإسرائيل، لكن في نفس الوقت دون المساس بشكل سلبي بالمصالح الاقتصادية المصرية أو المصالح الفلسطينية، وهو الذي صرح بأن بنود معاهدة السلام تسمح لمصر بمطالبة إسرائيل بتعويضات عن فترة احتلالها سيناء، ومن حق مصر إعادة النظر في الترتيبات الأمنية، لأن إسرائيل استفادت من معاهدة السلام أكثر من مصر، مطالباً بإعادة النظر في القوات متعددة الأطراف في سيناء.
العربي دبلوماسيا وسياسيا وقاضيا:
العربي، تخرج من كلية الحقوق بجامعة القاهرة عام 1955، وحصل على ماجستير في القانون الدولي، ثم على الدكتوراة في العلوم القضائية من مدرسة الحقوق بجامعة نيويورك، وترأس وفد مصر في التفاوض لإنهاء نزاع طابا مع إسرائيل (1985- 1989)، وكان أيضًا مستشارًا قانونيًّا للوفد المصري أثناء مؤتمر كامب ديفيد للسلام في الشرق الأوسط عام 1978.
وعمل سفيرًا لمصر لدى الهند (1981 - 1983)، وممثلاً دائمًا لمصر لدى الأمم المتحدة في جنيف (1987- 1991)، وفي نيويورك (1991- 1999)، كما عمل مستشارًا للحكومة السودانية في التحكيم بشأن حدود منطقة أبيي بين حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان.
كما عمل قاضيًا في محكمة العدل الدولية من 2001 إلى 2006، وكان عضوًا في لجنة الأمم المتحدة للقانون الدولي من 1994 حتى 2001، ويعمل كعضو في محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي منذ 2005، وشغل منصب رئيس مركز التحكيم الدولي، والقاضي السابق بمحكمة العدل الدولية.
وتم تكليفه في ديسمبر 2009 بإعداد الملف المصري القانوني لاستعادة تمثال الملكة نفرتيتي من برلين.
العربي يأتي في ظل تحديات جسام تواجه الأمة:
ومن الواضح، أن العربي يأتي للجامعة العربية في ظل فترة تتسم بالحساسية والخطورة، في ظل الحراك الشعبي العربي والثورات، وقيام عدد من الأنظمة بارتكاب انتهاكات فظيعة بحق أبناء شعبها، ما قد يفرض على الجامعة العربية أن تقول كلمة واضحة، كما قالت كلمتها في انتهاكات القذافي بحق الثوار والشعب الليبي.
والعربي، يتقلد منصبه في ظل حالة من عدم الاستقرار السياسي في عدد من الدول العربية، وبالتزامن مع ثورات شعبية غير مسبوقة تطالب بالتغيير والديمقراطية والحرية في سوريا واليمن وليبيا، بعد نجاح ثورتي مصر وتونس، ما يقع على عاتق الأمين العام الجديد تفعيل دور الجامعة العربية في معالجة قضايا الأمة، وتفعيل التعاون الاقتصادي، خاصة في ظل الأزمات المتلاحقة التي تعانى منها الدول العربية، والأطماع الغربية التي تسعى للسيطرة على خيراتها.
كما يقع على عاتق العربي موضوع قديم متجدد، يتمثل بمواجهة التهديدات الإسرائيلية المستمرة للأمن القومي العربي، وعدم التزامها بقرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي، واستمرار احتلالها للأراضي العربية في فلسطين وهضبة الجولان وجنوب لبنان.
والأمر ليس مقتصرا على إسرائيل، في ظل استمرار الاحتلال الأميركي للعراق، والضغوط الغربية على السودان، وانفصال الجنوب السوداني عن الشمال والصراع حول إقليم أبيي.
وبما أن الجوع والفقر المدقع عاملان محركان لتحركات الشعوب العربية ضد أنظمتها، تواجه الجامعة العربية في ظل فترة العربي، موضوع محاولة خلق الاكتفاء الذاتي العربي من الغذاء، ومن الصعب تجاهل هذه القضايا والمرور عليها بشكل روتيني، من خلال قرارات متكررة ترحل من قمة عربية إلى أخرى.
العربي امتداد لمسيرة من سبقوه:
يأتي الدكتور نبيل العربي ضمن مسيرة كبيرة وتراكم عمل في جامعة الدول العربية، بدأ من عبد الرحمن حسن عزام "جيفارا العرب"، (8 مارس 1893ـ 2 يونيو 1976)، أصبح في 22 مارس 1945 الأمين العام الأول لجامعة الدول العربية في قمة أنشاص وبقي أمينا عاما إلى عام 1952، وهو من أصول ليبية، ولد في محافظة الجيزة، ودرس الطب في مصر، ثم سافر إلى ليبيا ليشارك في القتال ضد الإيطاليين، حيث أصبح مستشار الجمهورية الطرابلسية، وأسس القوات المرابطة وقادها إلى أن أصبح وزيرا للخارجية المصرية.
ويطلق عليه جيفارا العرب لأنه شارك في حروب كثيرة، منها حرب ضد الصرب في صفوف العثمانيين وروسيا، وحارب الإنجليز مع أحمد الشريف السنوسي، والفرنسيين، وحارب ضد الايطاليين، واحتل مع محمد صالح حرب والسيد أحمد الشريف الواحات المصرية، وأنشأ الجيش المرابط خلال الحرب العالمية الثانية، وساهم في صنع أول جمهوريه في العالم العربي الجمهورية الطرابلسية.
