بحث إمكانية استعادة ممتلكات فلسطينية 'هائلة' صادرتها إسرائيل إثر النكبة
وفا- تنظر مجموعة من الباحثين والقانونيين إمكانية رفع دعاوى فردية وجماعية في محاكم أوروبية لاستعادة أموال وممتلكات فلسطينية صادرتها إسرائيل، إثر النكبة عام 1948، وفق قوانين ما يسمى بـ"أملاك الغائبين" التي تعتبر باطلة وتخالف في طبيعتها كل الشرائع الدولية.
وتنوي المجموعة توجيه تحذيرات إلى عدد من الشركات الأوروبية التي أقامت مراكزها على أراض مصادرة، وتعود ملكيتها أساسا لمواطنين فلسطينيين، وذلك لاسترداد هذه الحقوق التي يكفلها القانون الدولي. ومن بين المصادر التي يتم الاستناد إليها كتاب الخبير الفلسطيني الراحل، هنري كتن، "فلسطين في ضوء الحق"، وأوراق أخرى.
وتمثل هذه الممتلكات التي أحصاها كتن، وهو خبير ومخمن ممتلكات من مواليد القدس عام 1903، 90 بالمائة من أموال العرب في فلسطين قبل عام 1948، وتشمل مدنا وقرى بأكملها بجميع مقتنياتها.
وتتألف هذه الأملاك حسب كتاب كتن الصادر عن دار النهار في بيروت عام 1970، من عدد كبير من المدن والقرى بكاملها وبكل ما فيها، حيث استولت إسرائيل على مدن عربية خالصة هي: يافا وعكا والناصرة واللد والرملة وبئر السبع وبيسان والمجدل وأسدود وبيت جبرين وشفا عمرو، والأجزاء العربية من مدينة القدس الجديدة، وحيفا وطبرية وصفد، وأكثر من 860 قرية.
ويقول الكتاب: "إنه "لما كان أهل هذه المدن العربية قد تعرّضوا لإرهاب أو لطرد أو لاذوا بالفرار في حالة من الفوضى والاضطراب، فقد عمدت إسرائيل إلى الاستيلاء عليها جميعا، كما استولت في جميع الحالات تقريبا على محتوياتها، بما في ذلك الأثاث واللوازم المنزلية والمعدات والبضائع وما إلى ذلك من الممتلكات المنقولة".
ويضيف "وحيث إنه لم يبقَ من السكان العرب في الأراضي التي احتلتها إسرائيل إلا نحو 10 في المائة، فإنّ الممتلكات التي تم الاستيلاء عليها إنما تمثل 90 في المائة من أموال العرب في هذه الأراضي".
وطبقا للأرقام الرسمية التي أوردها المؤلف، كان العرب يملكون معظم أراضي فلسطين، وهي تشمل الأراضي الزراعية ومساحتها (6,705,568) دونما والأراضي المزروعة بالأشجار الحمضية ومساحتها (135,368) دونما والأراضي المزروعة زيتونا وموزا وغير ذلك من الأشجار ومساحتها (1,054,065) دونما، ومساحات كبيرة من المراعي.
وثمة أموال تجارية وصناعية، وهي تشمل حقوقا وموجودات وسلعا ومعدات لعشرات الآلاف من الأفراد وشركات الأموال وشركات الأشخاص والمنشآت الصناعية والتجارية والمعامل والمطاحن والمشاغل، أي ما يقارب 7800 متجر ومكتب ومشغل ومستودع.
وكذلك أموال وأمتعة شخصية، وهذا البند يمثل الممتلكات المنقولة والأموال الشخصية لمليون شخص. وفي حالات كثيرة شملت حوادث نهب للنقود والمصنوعات الفضية والسجاد واللوحات والتحف الفنية.
مصادرة الأملاك غير المنقولة
ويفَصل الكاتب والخبير كتن كيفية استيلاء إسرائيل على الأموال غير المنقولة للاجئين الفلسطينيين ويقول: "إنها تمت "بطريقة منتظمة على مرحلتين: ففي المرحلة الأولى بين عامي 1948 و1950، وضعت إسرائيل يدها فعلا على جميع الأراضي والمباني التي كانت للاجئين الفلسطينيين، وسنت تشريعا يهدف إلى الاستيلاء رسميا على أملاكهم".
وبين أن "أول تشريع في هذا الصدد هو قانون المناطق المتخلى عنها الصادر سنة 1948، وطبقا لهذا القانون تستطيع الحكومة أن تعلن أن أية منطقة محتلة هي منطقة «متخلى عنها»، وفي هذه الحال توضع الأنظمة الخاصة «بنزع ملكية هذه الممتلكات ومصادرتها». وليس ثمة ريب في أن الممتلكات التي اضطر أصحابها إلى تركها وراءهم في ظروف القسر أو الإرهاب أو الطرد لا يمكن وصفها بحق بأنها ممتلكات «متخلى عنها»، والواقع أن اللاجئين لم يكن في نيتهم أبداً «التخلي عن» ديارهم وأراضيهم، ومثل هذا الوصف واضح التضليل".
