رغم إصابتها بالداون : الفتاة "وفاء" صمام الأمان للعائلة الفقيرة
في جمعية الحق في الحياة وعلى ذات الكرسي تجلس وفاء حيث الخيوط وقطع التطريز التي تملأ الطاولة ، حاولت الحديث معها إلا أنني لم أعي من حديثها الكثير، كان من الصعب أن أفهم جميع إيماءاتها ، فكلماتها تكاد لا تذكر في عالم اللغة .
وفاء أبو حبل فتاة الداون ذات السبع والعشرين ربيعا، لا تلمس في أعوامها تلك غير التعب والنَّصَب ، ولدت وفاء في ظل أسرة فقيرة تقطن في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، لها من الأشقاء ثلاث، وسبع من الشقيقات، كان قدر الإله أن تتميز وفاء بشكلها ووصفها دون إخوتها ، لتكون الوحيدة التي تعاني من متلازمة داون، لكنها في الوقت ذاته الوحيدة التي تمنح الحياة لأسرتها الفقيرة ، فهي التي تحيك بيديها بعض المطرزات الجميلة ، لتمتلك بالمقابل قروشا "قليلة" تعيل بها أسرة ممتدة أثقلت كاهلها مرارة الأيام، وأعياها غدر الزمن .
الفتاة الأنيقة
للوهلة الأولى وعند رؤيتك وفاء تعرف كم هي مهتمة بمظهرها وأناقتها ، تمشي على استحياء لتصل إلى مكان عملها في الجمعية صباحا، لتقضي يومها كله مع نظيراتها من فتيات الداون في نفس المكان بين المطرزات والمشغولات اليدوية، وعلى الجانب الآخر يساورك شعور رباني بأنها تمتلك في صفحات قلبها طيبة ممتزجة بخمول غير عادي، لكنها ليست الحقيقة كاملة، فوفاء رغم طيبتها وجمال روحها البريئة ، فهي تحمل في جسدها أعباءً جمة ألقيت على عاتقها قدرا لا صدفة.
الأمل المفقود
وفاء وإخوانها كان لهم من المرّ نصيب ، ف "رفيق" الأخ الأصم لا يسمع من حديث الأسرة شيئا ولا يفقه سوى تمتمات تخرج من شفاه إخوانه يترجمها كيفما شاء ، أصيب "رفيق" بفشل كلوي، لم يكن بوسع الأسرة أن تقف دونما مساعدة، حاول الجميع أن يقدم جزءا من جسده لذلك الشاب الثلاثيني، فقرر الوالد أن يتبرع بكليته لولده لكن الأمر لم يكن كما يراد، فالأب يعاني من تضخم في الكلى، والأخ الآخر من حصى، لينتهي بذلك الأمل المفقود، وتبدأ المحنة الجديدة...
وفاء تدفع الثمن
قررت الأسرة أن تجري العملية ل "رفيق " في مصر الشقيقة بتركيب كلية صناعية له، بتكاليف قدرّت بأربع وعشرون ألف دولار تحملت عبء سدادها "وفـاء" فهي الوحيدة التي تعمل وتنفق، وليست القصة تتوقف عند مرض رفيق، فالأم التي تجاذبتها نوائب الحياة ، مصابة بالقلب والسكري، وقد أقعدها الهم والمرض .
بصمة في كل ناحية
"لا تترك زاوية من زوايا بيتنا البسيط إلا وترتبها " هكذا بادرتني أختها بالإجابة عندما سألتها عن مدى مساهمة "وفاء" في البيت ، مضيفة " وفاء بمثابة النبض الذي يجلب الحياة لبيتنا ، فهي تساعدنا معنويا وماديا "، مضيفة أنه في يوم عطلة وفاء الأسبوعي نشعر وكأن بيتنا أصبح واقعا مختلفا فوفاء رغم صغر حجمها وإعاقتها لكنها تحمل في طيات قلبها الصغير نشاطا وحيوية، تتجسد في بيتها البسيط وعملها المضني ، "بالفعل بصمات وفاء محفورة أينما حلت" هكذا اختتمت هناء حديثها عن وفاء .
إذن فحكاية وفاء تروي وفاءً غير معهودٍ لعائلتها التي تعتمد عليها في تسيير أمورها المادية، وهي التي تعاني من إعاقة الداون ، قدر صعب وحياة أصعب تعيشها وفاء بين عالم اختلت موازينه وتبلدت فيه المشاعر .