وكان محمد عبد الخالق حسونة، ثاني أمين عام لجامعة الدول العربية، ولد بمدينة القاهرة في 28 أكتوبر 1898 وتوفي في 20 يناير 1992.
نال حسونة درجة الماجستير في الاقتصاد والعلوم السياسية من جامعة كمبردج بإنجلترا عام 1925، وكان عضوا في أول بعثة للسلك الدبلوماسي لوزارة الخارجية المصرية.
كما شغل منصب محافظ الإسكندرية من 25 أبريل 1942 حتى مايو 1948، وانتخب أمينا عاما لجامعة الدول العربية عام 1952، واستمر في منصبه هذا حتى عام 1972.
رجل مخابرات يتبوأ المنصب:
وشغل محمود رياض، منصب الأمين العام الثالث لجامعة الدول العربية، حيث ولد في الثامن من كانون الثاني/ يناير 1917 وتوفي في كانون الثاني/يناير 1992.
وتخرج من الكلية الحربية بمصر عام 1936، ثم عين مديرا للمخابرات الحربية في غزة عام 1948، وعمل سفيرا لمصر في دمشق عام 1955، واشترك مع الوفد المصري في توقيع الوحدة مع سوريا عام 1958 لتصبح الجمهورية العربية المتحدة، وعمل بعدها مستشارا للشؤون السياسية لجمال عبد الناصر بين 1958 و 1962، وفي سنة 1962 أصبح مندوب مصر الدائم في الأمم المتحدة، وعين وزيرا للخارجية من 1964 إلى 1972، واختير أمينا عاما للجامعة العربية في يونيو 1972، واستقال في مارس 1979.
أمين عام غير مصري:-
سمحت الفرصة بعد توقيع مصر على اتفاقية السلام مع إسرائيل، بأن يتبوأ منصب أمين عام الجامعة العربية شخص غير مصري، فجاء الشاذلي القليبي (ولد في 6 أيلول/سبتمبر 1925)، وهو سياسي تونسي معروف، وشغل منصب أمين جامعة الدول العربية ما بين 1979 و1990، عندما كان مقرها تونس بعد اتفاقية كامب ديفيد.
واستقال من منصبه خلال الحشد الأميركي على العراق 1990- 1991 قبيل حرب الخليج الثانية، لاعتراضه على الحرب الأجنبية على العراق، وكانت سنوات عمله في الجامعة العربية حافلة بالأحداث العربية والقضايا الإقليمية، فكان دومًا ينادي من منبره بأن يُفعّل العرب بإرادتهم مؤسسات العمل العربي المشترك.
ومن أبرز الأحداث في عهده، تكوين لجان لتنقية الأجواء العربية، بحث الوضع في القرن الأفريقي وجنوب أفريقيا، ودعم الانتفاضة الفلسطينية، ودعم التعاون العربي الأفريقي، وإدانة الإرهاب الدولي وفي مقدمته الإرهاب الإسرائيلي داخل الأراضي العربية المحتلة وخارجها، والسعي لتحقيق الأمن القومي العربي، وتنقية العلاقات العربية، والمؤتمر الدولي للسلام في الشرق الأوسط، والمقاطعة العربية لإسرائيل، والترحيب بقيام الجمهورية اليمنية، والهجرة اليهودية إلى فلسطين وخطرها على الأمن القومي العربي.
عودة المنصب إلى مصر:
تولى أحمد عصمت عبد المجيد، المولود عام 1923 بمدينة الإسكندرية، منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية في الفترة بين 1991 و1996، حاصل على ليسانس الحقوق من جامعة الإسكندرية عام 1944.
وتولى عبد المجيد قبل ذلك مناصب: وزير الخارجية المصرية في الفترة بين 1984 و1991 ونائب رئيس الوزراء عام 1985، وسفير ومندوب مصر الدائم في الأمم المتحدة 1972 -1983، وقبلها وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء عام 1970 – 1972، وكذلك سفير مصر لدى فرنسا عام 1970.
موسى يترك المنصب طامحا برئاسة مصر:
عمرو محمد موسى، الذي أنهى منصبه أمينا عاما للجامعة العربية الليلة الماضية، تم انتخابه لهذا المنصب في مايو 2001، بعدما شغل قبل ذلك منصب وزير خارجية مصر، وهو من مواليد 3 تشرين الأول/ أكتوبر 1936 بالقاهرة، وتنتمي عائلته إلى محافظتي القليوبية والغربية، حاصل على إجازة في الحقوق من جامعة القاهرة 1957، والتحق بالعمل بالسلك الدبلوماسي بوزارة الخارجية المصرية عام 1958.
وعمل مديرا لإدارة الهيئات الدولية بوزارة الخارجية المصرية عام 1977، ومندوبا دائما لمصر لدى الأمم المتحدة عام 1990، ووزيراً للخارجية عام 1991 وأميناً عاماً للجامعة العربية عام 2001.
ويبقى التفاؤل سيد الموقف، بما يخص الجامعة العربية والفترة المقبلة، في ظل الحراك العربي، ونظرا لأن الدكتور نبيل العربي يجمع بين الخبرة الدبلوماسية والقانونية الكبيرة.