ويتحدث الكتاب عن كيفية استخدام إسرائيل "حيلة" قانون المناطق المتخلى عنها بأنظمة زراعة الأرض البور وقوانين ممتلكات الغائبين (1948)، وقد عرفت «الأرض البور» بأنها الأرض غير المفلوحة، أو التي يرى وزير الزراعة الإسرائيلي أنها لا تفلح «بطريقة ناجعة»، ومثل هذه الأرض يمكن لوزير الزراعة الاستيلاء عليها.
وقال: "واضح أنه لما كان اللاجئون الفلسطينيون ممنوعين من العودة إلى أراضيهم وغير قادرين على فلاحتها، فإنّ هذه الأنظمة قد كانت حيلة للاستيلاء على جميع أراضي العرب المملوكة للاجئين في الأقاليم التي استولت إسرائيل عليها. ثم جاءت أنظمة ممتلكات الغائبين (سنة 1948) فوسعت من نطاق الاستيلاء على جميع أملاك اللاجئين العرب أيا كانت طبيعتها. وبمقتضى هذه الأنظمة عهد «بأملاك الغائبين» إلى حارس يتولى إدارتها من دون أن يكون له حق بيعها أو تأجيرها لمدة تزيد على خمس سنين".
وقد عرفت «أملاك الغائبين» بأنها الأملاك التي يحوزها أو يملكها «غائب»، و«الغائب» هو أي شخص كان في يوم 29 من تشرين الثاني (نوفمبر) 1947 مواطنا أو مقيما في الدول العربية أو كان مواطنا فلسطينيا ترك مكان إقامته ولو للجوء إلى جزء آخر في فلسطين. وكان معنى هذا في الواقع أن جميع الأملاك، بما فيها الأراضي والمباني والمنقولات والأموال المملوكة للعرب الذين لم يبقوا في مكان سكناهم العادي في الأقاليم التي استولت عليها إسرائيل قد عهد بها إلى الحارس الإسرائيلي. وكان من حق الحارس أن يتقاضى رسما يعادل 5 في المائة من قيمة الأملاك لتغطية نفقات إدارته. وقد مكّنت هذه الأنظمة إسرائيل من الاستيلاء على جميع الأملاك الخاصة باللاجئين الفلسطينيين.
المنافع التي عادت على إسرائيل من أملاك اللاجئين العرب
يؤكد الخبير كتن أن الممتلكات التي تركها العرب هي "من أعظم العوامل التي أسهمت في جعل إسرائيل دولة حيّة، فإن ترامي مساحتها وكون معظم المناطق بطول الحدود تتألف من أملاك للغائبين، جعلت للممتلكات أهمية استراتيجية".
ويوضح أن المستعمرات اليهودية الجديدة التي أنشئت بين عام 1948 وأوائل عام 1953، وعددها (370) مستعمرة، كانت (350) منها على أملاك للغائبين، وفي عام 1954 عاش أكثر من ثلث سكان إسرائيل اليهود في ممتلكات الغائبين، كما أن ما يقرب من ثلث المهاجرين الجدد (وعددهم 250 ألف نسمة) استقروا في مناطق داخل مدن تركها العرب، "لقد تركوا مدنا بأسرها مثل يافا وعكا واللد والرملة وبيسان والمجدل و(388) مدينة وقرية وأجزاء كبيرة من (94) مدينة أخرى".
وأضاف "هناك عشرة آلاف متجر ومشروع ومستودع تركت في أيدي اليهود، ولدى انتهاء الانتداب، بلغت جملة مزارع الأشجار الحمضية في أراضي إسرائيل نحو (240) ألف دونم، نصفها كان مملوكا للعرب".
ويقدم الكاتب براهين على ذلك بالأرقام ويقول "بحلول عام 1956، كان هناك (73) ألف دونم بين أراض مزروعة او صالحة للزراعة. وفي عام 1951- 52 أنتجت بساتين العرب السابقة مليونا وربع مليون من صناديق الفاكهة، صدر منها (400) ألف صندوق، وإن الفاكهة العربية المصدرة إلى الخارج قد زوّدت البلاد بنحو (10) في المائة من واردات القطع النادر الناتجة عن صادرات عام 1951، وفي عام 1949 كانت غلة الزيتون من بساتين العرب التي تركوها تحتل المنزلة الثالثة في صادرات إسرائيل الرئيسية، بعد الحمضيات والألماس، وان الأهمية الاقتصادية النسبية للممتلكات العربية بلغت ذروتها من عام 1948 إلى عام 1953 وهي فترة أضخم هجرة وأعظم حاجة".
وقد قدرت لجنة "التوفيق الدولية" مقدار الأراضي القابلة للزراعة التي كانت مملوكة للعرب الفلسطينيين اللاجئين والتي استولت عليها إسرائيل بما يعادل مساحة الممتلكات الخاصة باليهود مرتين ونصف مرة تقريبا.
ويقول "من الحق أن يقال إن إسرائيل قد عاشت وازدهرت إلى حد كبير على ما نهبته من أملاك اللاجئين العرب في فلسطين".